11 مايو .. "المهندسين" تجتمع ب5 محافظات لمناقشة مشروع "ممارسة المهنة"    تأجيل محاكمة المتهم بدهس طبيبة التجمع لدور مايو    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    مؤسسة ساويرس تقدم منحة مجانية لتدريب بحارة اليخوت في دمياط    بروتوكول تعاون بين كلية الصيدلة وهيئة الدواء المصرية في مجالات خدمة المجتمع    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 30 أبريل 2024    أسعار اللحوم فى الأسواق اليوم الثلاثاء 30 ابريل 2024    وزير الإسكان: 131 ألف حجز ل1747 قطعة أرض بالطرح الرابع لبرنامج «مسكن»    وزير الري يؤكد أهمية دور البحث العلمي في التعامل مع تحديات المياه    الصحف الكويتية: زيارة أمير الكويت للقاهرة تتويجا للعلاقات الأخوية والتاريخية    البنتاجون يكشف عن تكلفة بناء الرصيف المؤقت قبالة ساحل غزة    بسبب ثوران بركان جبل روانج.. إجلاء آلاف الأشخاص وإغلاق مطار دولى بإندونيسيا    مواعيد مباريات الثلاثاء 30 إبريل - ريال مدريد ضد بايرن.. وكلاسيكو السعودية    أخبار الأهلي : الأهلي يستعيد الثنائي الغائب أمام مازيمبي لمواجهة الإسماعيلي    نجم الزمالك: الأهلي سيتوج بدوري أبطال إفريقيا    عاجل.. تشافي يعطي لابورتا الضوء الأخضر لعرض ثنائي برشلونة على الأندية السعودية    افتتاح المعرض السنوي لطلاب مدارس التعليم الفني بالقاهرة تحت شعار "ابدع واصنع"    تأجيل محاكمة المتهمين بخطف شاب وإجباره على توقيع وصلات أمانة    الأرصاد تكشف موعد ارتفاع درجات الحرارة (فيديو)    سفير فنلندا في زيارة لمكتبة الإسكندرية    النبي موسى في مصر.. زاهي حواس يثير الجدل حول وجوده والافتاء ترد    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    "أسترازينيكا" تعترف: آثار جانبية قد تكون مميتة للقاح فيروس كورونا    حسام موافي في ضيافة "مساء dmc" الليلة على قناة dmc    اليوم.. استئناف فتاة على حكم رفض إثبات نسب طفلها للاعب كرة شهير    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب شرق تايوان    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    سعر الدرهم الإماراتي بالبنوك اليوم الثلاثاء 30-4-2024 في مصر    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    بكاء ريهام عبد الغفور أثناء تسلمها تكريم والدها الراحل أشرف عبد الغفور    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    «طب قناة السويس» تعقد ندوة توعوية حول ما بعد السكتة الدماغية    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء منتصف الأسبوع الثلاثاء 30 إبريل 2024    مقتل 3 ضباط شرطة في تبادل لإطلاق النار في ولاية نورث كارولينا الأمريكية    اندلاع اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في مخيم عسكر القديم شرق نابلس    تعرف على أفضل أنواع سيارات شيفروليه    العميد محمود محيي الدين: الجنائية الدولية أصدرت أمر اعتقال ل نتنياهو ووزير دفاعه    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    "المصل و اللقاح" عن الأثار الجانبية للقاح "استرازينيكا": لا ترتقي إلى مستوى الخطورة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    حشيش وشابو.. السجن 10 سنوات لعامل بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة في سوهاج    تعيين إمام محمدين رئيسًا لقطاع الناشئين بنادي مودرن فيوتشر    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.نبيل فهمي وزير الخارجية السابق في حوار ل «الأخبار»
العالم العربي علي حافة الهاوية وأدعو لقمة عربيةحول الهوية

