من منا لم يهتم لأفعال المتطرفين.. من منا لم ينفعل ضد أفكار وعقائد التكفيريين.. جميعنا غضبنا.. ومعظمنا استنكر هذا المنهج الدموي.. الذي شوه الإسلام.. وأغرقنا في بحور الدماء. الدكتور جمال سند السويدي مدير مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية تأثر أيضا بالتغييرات التي تشهدها المنطقة العربية والإسلامية.. ولأنه مفكر ومؤلف وأستاذ للعلوم السياسية أثرانا بكتاب جمع فيه كل ما يخطر علي بال حول نشأة الجماعات الدينية السياسية.. وكشف فكرها المتطرف.. وزيف مرماها.. اختار له اسم «السراب».. هذا العنوان الذي لخص حقيقة هذه الجماعات في أنها لا حقيقة لها.. وانها جماعات تدور في فلك من الزيف والكذب والخداع.. وتستغل الدين للوصول إلي أهدافها. هذا الكتاب يعتبر إضافة نوعية متميزة وبحثا منهجيا عميقا يغوص داخل هذه الجماعات، ويخرج بنتيجة مهمة، انها جماعات من سراب، وانه لابد من اتخاذ خطوات تنويرية جادة حتي لا تظهر جماعات جديدة. الكتاب يؤكد حقيقة ان معظم الجماعات الدينية الإرهابية خرجت من رحم الاخوان.. وانها جميعا تعتمد تفسيرا ضيقا للشرع استنادا إلي مفهوم الحاكمية، معتبرين أنفسهم وكلاء الله في الأرض.. وانها تسير وراء أفكار سيد قطب والمودودي وتؤمن في الوقت نفسه بمقولة ابن رشد «إذا أردت ان تتحكم في جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف الدين» شعارا لها.. وتكثر من فتاوي التكفير والقتل.. وان إحدي اشكالياتها أنها تنصب نفسها وكيلا للدين فتحتكر الحديث باسمه وكأنها شركة تتمتع باحتكار سلعة أو خدمة ما.. وتنصب نفسها حكما ورقيبا وقاضيا علي أي فكر مغاير. وألمح إلي أن خلاصة التجارب تشير إلي ان الجماعات الدينية السياسية تفتقر إلي النضج والخبرة السياسية التي تمكنها من قيادة الشعوب وتحقيق تطلعاتها التنموية.. خاصة وأنها تقحم الدين في السياسة وتسيس الدين وتجعله معيارا للعمل السياسي. واستشهد الكاتب بتجربة الاخوان المسلمين في مصر التي أكدت ان مظهر الاعتدال السياسي كان مجرد وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية.. وتناول كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب باعتباره من الكتب التي تطالب الجماعات الدينية السياسية بتحدي شرعية أنظمة الحكم في العالمين العربي والإسلامي.. وكتاب «النظام السياسي في الإسلام» لمحمد عبدالقادر أبو فارس باعتباره أحد أهم أدبيات الاخوان في الحكم والسياسة. وانتقل الكاتب للحديث عن السفليين، وان منهج السلفية ورؤيتها انه من التزم بها ودعا اليها فهو سلفي أيا كان ومع أي جماعة سلك. وانها تسعي إلي تطهير المجتمعات من البدع والعادات المخالفة للشريعة من وجهة نظرهم.. وقارن بين السلفية وبين الجهاديين الذين يدعون إلي مقاومة التحديث وتقويض الدولة الوطنية وتطرق إلي السلفية الجهادية والتي جمعت بين فكر ابن تيمية ومحمد عبدالوهاب وحاكمية سيد قطب وأبي الأعلي المودودي. وألمح ان تنظيم داعش يمثل الجيل الثالث من القاعدة وهو ما يعكس خطر التطور الحاصل علي مستوي تجنيد العناصر المتشددة والاستقطاب عبر الانترنت. وانتهي الكاتب إلي ان ضعف الوعي والتعليم في العالمين العربي والإسلامي يغري الجماعات الدينية السياسية بإعادة إنتاج ممارستها وغسل سمعتها وتكريس «المظلومية» ولعب دور «الضحية» مجددا.. وأنه من دون تدارك الأخطاء والانفتاح علي الآخر والتحرك نحو الحداثة والتطور العلمي والتقنيات الحديثة سيظل العالمان العربي والإسلامي يعانيان ظاهرة السراب. العدل هو الحل