هل تغيرت دولة الإمارات العربية المتحدة ؟ هل بدلت سياستها الخارجية ؟ وما هي الرؤية الاستراتيجية الجديدة، التي تلتزم بها في الآونة الأخيرة ؟ أسئلة منطقية ومشروعة في ظل ما يرصده المراقب، من انشغال واضح من دوائر صنع القرار في الإمارات، بالشأن العربي والإقليمي. التزمت الإمارات منذ إعلان الدولة في عام 1971، بالواقعية السياسية،المتفاعلة مع محيطها وهو احدي سمات كل دول الخليج إلي المبادرة، كما ركزت علي القضايا الاقتصادية الداخلية، وجعل السياسية الخارجية في خدمتها، مما أوصل الإمارات إلي أن يصل الناتج المحلي إلي 400 مليار دولار، ونصيب الفرد من الناتج الإجمالي إلي 28 ألف دولار سنويا، ليس هذا فقط، فقد احتلت الإمارات العام الماضي المركز ال12 في تقرير التنافسية العالمي، الصادر من المنتدي الاقتصادي العالمي دافوس، وتصنف ضمن الفئة المرتفعة جدا في مؤشرات التنمية العالمية، كما تنعم بالأمن والأمان في ظل قوانين تحترم حرية الاختلاف والتنوع، ويعامل الجميع بالإنصاف أمام القانون، في ظل وجود 200 جنسية من مختلف دول العالم. ويصبح السؤال المطروح:ما الذي يدفع دولة بتلك المواصفات، وهذه الانجازات،أن تغير من سياستها الخارجية ؟ وتصبح أكثر ايجابية وفاعلية في التعامل مع القضايا العربية والإقليمية والدولية، حتي خارج نطاقها الجغرافي التقليدي، والمتمثل في منطقة الخليج؟ الإجابة باختصار هو تنامي ظاهرة الإرهاب في العالم، والتي لم تعد هناك دولة من الدول، بمنأي عن مخاطره. لدرجة أن تنظيما مثل داعش، أصبح علي الأبواب متاخما لحدود العديد من دول المنطقة، يستهدف بشكل واضح وصريح دول الخليج، بعد قدرته علي احتلال جزء من أراضي دولتين، هما العراق وسوريا.والوقائع تقول إن الإمارات لا تبحث عن دور، ولا تسعي إلي نفوذ،هي في غني عنه. بل تستهدف وتسعي إلي خلق منظومة قوية ومستقرة في المنطقة، تدعم بعضها البعض في مواجهة التطرف والإرهاب، والحفاظ علي كيان الدول الوطنية، وبعضها مهدد، وفي مواجهة والتصدي لظاهرة التفتيت الحاصل في العالم العربي، وبهذا المفهوم يمكن فهم موقف دولة الإمارات غير المسبوق وعلي أكثر من مستوي، اقتصادي وسياسي، الداعم لمصر بعد 30 يونيو 2013، علي أساس أن مصر هي حجر الزاوية في مسيرة المنطقة إلي الاعتدال، كما شاركت في الجهود الدولية للتصدي، لنشاطات تنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة في مالي،ولها دور في مواجهة التنظيمات المتطرفة في ليبيا. كما أن الإمارات تلعب دورا فاعلا ومؤثرا، ضمن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ضد داعش، في إطار الأممالمتحدة ومجلس الآمن، وفي الاجتماع الإقليمي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في جدة في سبتمبر الماضي، ومشاركتها في المؤتمر الدولي حول السلام والأمن في العراق،الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس، ومبادرتها إلي إنشاء واستضافة مركز متخصص في المواجهة الفكرية للتطرف، في مدينة أبو ظبي تحت اسم « هداية «، كما أصدرت الإمارات قانونا اتحاديا، حول الجرائم الإرهابية يشتمل علي مواد صارمة، لمعاقبة من يثبت عليه القيام بأعمال إرهابية، أو التحريض عليها، وبعدها اصدر مجلس الوزراء قرارا اعتمد فيه قائمة تضم عددا كبيرا من التنظيمات الإرهابية، ضمت 83 تنظيما ومؤسسة وجماعة في دول مختلفة، وبهذه الخطوة دخلت الإمارات ضمن عدد محدود من دول العالم، التي تصدر مثل هذه القوائم وهي الدولة العربية الثانية بعد السعودية، وان كانت الإماراتية اشمل واكبر حتي من الأمريكية، التي تقصر الموجود فيها علي تنظيمات مرتبطة بالقاعدة، أو متورطة في أعمال إرهابية ضد رعاياها، أو تهدد مصالحها أو علاقتها الخارجية، وقد فتحت الإمارات الباب مواربا، لمن يري من تلك المنظمات، ان وضعه في القائمة غير صحيح، أن يتظلم من ذلك، ويقدم ما لديه من أدلة ويمكن أن يخرج منها، فهي قابلة للتعديل والمراجعة،كما أنها إجراء داخلي بالإمارات،لا تسعي إلي تعميمه علي غيرها من الدول، بل هي خطوة استباقية ومبررة، ولا تتسم بالتسرع كما يري المراقبون وهكذا، تحاول الإمارات تعزيز دورها في المنطقة، كإحدي قلاع الاعتدال في المنطقة، والحصن الحصين لاستقرارها، وقد ظهر هذا واضحا في محاولة بناء شراكة استراتيجية مع دول الاعتدال العربي، ضمن تحالف وليس محور، يضم بالأساس مع مصر والسعودية والكويت وكذلك المغرب والأردن، لا يتوقف دوره فقط علي الداخل في تلك الدول، بل يتجاوزه إلي قيادة العمل العربي المشترك، لمواجهة قوي التطرف من جهة،والحفاظ علي تماسك عدد من الدول،التي تتعرض إلي الانقسام، والتفتيت، والتقسيم. وليبيا مثال واضح علي ذلك، وكذلك العراق التي ساهمت مخاطر داعش وسيطرته علي أجزاء منه، إلي تبادل الزيارات بين قيادات البلدين، وكذلك البحث عن إطار مقبول لحل الأزمة السورية، التي كانت منفذا دخلت منه قوي متطرفة وإرهابية إلي المنطقة.