التحسن تدريجي للعلاقات مع امريكا ولكنها لن تعود كما كانت
زيارة السيسي للصين فرصة جيدة لحوار سياسي جاد دوليا واقليميا
في حوار طويل وصريح اجاب د. نبيل فهمي الدبلوماسي المخضرم ووزير الخارجية السابق علي اسئلة «الاخبار» حذر فهمي في الحوار من ان العالم العربي يقف علي حافة الهاوية في صراعه مابين الدولة المدنية والجماعات المتطرفة، ودعا الي قمة عربية لبحث قضية الهوية ترعاها مصر.
تناول الحوار العديد من النقاط الساخنة في قضايا مصر الاقليمية والدولية، وتوقع عودة التحسن التدريجي للعلاقات مع امريكا تدريجيا ولكن ليس علي المدي القريب كما استبعد عودة العلاقات الي طبيعتها مع تركيا خلال السنوات الثماني القادمة كما تناول مفاوضات المياه حول سد النهضة وقال «النوايا الحسنة لاثيوبيا والسودان لا تكفي في ملف المياه» . .كما شدد علي اهمية زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للصين بأنها فرصة جيدة لحوار سياسي جاد دوليا واقليميا . وفيما شن فهمي هجوما شديدا علي الاعلام المصري ووصفه بانه دون المستوي دعا الاعلاميين الي تقدير خطورة عدم مهنيتهم علي العقول والبلد
وفيمايلي نص الحوار
مع بروز تحالف دولي ضد داعش, هل هناك فرصة لحل القضية السورية؟
لم يكن ظهور داعش مفاجأة, فكل أسباب التطرف والإرهاب متوافرة بالمشرق وكانت واضحة, ولم يتحرك احد عندما كان يقتل مواطنو سوريا أو العراق, عربا ومسلمين, وحذرت من هذا عقب 30 يونيو, ولم يتحرك احد بل دعموا هذه الجماعات بشكل مباشر أو غير مباشر, إلي أن غيرت داعش سياستها وقتلت عددا من الأمريكيين والبريطانيين, فشهدنا الغارات الجوية التي حملت داعش الخسائر, وانما لم ولن تقضي عليها, إلا مع تواجد عسكري بري بقيادة عراقية مدعومة بآخرين, وعمل اقتصادي واجتماعي عربي بدعم دولي علي مدي طويل.
بدأت الاضطرابات في سوريا مثل بقيه دول الربيع العربي بثورة شعبية سعياً للمشاركه في تحديد مستقبل البلاد, ثم تحولت إلي صراع حول الهوية السورية, وتنافس بين دول كبري وإقليمية لفرض النفوذ أو تصفية الحسابات, ويتحمل الشعب السوري وحده ثمن هذه الصراعات.
"خضة" داعش ستدفع البعض ان "يختشي" بعض الوقت, خاصة بالنسبة لمواقفه تجاه تلك المنظمات المتطرفة, وقد نجد بعض التحرك الموازي أو المنسق بشكل غير معلن, فلا يمكن تصور ضرب سوريا وايران والولايات المتحدة لنفس المواقع خلال اسبوع واحد كان دون تنسيق بينها, كما أتوقع أن نشهد بعض المهادنات بين الحكومة السورية والمحاربين بالمعارضة في بعض المناطق المحدودة, فكلاهما مرهق ويسعي لاستثمار "خضة داعش", وإنما القضية لن تُحل علي المدي القصير, وتحتاج - ضمن أمور أخري- إلي حوار جاد بين روسيا وأمريكا من جانب, والدول العربية الرئيسية وإيران وتركيا من جانب آخر, حول مستقبل الشرق الأوسط عامةً, ليس فقط المشرق أو سوريا, وهي حوارات ضرورية, وإنما ستستغرق وقتا طويلا لاختلاف المواقف والمصالح, وفي هذا السياق هناك مصلحة لمصر وللعالم العربي أن نلعب دورا فعالا في صياغة موقف عربي جديد, يوفق بين مآخذ الدول العربية حول النظام السوري والتوغل الإيراني وبين حماية الدولة السورية والنظام العربي, لنكون أكثر قدرة علي موازنة المصالح العربية ومصالح الدول الاقليمية الأخري مثل تركيا وإيران.
هل تستطيع العراق لم الشمل داخلياً حتي يقوم بدور وطني أو إقليمي؟
مشكله العراق انه تحول من نظام مركزي دموي أثناء صدام حسين, علي حساب الأقليات وفئات مختلفة من الشعب العراقي إلي وحدات ودويلات مذهبية وعرقية علي حساب الدولة المركزية, مازالت تلك الدويلات تتألم من كوابيس الماضي, لذا فرغم أن العراق أقام مؤسسات الدولة الحديثة فلم يستثمرها كأدوات جامعة, ويُتعامل معها من منظور طائفي, وهو ما تستغله دول وجماعات متطرفة, ويشجع علي استمرار نفوذ الميلشيات والجماعات العسكرية غير النظامية.
اعتقد أن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة خطوة بالاتجاه الصحيح, وإنما يجب أن تدعم ببناء جيش عراقي علي أساس الكفاءات, دون تمييز لفئة أو طائفة, وكذلك وضع نظام إداري ومالي سليم بين الحكومة المركزية والمحليات, تأكيدا علي مكانه الدولة, وتشجيعا للمحليات علي التعامل مع الحكومة المركزية.
هل تتوقع حدوث تطور في العلاقات الإيرانية العربية والمصرية , خاصة مع قيام الدول العربية الخليجية بتبادل الزيارات مع إيران؟
العلاقة العربية الإيرانية ليست بعيدة عن العراق وسوريا, بصرف النظر عن ان نقطة البداية فيها بالخليج العربي, بل أن امتداد نفوذ إيران إلي البحر المتوسط وغيره يعني أيضاً أن سياستها مرتبطة بمصر إقليمياً, وليس فقط لعلاقة مصر الحميمة مع الدول العربية الخليجية.
إيران دولة مهمة لا غبار علي ذلك, وقد فتحت حواراً محدوداً وصريحًا معها عندما كنت وزيراً للخارجية, اتسم بالوضوح الكامل ويعكس رغبة من جانبنا لتحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط, واستعداداً لاحترام مصالح الغير, في نفس الوقت أكدت علي أن هناك تحفظات شديدة علي السياسات الإيرانية بالخليج العربي, والمشرق تحديداً, وطالبت الجانب الإيراني باتخاذ موقف واضح من عدم التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر بالأمور الداخلية للدول العربية المجاورة لها, منوهاً أن ذلك سيكون له مردود إيجابي فيما بينهم, وكذلك علي المستوي الإقليمي, ويساعد علي إيجاد حل, أو التحاور حول الاختلافات الحدودية والسياسية القائمة مع الإمارات والبحرين والسعودية. وحذرت من تفاقم الأمور وخطورتها مع إدخال الاعتبارات العرقية والمذهبية الدينية في العلاقات بين الدول, وتأثير كل ذلك حتماً علي مصالحنا جميعاً بما فيها إيران, وكانت هناك بوادر استجابة محدودة من الجانب الإيراني, وأتمني أن نشهد المزيد.
ومن اكبر مؤشرات الخلل الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط ان هناك 6 دول تتفاوض مع إيران حول برنامجها الدولي دون مشاركة أية دولة عربية, وفقاً لمصالحها الاجنبية ورؤيتها المرتبطة بإيران, فكيف يطمئن العالم العربي لنوايا الطرف الإيراني او الأجنبي دون المشاركة بالمفاوضات, مع كل التطمينات التي نسمعها فهناك قلق مشروع من الجانب العربي, فهل سيكون الاتفاق النووي إذا تم مقابل استمرار إيران في سياستها الإقليمية؟ لماذا تطمئن الدول العربية لنوايا الدول المتفاوضة, إذا كانت ترفض حضورنا المفاوضات, ونحن طرف إقليمي له مصلحة مباشرة؟
هدف المفاوضات هو السيطرة علي المواد المخصبة وعدم تمكين إيران من استكمال تخصيب كميات ملائمة مستقبلاً قبل مرور عام علي الأقل, بما يعني منع العسكرة المفاجئة للبرنامج النووي, وهو في حد ذاته تراجع بالموقف الدولي, وإقرار بالقدرات النووية الإيرانية حتي إذا لم تكن قد صنعت سلاحا نوويا.
لهذه الأسباب لا أري إمكانية تطمين العرب من المخاطر النووية دون خلق منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط, يشمل كل دول المنطقة, بما فيها إسرائيل والتي لها ترسانة نووية اكبر واخطر من القدرات الايرانية, ومطلوب منطقة خالية تضمن إجراءات تفتيش بالغة الدقة, وتضم مراكز اقليمية لتخزين الوقود المخصب. وأكرر أن التغلب علي الشكوك العميقة بين العرب وإيران يتطلب حوارا عميقا حول مستقبل الشرق الأوسط عامةً, ومجموعة من إجراءات بناء الثقة علي مستوي الثنائي, وهو حوار أؤيده وأشجعه وأناشد إيران بتهيئة الظروف الملائمة لإجرائه ولنجاحه.
المسألة الليبية والسودانية
وإذا انتقلنا إلي دول الجوار المصري المباشر نجد حدودنا إما مشتعلة مثل ليبيا, أو غير مستقرة مثل السودان, أو مضطربة مثل الحدود الشرقية مع فلسطين من خلال قطاع غزة وإسرائيل, كيف وصلت الأمور إلي كل ذلك في آنٍ واحد, وماذا نفعل؟
الوضع في ليبيا مأساوي وبالغ الخطورة, فهناك تنازع علي شرعية الحكومة المركزية, وهناك انفلات أمني لممارسات بعض الجماعات المتطرفة غير الشرعية . والأوضاع في ليبيا تؤثر سلباً علي مصالح مصر والجزائر وتونس بتهريب السلاح عبر الحدود, وضغط العمالة الليبية والعربية والإفريقية, واستغلال بعض التيارات المتطرفة لليبيا كقاعدة للانتشار فيها عسكرياً وفكرياً إلي الدول العربية والإفريقية المجاورة. ولا يوجد حل لكل هذا دون جهد لدول الجوار والمجتمع الدولي لضبط السلاح المهرب إلي أو من ليبيا, ولا أمانع في حوار سياسي ليبي بالتوازي مع هذا, وهو ما تسعي إليه الأمم المتحدة وإنما من المهم مراعاة عدم إعطاء مشروعية سياسية رسمية أو ضمنية للجماعات المتطرفة التي تمارس العنف , ولذا قد يكون شرطاً من شروط المشاركة لهذه الجماعات التزامها بتجميد نشاطها العسكري, والعنصر الثالث بالغ الأهمية هو إعادة بناء الجيش الوطني الليبي لمواجهة التيارات المتطرفة ولضبط الحدود, فالوضع في ليبيا سيظل مضطرباً لمدة طويلة, والمشروع سيطول, وإنما لا يوجد لدينا أو لدي الغير رفاهية الانتظار, فتوغل الجماعات المتطرفة وانهيار الدولة وصل إلي معدلات غير مسبوقة وبالغة الخطورة.

