أعتقد أنه كان يوما فاصلا في تاريخ نقابة الصحفيين، مثل أيام كثيرة مرت علي هذه النقابة العريقة. كنا في قلب حركة انتخابية ترشحت فيها لموقع النقيب جاء الزملاء وأخبروني في الساعات الحاسمة أن هناك أوامر باستخدام كل الوسائل لقطع الطريق علي إرادة الصحفيين التي قررت يومها أن تختارني. صعدت للمكتب الذي تدير منه اللجنة المشرفة علي الانتخابات أعمالها لأفاجأ بأن المسئول عن الصحافة في أمن الدولة يدير الأمور ويصدر التعليمات. بعد دقائق فوجئنا بأن قوات الأمن تحاصر مبني النقابة المؤقت الذي جرت فيه الانتخابات.. وكانت الرسالة واضحة، ثم صارت أكثر وضوحا حين وضعت صناديق الانتخابات تمهيدا لفحصها، فإذا بكل الصناديق الخاصة باختيار النقيب مفتوحة بعكس الصناديق الخاصة بالأعضاء. جلسنا علي الفور لنبحث الأمر، كان الاختيار أمامنا «كما قلت للزملاء» أن نسمح بتزوير الانتخابات بالنسبة للنقيب، أو نترك النقابة لتلقي مصير باقي النقابات المهنية وتفرض عليها الحراسة وتصبح تحت هيئة الحكم وسلطة الأمن. اخترنا علي الفور ما هو في صالح المهنة وما يحمي النقابة. كان صعبا أن نري أمامنا الصناديق الخاصة بالنقيب كلها مفتوحة، ولكن كان يغرينا أن الصناديق الخاصة بالأعضاء لم يتم التلاعب بها. وكان هذا ما عكسته النتائج المعلنة بعد ذلك حيث كانت غالبية المجلس من تيار الاستقلال، بينما كان موقع النقيب محجوزا لمرشح الحكومة. بعد سنوات، وعندما كنت نقيبا للصحفيين، اعترف لي مسئول الأمن بواقعة التزوير، وأقر بالخطأ، ولكنه لم يدرك أن الوقت قد تجاوز ذلك بكثير! تذكرت ذلك وأنا ذاهب إلي انتخابات النقابة أول أمس لم تتدخل اجهزة الدولة، ولم تكن لقيادات المؤسسات الصحفية أي سلطة في قرار الصحفيين لاختيار قياداتهم النقابية. فاز النقابي العريق يحيي قلاش بموقع النقيب بأغلبية كاسحة. وسادت المعايير النقابية في اختيار اعضاء المجلس. نبدأ صفحة جديدة في كتاب الحريات، ولكن علينا أن نقدم الشكر لمن تحملوا المسئولية في أصعب الظروف. كل التقدير لجهد النقيب السابق ضياء رشوان، ولعمنا محمد عبدالقدوس الذي آثر أن يكتفي بتاريخ طويل ورائع من الدفاع عن الحريات، وللمناضل جمال فهمي الذي لم يحالفه الحظ في هذه الانتخابات. مرة أخري قدم الصحفيون نموذجا في الحفاظ علي ديمقراطية النقابة والمهنة.. والمهم الآن أن يدركوا أن القادم أصعب، وأنه لا سبيل إلا وحدة الصحفيين، ووضوح الهدف وهو استقلالية الصحافة مع انحيازها للوطن المستقل، وللمواطن الحر، وليس لاحتكارات تصادر الحرية وتحمي الاستغلال تستبيح كل شيء في سبيل حماية مصالحها. والمهم الآن أن نقرأ.. وأن نفهم!!