و ماذا عن السودان؟ وهل تقف مع إثيوبيا ضدنا في قضية المياه؟
هناك تحسن في العلاقات المصرية السودانية منذ 30 يونيو, وكانت أول محطة خارجية لي بعد تولي وزارة الخارجية, وكلما نظر الجانبان للعلاقة باحترام متبادل وبروح تعاونية أتوقع أن نشهد مزيدا من التقدم في العلاقات, وهناك بالفعل بعض الانجازات حول عدد من المناطق الحدودية والمعابر, مما يساعدنا في إدارة اختلافاتنا الأخري بحكمة, بعيداً عن العواطف والمهاترات.
اتخذت السودان موقفاً مختلفاً عن مصر في مسألة المياه منذ 2012, ولا تزال مواقفنا متباينة, وستظل كذلك حتي نصل إلي حل توافقي بين مصر وإثيوبيا, مع العلم بأن إثيوبيا والسودان أكدا علي عدم اتخاذ مواقف تمس المصالح المصرية جذرياً, ويؤكد علي ان هناك حسن نية في ذلك, ولكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي في مثل هذه الأمور الحساسة, ويجب متابعة المفاوضات بدقة والتي أتوقع أن تكون شاقة وصعبة, فالعبرة بالمواقف الفنية والتفصيلية وليس البيانات الفضفاضة, وهذا هو ما كان يحكمنا في المفاوضات خلال عامين 2013 و2014, أي احترام مصالح الغير, والاستعداد للتعاون لتحقيق هذه المصالح, وعدم التهاون في إيضاح خطورة بناء سد النهضة للمجتمع الدولي دون اتفاق ثلاثي إثيوبي سوداني مصري.
العداء التركي
وكيف تفسر العداء التركي لمصر, وكان أخره في لقاء أردوغان بالرئيس الروسي بوتين مؤخراً؟
سعت تركيا دوماً لتعظيم نفوذها ووزنها مع الدول الغربية وفي الشرق الأوسط,حيث طرحت نفسها كدولة إسلامية معتدلة بزعامة اردوغان كحلقة تفاهم بين العالم والإسلام السياسي, لأنها لا تستطيع ادعاء الانتماء للعالم العربي, ونجحوا في الترويج لهذه المعادلة, إلي أن تصدت مصر لتنظيم الإخوان المسلمين, أقوي مؤسسات التيار السياسي الإسلامي, فجاءت الطامة الكبري وانهار المشروع التركي ولا أتوقع تحسنا كبيرا في العلاقات السياسية بين البلدين خلال الأعوام الثماني القادمة, وهي مدة ولاية الرئيس التركي , وإنما من الواضح أن تمسك البلدين بالعلاقات الاقتصادية لما تحققه من مصالح مشتركة.

أين نحن من القضية المنسية عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية؟
هناك محاولة الان لإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي الداعم للحل السلمي للنزاع, يسعي من خلاله الجانب الفلسطيني للحصول علي اعترافات دولية بالدولة الفلسطينية وتاريخ محدد -كوسيلة ضغط علي إسرائيل – لإنهاء الاحتلال, ويميل الجانب الأوروبي والأمريكي للتركيز علي أسس حل النزاع, وإنما أرجو الا ينتهي الأمر إلي تمييع المواقف من اجل التوصل لقرار توافقي علي حساب أسس الحل, واهمها إقامة الدولة الفلسطينية علي أساس حدود 1967 ووفقاً للشرعية الدولية, فالقبول بتنازل مثل هذا أخطر بكثير من تعرض القرار للفيتو, لأنه يقوّض أهم أسس عملية السلاح.
لا داعي للف والدوران, الحكومة الإسرائيلية الحالية غير مؤمنة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة علي حدود 1967, حتي مع تعديل بسيط في الحدود من خلال تبادل الأراضي, فنتنياهو شخصيا لا يؤمن بذلك, ولا مجال لإحراز تقدم إلا إذا عادت إسرائيل مستقبلا بجدية لعملية السلام من خلال ائتلاف حكومي مختلف, وإلي أن يتحقق ذلك علي العرب التحرك وفقا لثلاثة محاور, الأول تصعيد الإجراءات السياسية ضد الممارسات الاسرائيلية بالأراضي المحتلة وخاصة الاستيطان وعدم حماية المدنيين, علي غرار الإجراءات الاوروبية بالنسبة للبضائع المصدرة من المستوطنات, والثاني مواصلة النشاط السياسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية علي أساس أراضي1967, فهذا يخلق زخما سياسيا له تأثيره علي المدي الطويل, والثالث لإعداد الترويج للمبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت كأساس للحل إذا وجدت حكومة إسرائيلية جادة في السعي للتدخل إلي سلام عربي إسرائيلي شامل.
ويخطئ من يتصور إن القضية الوطنية ستموت بالتقادم, أو نتيجة انشغالنا بقضايا أخري أكثر سخونة, سيظل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية قنبلة موقوتة تحت الرمال قابل الانفجار في أية لحظة ودون سابق إنذار.

والد سيادتك إسماعيل فهمي استقال نتيجة زيارة السادات للقدس.. هل ظل علي موقفه تجاه عملية السلام بعد تطورها خلال الثمانينيات والتسعينيات؟ وهل كنت توافقه في ذلك الموقف؟
كان الوالد مؤيداً للسلام الشامل المصري الإسرائيلي, وسعي لتحقيق ذلك, وإنما اعتراضه انصب علي خطوة محددة وهي زيارة القدس, ومن بعدها مضمون اتفاقية السلام, والتي رآها ستشق الصف العربي, وستصعب من تحقيق السلام الشامل, ولها انعكاس سلبي علي الأمن القومي المصري, واعتقد أن تعثر عملية السلام وتوتر الأوضاع في سوريا وليبيا وسيناء دليل قاطع أن الأمن القومي المصري مرتبط بأمن واستقرار العالم العربي والعكس, وهنا كان الاختلاف بينه وبين الرئيس السادات الله يرحمهما, ولم يغير الوالد رأيه أو موقفه بهذا الموضوع, ومع هذا ظل الاحترام المتبادل بينهما إلي أن اغتيل الرئيس السادات.
كنت دبلوماسيا شابا حينذاك, ولم أكن صاحب قرار أو نفوذ ملموس, وتوليت الوزارة بعد ثلاثة عقود وبعد أن أصبح اتفاق السلام واقعا بالفعل, ومع هذا, حتي لا تتصور انني أهرب من السؤال, فرأيي مثل موقف الوالد, هو تأييد السلام الشامل, إنما متحفظ علي زيارة القدس وتداعياتها, ويهمني التنويه أن الداعين إلي خيار مصر أولاً, يغفلون أن مصر دائما أولاً, وإنما لا يمكن أن تكون مصر أولاً وأخيراً دون العرب أو العرب دون مصر.

الوزير إسماعيل فهمي قال في كتابه "التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط: رؤية عربية" إن معاهدة السلام التي وقعها السادات وضعت شروطا قاسية علي مدي تحرك الجيش المصري وقواته في سيناء.. هل تري أن الأحداث الأخيرة في سيناء تعزز ما قاله الوزير؟
يضع البروتوكول الأمني الملحق باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية حدودا قاسية بالفعل علي شكل التواجد العسكري المصري بسيناء إلا بموافقة مسبقة وصريحة من قبل إسرائيل, وإنما غضت اسرائيل النظر عن زيادة التواجد العسكري المصري بسيناء خلال الأعوام الثلاثة الماضية لأن نجاح مصر في ضبط الأمن ومواجهة الإرهاب في سيناء يحقق مصلحة اسرائيلية في نفس الوقت الذي يخدم المصلحة المصرية, أدعو مستقبلاً عندما تهدأ الأمور إلي مراجعة الاتفاقية العسكرية الأمنية بشكل موضوعي وهادئ, لضبط الأمن وفقاً للمستجدات الأخيرة, وبحيث لا يكون تواجدنا مرهوناً بموافقة اسرائيل أو مبررا لخلافات مستقبلية بيننا.

ارتفعت الأصوات المصرية المنددة بقطر لعدائها السافر ضد ثورة 30 يونيو وتمويلها أو تحصينها لمعارضيها, فماذا كان موقفك, وهل تتوقع التزام قطر بقرارات مجلس التعاون الخليجي وتغير سياساتها تجاه مصر؟
قطر, مثل تركيا, اعتبرت الإسلام السياسي أداة لإظهار نفوذها والرفع من قيمتها وأهميتها إقليميا ودولياً, حتي أن الأمر دفعنا للتساؤل عن موقع قطر بالعالم العربي, وتلي ذلك سحب ثلاث دول عربية سفراءهم من قطر, وهي خطوة سبقتهم فيها مصر, وأن كانت قد استجابت لرجاء عربي بعدم الإعلان الرسمي عن ذلك لإعطاء الفرصة لوساطات عربية, والآن بعد اجتماعات مجلس التعاون الخليجي أعادت الدول الخليجية الثلاثة سفراءها لقطر, ومازالت مصر محتفظة بسفيرها بالقاهرة لنتابع تنفيذ قطر لما تعهدت به.
آمل أن تلتزم قطر بما تم الاتفاق عليه, أرجو أن تتخذ إجراءات كافية ومستقرة, وأن يعاد الوفاق العربي, فنحن في النهاية عائلة عربية, ومصالحنا المشتركة مهما اختلفنا اكبر مما نختلف حوله, لذلك داومنا علي ترك شعرة معاوية رغم ضخامة التجاوزات, ولن استغرب حدوث تحول تدريجي في الموقف القطري تجاه مصر, وإنما بمعدلات بطيئة وغير مستقرة, فالمسألة تحتاج لمتابعة دقيقة دون مبالغة أو تهوين أو التسرع في الحكم علي الأحداث بالفشل أو النجاح.
الوضع العربي خطير
كلامك يعكس قلقا بالغا وتقديرا خطيرا للأوضاع العربية؟
العالم العربي يتفكك ويقف علي حافة الهاوية, بضغط علي محورين في آنٍ واحد, أولهما مؤيدو إقامة دول متحضرة معاصرة علي هوية وطنية, وآخرون رافضون لفكرة الهوية الوطنية وكذلك التحضر, ورغم خطابهم الديني فهم من أكبر من يسيئون للدين وينبذون الدولة, وهناك كذلك مواطنون عرب اغلبهم في المشرق من أصول عرقية مختلفة يندفعون الآن نحو إبراز هويتهم العرقية حمايةً لأنفسهم من الاضطراب العربي أو استغلالاً للفرص المتاحة من الاضطراب العربي, وبطبيعة الحال هناك قوة إقليمية تستغل تلك الأوضاع بالدفع أيضاً لانقسامات مذهبية دينية, سعياً لتحقيق مصالح وطنية. وإذ كانت ثورتا 25 يناير و30 يونيو صحوتين ضد الفساد والركود من ناحية وحماية لهوية الدولة المصرية من ناحية أخري, فهما أيضا إعلان صريح بأن مصر وحدها المؤهلة والتي تحظي بتأييد عربي لقياده العالم العربي إلي بر الأمان في القرن ال 21.

و لماذا نحن؟ هل هي مؤامرة دولية أو إقليمية؟
هناك أسباب كثيرة, وإنما اعتقد من أهمها اعتماد الدول العربية المبالغ فيه علي الغير منذ الحرب العالمية الأولي, وعدم تطوير نظم الحكم في أغلبها لتحقيق استقرار مجتمعي علي المستويين السياسي والاقتصادي خلق مصادر قلق واضطرابا وإحباطا داخل دولنا, وذلك بصرف النظر عن أن حرب أفغانستان والدفع بالتيار الإسلامي العربي بها ضد الاتحاد السوفيتي, وكذلك السياسة الأمريكية بالعراق, وتركيزها علي الجانب العرقي, وإعلان إقامة دولة إسلامية في إيران, واستفادة إسرائيل وتركيا من التشرذم العربي, كل ذلك كان له تأثير مباشر فيما نشهده من تطورات, وإنما العالم العربي يتحمل الآن مسئولية كبيرة في خلق المناخ الذي تحظي فيه تلك التيارات الهدامة بتأييد مواطنين عرب أو من أصول غير عربية, وإنما متواجدون فيما بيننا بالعالم العربي منذ زمن طويل.
والعالم العربي تائه بلا رؤية للمستقبل, ولخطورة الموقف أدعو الدول العربية وعلي رأسها مصر إلي عقد قمة عربية مفتوحة لمن يريد المشاركة علي هذا المستوي للتشاور حول أمرين, أولهما كيفية حماية الهوية العربية, وثانيهما كيفية استيعاب الهوية غير العربية او المختلفة داخل كل دولة تحت مظلة وحدوية وطنية عربية, ويمكن لمصر بعد أن تتولي رئاسة قمة الجامعة العربية في مارس المقبل الاستفادة مما يتفق عليه لوضع خطة عمل عربية شاملة. واشدد علي ان مصر هي قلب وعقل العالم العربي, ومستقبله بين يديها, وعليها طرح رؤية لمشروع تشكيل الدول العربية المتحضرة والمنطقة العربية المستقرة.
العلاقات مع روسيا
بعد الزيارات المتبادلة مع المسئولين الأمريكيين والروس, هل سنشهد تحسنا بالعلاقة المصرية الأمريكية, وانطلاقة مع روسيا؟ وهل تستطيع مصر أن توازن بين القطبين كما فعلت في الستينيات؟
هدفنا يجب أن يكون الإدارة الجيدة لعلاقاتنا بدول عديدة ضماناً لتعدد خياراتنا, والتحرك وفقاً لرؤية استراتيجية, حيث لا نضار من الدولة الأكبر أو الأكثر نفوذاً أو الأغني, وإنما نستفيد في مختلف علاقاتنا, مقدرين أن هذه الدول أو غيرها لها أيضاً مصالح يجب أخذها في الاعتبار, وبوضع خطة محكمة كي لا تؤثر علي مصالحنا إذا تعارضت أو تباينت المواقف.
بالنسبة للولايات المتحدة, فالمدة المتبقية للرئيس أوباما عامان, وإنما العلاقات المصرية الأمريكية ستمتد إلي ما بعد ذلك وكل منا سيحتاج للآخر خلال الأعوام القادمة, وهو ما انتهت إليه اجتماعات السيسي وأوباما أخيراً, بعد أن كانت العلاقة قد وصلت لمرحلة صعبة للغاية في أعقاب ثورة 30 يونيو, كما من الطبيعي أن تتحسن لمواجهة الجماعات الإرهابية, وبالتحديد داعش, ومع تقدمنا في إحراز خارطة الطريق, وإقامة انتخابات برلمانية, فيما يرفع الحرج والحجج. وستدفع مصر بذلك أيضا أتوقع تحسناً تدريجياً وبطيئاً خلال العامين القادمين, إنما لن تعود العلاقة المصرية الامريكيه إلي ما كانت عليه علي المدي القصير, فالشرخ الذي تم يحتاج إلي لحام قوي وفترة ليلتئم. لعل مكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية محوران يمكن الانطلاق منهما في الطريق الصحيح.
أما بالنسبة لروسيا, فلا شك أن هناك تطورا في العلاقة وانفتاحا من الجانبين, وهناك تحرك ومواقف روسية دولية وشرق أوسطية متاحة فيما يتعلق بسوريا تعكس رغبة في استعادة قدرتها علي التأثر علي الاحداث وهذا يساعد علي ضمان حرية الحركة المصرية بتعدد خياراتنا, إنما يخطئ من يتصور أننا سنعود إلي مرحلة نهاية الستينيات, وأرجو ألا يتم ذلك لأنها لم تكن في المصلحة المصرية ولا تفكر روسيا بهذا الأسلوب الان, بل أثق ان هذا لن يكون, فالعالم تغير والإمكانيات اختلفت, والمنظور المادي قصير الأجل يغلب علي الأيديولوجيات والاستراتيجيات. الإمكانيات الروسية أقل بكثير من الأمريكية أو الغربية مع هذا, أري نموا إيجابيا ومتصلا في العلاقات السياسية المصرية الروسية, وكذلك علي الجانب الاقتصادي علي اساس تجاري, ويجب عدم إغفال الامكانيات المتاحة للتعاون العسكري, وسيحكم هذه العلاقة محاربة الإرهاب, وضمان الاستقرار, وتشكيل النظام الدولي الجديد لا يهيمن عليه فقط العالم الغربي.

عدت منذ أيام قليلة من جولة أسيوية للصين والهند, فهل كان ذلك متصلاً بزيارة الرئيس السيسي للصين, وماذا تتوقع من الزيارة؟
تابعت اسيا عن قرب عندما كنت سفيراً لمصر في اليابان, وهي قارة مليئة بالمخاطر والعديد من النزاعات السياسية, في نفس الوقت القارة الأسيوية هي أيضاً قصة نجاح اقتصادي باهر, فأكبر اقتصاد بالعالم الآن هو الصين, ثقل سياسي وفرص التعاون واسعة, لذا زرت الدولتين وغيرهما خلال عملي كوزير خارجية العام الماضي, وزرعنا بذور علاقة مصرية أسيوية متجددة معهما.
وفي الهند والصين, وجدت قلقا شديدا من عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط, ومن انتشار الإرهاب بالمنطقة, وتطلع صادق لنجاح واستقرار مصر, لثقلها علي المستويين الإقليمي والدولي, واعتقد ان زيارة الرئيس السيسي للصين توفر فرصة جيدة لحوار سياسي جاد عن الوضع الدولي والترتيبات الإقليمية لدينا ولديهم, وجار الإعداد للتوقيع علي مذكرات تعاون استراتيجي ومذكرات تعاون اقتصادي, وهذا جيد وإنما ليس كافياً, فهناك فرصة لرفع مستوي التعاون الاقتصادي, وجذب الاستثمارات الصينية, اذا طرحنا مشروعات محددة, وكانت الدراسات بشأنها مكتملة, وعلينا سرعة الانتقال من مرحلة حسن النوايا إلي اجراءات ملموسة لإجراء حوار جاد حول الدور السياسي الصيني القادم, وحول كيفية الانتقال اقتصادياً من مرحلة النوايا الحسنة إلي مرحلة تنفيذ المشروعات.

أريد الانتقال إلي ولايتك كوزير من بعد 30 يونيو حتي صيف هذا العام. رفضت منصب وزير الخارجية أكثر من مرة.. لماذا قبلته بعد ذلك في 2013؟
استجبت لنداء الواجب من وطن في مرحلة حرجة فارقة, فكيف ارفض, رغم علمي بكل الصعاب والتحديات التي كانت ومازالت أمامنا حتي نستعيد عافيتنا بالكامل, سيُنظر إلي ثورتي 25 يناير و30 يونيو كنقاط فارقة في التاريخ المصري مستقبلاً, ثورتان وإصرار شعبي علي ضمان المشاركة في تحديد مستقبله ورفض التعامل معه كرعاه, والتصدي الجامع لمحاولات لتغيير الهوية المصرية بطبيعتها الوسطية الجامعة لمختلف الاتجاهات السياسية تحت مظلة المواطنة المصرية, من هذا المنطلق وبصرف النظر عن المشاكل الجمة التي كانت واضحة للجميع.

ماذا كان منهجك كوزير بالخارجية في العمل, خاصةً أمام هذه التحديات الجسام؟
كان المجتمع المصري في حاله ثورية, وكان علينا تمثيله وهو يبحث عن استقراره وفي ظل هجمة خارجية شرسة علي مصر, فُرضت علينا من بعض الدول مثل تركيا وغيرها, وظل عدد غير قليل من الدول متردداً وحائراً في مواقفه, في نقاش فارغ حول طبيعة أحداث 30 يونيو, غير مقدرة أن المخاطر الاستثنائية علي مصر من سياسات الإخوان وتصرفاتهم فرضت رد فعل شعبي ومؤسسي استثنائي هائل.
كان علينا بالخارجية التصدي لهذه الهجمة بالسعي لإقناع المجتمع الدولي بقبول الخيارات المصرية, وهو ما ركزنا عليه في الشهور الثلاثة الأولي, ونجحنا في إفشال كل المحاولات السياسية لتدويل الحالة المصرية في عدة منظمات منها مجلس الأمن, ونحن نضع في نفس الوقت أسس السياسة المصرية الخارجية الجديدة, والمبنية علي 3 مبادئ رئيسية, وهي: العودة إلي جذورنا الإقليمية, وضمان تنوع علاقاتنا وتعدد خياراتنا الخارجية حفاظاً علي استقلالنا, وممارسة سياسة خارجية ايجابية بطرح أفكار ومبادرات علي المستويين الاقليمي والدولي, إلي ان انتقلنا مع نهاية خريف وبداية شتاء 2013 إلي المبادرة, وطرح مواقف حول قضايا مختلفة, وبدأنا جني ثمار كل ذلك مع ربيع 2014, والعودة للاتحاد الأفريقي, وتنشيط العلاقات مع روسيا وآسيا والعالم العربي, فضلاً عن العلاقة مع عدد من الدول الأوروبية مثل اليونان وقبرص بكل ما يحمله ذلك من رسائل سياسية وكذلك ايطاليا, كلها خطوات مدروسة وانجازات سيظل لها انعكاساتها الايجابية علي مواقف الخارجية لأعوام قادمة.

وماذا عن فشل هيئة الاستعلامات, واستمرار الهجوم الشديد في مصر علي الصحافة الغربية تحديداً؟ وهل الفشل الإعلامي المصري يؤثر علي العمل الدبلوماسي؟
المسألة أكبر من تأثير الإعلام علي الدبلوماسية من عدمه, والمشكلة تكمن في غياب ثقافة الشفافية والمحاسبة بين السلطة والمواطنين, فرغم وجود عدد من الصحفيين والإعلاميين المميزين, فالرسالة الاعلامية المصرية غائبة, وللأسف نسبة كبيرة من الإعلام المصري دون المستوي, ولا يلتزم في اغلب الأحيان بالمهنية المطلوبة, لا يعني ذلك ألا يكون للإعلامي أو الصحفيّ رأي, بل بالعكس, وإنما عليهم أولاً التدقيق في المعلومة ونقلها بشكل سليم.
ويجب الاعتراف أن حالة هيئة الاستعلامات هي من أعراض سوء تعامل السلطة مع الإعلام, وعدم احترامها لعقل المواطن علي مدي عقود طويلة, فالمسئولية الرئيسية عن فشلنا الإعلامي تتجاوز الهيئة, بل تتجاوز الإعلام ذاته, وتقع في المقام الأول علي منظومة السلطة في مصر علي مدي أكثر من خمسين عاماً, في الخمسينيات ورثنا قاعدة صحفية ثرية بالإعلاميين والصحفيين والصحف, حولها النظام إلي اجهزة اعلامية مملوكة للدولة, فسحب منها روح المنافسة والتحقيق الجرئ, فتآكل الإعلام المصري رغم وجود شخصيات اعلامية بارزة وفريدة.
ومع عدم قدرة السلطة تحمل تمويل مؤسسات اعلامية ضخمة انتشرت الصحف العربية , لتملأ الفراغ الإعلامي المصري, وتجذب كثيرا من شباب اعلاميين بعيدين عن المهنية, بكل ما يحمله ذلك من تداعيات سلبية علي الساحة الإعلامية المصرية والعربية.
ثم فشلت منظومة السلطة المصرية في التعامل مع ظهور الفضائيات العربية والدولية والخاصة, وتأخرنا في المنافسة بالساحة الإعلامية الفضائية لقلة الامكانيات, ولعدم توفيرها لمعلومات مفيدة أو جاذبة للرأي العام من خلال المؤسسات الإعلامية القومية.
وآخر الإخفاقات كانت مع ظهور الفضائيات الخاصة والغوغائية, فبدلاً من أن تعيد السلطة النظر في تعاملها الإعلامي وتقومه, تركت المؤسسات الإعلامية القومية والحكومية وأصبحت تنقل رسالاتها من خلال الفضائيات الخاصة, وأخيراً لجأت إلي جعل بعضها أداة من أدوات السلطة, ففقدت تلك الفضائيات مصداقيتها إيضاً, وفشلت في نقل رسالتنا الإعلامية, والكل خاسر من سوء التقدير, إلا مروجي الشائعات وأصحاب المهاترات ونجوم المكروفونات.
هذا جد خطير, وأطالب كل من في يده السلطة في مصر باحترام العقل المصري, بالتعامل الصادق, والشفافية في توفير معلومات ثرية وصحيحة للرأي العام وللإعلام وهو علي سبيل المثال ما دفعني ان اقترح خلال وزارة د.حازم الببلاوي تشكيل لجنة تقصي الحقائق المصرية لأحداث ما بعد 30 يونيو, خاصة أن طرح تقريرنا أفضل من الرد علي اتهامات الغير, وأدعو الإعلاميين والصحفيين المصريين إلي تقدير خطورة مهاتراتهم, وعدم مهنيتهم علي المناخ المصري, بل وعلي عقول وأخلاق شبابنا وأطفالنا.

ماذا كان شعورك حينما عادت مصر للاتحاد الإفريقي نتيجة جهود الخارجية وأنت علي رأسها في ذات اليوم الذي خرجت فيه من الوزارة؟
بُذل جهد كبير لتحقيق ذلك وغيره من الإنجازات لذا سعدت كثيراً, ويسرني دائماً أي انجاز يتحقق لمصر سواء ارتبط بالجهد الذي بذلته والسياسات التي وضعتها أم لا, فهدفي كان, وسيكون دائماً حماية المصالح المصرية وازدهار وطننا العظيم.
وهل كان ترشيح مصر لمجلس الأمن مبادرة منك أيضاً؟ وما هي توقعاتك لاحتمالات فوز مصر بهذا المنصب؟
لا, الرغبة في الترشح لعضوية مجلس الأمن لعام 2016-2017 جاءت حتي قبل أن أُعيَن وزيراً للخارجية, وهذا دليل علي تواصل عمل مؤسسة الخارجية العريقة, وحصولنا علي المقعد مضمون ومحسوم عملياً, لأن المقعد الذي نتنافس عليه مخصص للدول العربية, ويتم تداوله كل عامين بين العربية الأسيوية والافريقية.والمقعد مخصص لشمال إفريقيا لعاميّ 2016-2017 ولا توجد منافسة حوله ومحسوم لنا .


هل شعرت بتحفز ضدك بعد واقعة حوارك الإذاعي في أمريكا؟
الحوار الإذاعي نقل للجانب الأمريكي رسالة واضحة أن علاقتنا ممتدة بصرف النظر عما ذكرته من وجود اختلافات أو خلافات بين الحين والآخر.
مشاغلي لم تجعلني افكر في نظرية وجود تحفز ضدي حينذاك, ولست مشغولاً بها الآن, فالمرحلة كانت بالغة الخطورة والحساسية لمصر, ركز فيها أي شخصية أو مؤسسة وطنية علي حماية المصالح المصرية, ومن اهتم بغير ذلك كان يخون الأمانة التي حملناها جميعاً.

عملت من قبل مع الدكتور محمد البرادعي وكنت عضوا في حزبه الدستور.. ما رأيك في موقفه بعد فض الاعتصام وهل تحدثت معه منذ ذلك الوقت..وماذا تقول للمشككين في نوايا البرادعي ووطنيته؟
علاقتي بالدكتور البرادعي علاقة صداقة امتدت ما يقرب من 40 سنة وستستمر.
كل مواطن مصري حر في رأيه, وعلي من يعمل في الساحة السياسية من شخصيات عامة تحمّل النقد, بما في ذلك ما به بعض التجاوزات, وإنما ما أرفضه وبشدة ما نشهده في الساحة المصرية من تكفير وتخوين لكل من نختلف معهم, كان ذلك للدكتور البرادعي أو غيره, علماً أنني لا أشك في وطنيته.

هل ستعود إلي حزب الدستور وتواصل العمل العام؟
جمدت علاقتي بحزب الدستور فور تكليفي بالوزارة, حيث لم أر ملائماً أن ينتمي وزير الخارجية إلي حزب بعينه, ثم استقلت من الحزب كليةً في نوفمبر 2013, الذي شغلته في الحكومة.
أتمني للمنظومة الحزبية المصرية النضوج وكل توفيق, وإنما لا أعتزم العودة إلي حزب الدستور أو الانضمام لأي حزب, علماً أنه قد طُلب مني الانضمام إلي احزاب, وكذلك الموافقة علي إدراج اسمي علي القائمة الانتخابية لأحد الأحزاب في الانتخابات البرلمانية القادمة, واعتذرت لعزوفي عن العودة إلي النشاط الحزبي, ونيتي مواصلة المشاركة في بناء هذا البلد باستقلالية, لأعبر عن رأيي وأمارس في المحافل المختلفة حراً من أي قيود حزبية.

وختاماً سؤال شخصي, لا توجد حالة مصرية تولي فيها وزير ثم نجله منصب وزير الخارجية, فهل لك تعليق علي هذه التجربة؟ هل سهلت مسيرتك أم صعبتها؟
والدي كان ابنا من ابناء وزارة الخارجية قبل أن يكون وزيراً, ومن ثم فكانت له صداقات كثيرة قبل أن يستقيل بعد عامين من التحاقي بالوزارة, عندما كنت في اول السلم الوظيفي, وسعيت لإثبات نفسي بشكل قاطع, حتي لا يفسر البعض تدرجي الوظيفي علي أنه نتيجة خدمة أو واسطة, وهو ما كان سيرفضه والدي تماماً, وإذ كنت لم أقبل واسطة أو استثناء من أحد فأشهد للوزارة إيضاً انني لم اتعرض لمضايقات نتيجة للموقف السياسي الذي اتخذه الوالد.
ورغم اني توليت منصب وزير الخارجية بعد 35 عاماً من استقالة الوالد, سعيت دائما لاحترام نصيحته لي بأن أعيش حياتي وتجربتي, وأن احتكم إلي ضميري وأثق في قراراتي, وأغلّب مصلحة الوطن علي اية اعتبارات شخصية. هذا كان توجيهه لي, والتزمت به حيث كان مثلاً أعلي كأب وكسياسي مصري صاحب وطنية جارفة.

التعليق علي الصورة
ملاحظات أخري
مركز المعلومات الصحفية
تحت اشراف الأستاذ / ياسر رزق
حقوق النسخ محفوظة لمؤسسة أخبار اليوم 2013
الاصدار الثاني من البرنامج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.