تعالوا نبحث معا عن الثلاثة الآخرين الذين ضمهم محضر صاحب الفرن وهل هم اطفال ايضا مثله أم تجاوزوا سن الطفولة وحصل كل منهم علي حكم بالحبس في قضية الاتهام بسرقة الخبز لم تكتف مصر بأن تسلب من عبدالمسيح وأمثاله من ملايين الاطفال في اعمارهم دون العاشرة بقليل او بعدها بأقل حقهم في تعليم اساسي من المفترض ان يبتغيه وطن يعوّل علي هؤلاء نهضته وقيامته.. لم تكتف مصر بأنها لم توفر لعبدالمسيح وأقرانه بيئة تليق بعالمهم البريء، تستخرج منهم المواهب وتصقلها وتضعها علي اول الطريق.. طريقهم الذي سيشقونه ليصلوا في نهايته ببلادهم لمبتغاهم ومبتغاها. لم تكتف مصر بأنها لم تتح لعبدالمسيح ومن هم في عمره لقمة هنية وهدمة نظيفة وشرابا عذبا وأوراقا تعلمه بها كيف يخط احلامه وكيف يخطط لمستقبله.. مجرد اوراق.. لا آي باد.. ولا.. لاب توب. لم تكتف مصر بأن تسحب من عبدالمسيح احلامه وتغرقه وهو في سنوات الطفولة البريئة في واقع مر أليم وحتي يخرج منه لابد له من ان ينزل الي سوق العمل.. اي عمل حتي لو كان في مخبز يعف عن العمل فيه شباب آثروا الوقوف في الشارع لبيع المنتجات الصينية أم كل شيء بجنيه ولا الحوجة لملاليم صاحب الفرن فضلا عن جبروته وسطوته. عبدالمسيح وأقرانه لا يملكون قرارا بل هم تحت سطوة أولياء الامور الذين ضاقت بهم السبل ولا يجدون في الذرية إلا أداة لجني المال المطلوب بالكاد للاستمرار في الحياة. امام كل هذه الضغوط لجأوا الي فرن العيش الذي يملكه عم عيد، هو الاخر يريد إنتاج الخبز المدعم بأقل التكاليف، يعرف إن القوانين تمنع عمالة الاطفال، ولكن من قال انهم عمال بل هم الابناء والاقارب اذا افترضنا ان هناك من سيأتي ليفتش وينقب عن القانون. لم تكتف مصر بذلك كله ولكنها ايضا اكملت علي عبدالمسيح وأقرانه بغابة من القوانين تزج به الي اقرب اصلاحية للاحداث اذا تجاوز ولو بقدر انملة عن الخط المستقيم وما ادراك ما الاصلاحية. دعك من غابة القوانين ولكن ايضا لم تكتف مصر لدي القائمين علي تطبيقه بأن تثمر دوراتها لهم عن حقوق الانسان بأن تتغلب روح القانون وما يهدف اليه من ردع علي نصوصه الصماء وتجرده منها عندما يصطدم من هم مثل عبدالمسيح بها. عبدالمسيح قضيته التي كاد ان يزج بها الي الاصلاحية ان اتهمه صاحب الفرن بأنه وثلاثة من زملائه قاموا بسرقة 180 رغيفا من أبو شلن اي ان سعرهم لا يتجاوز تسعين جنيها تسليم المستهلك، وأصر الرجل علي تحرير المحضر ولم يفكر احد من الذين استقبلوا الرجل في القسم حتي تحول المحضر للنيابة وتحديد جلسة لمحكمة الجنح في اثنائه عن طلبه واستدعاء الطفل والثلاثة الاخرين والصلح خير والاقسام والمحاكم فيها اللي مكفيها والمشرحة مش ناقصة قتلي. من مارس 2013 والمحضر مثل اي محضر اخر وهو يشق طريقه الي ان اصبح قضية اوراقها بين يدي القاضي الذي ليست امامه سوي الاوراق ليقضي بالحكم الذي حدده القانون، فأمر بإحالته الي الاحداث. الصدفة قادت اسرة عبدالمسيح الي معرفة الحكم فاستعانوا بمحام للاستئناف الذي نصحهم بالتصالح مع صاحب المخبز ولولا محضر الصلح ما برأت ذمة عبدالمسيح الطفل. مشكلة عبدالمسيح اتحلت وحصل علي البراءة ولكنه لم يسترد حقه الذي سلبته مصر ولن يسترده طالما بقي كل ما ذكرناه سابقا هو المسيطر علي البلاد والعباد.. وإذا كنا نقول لعبدالمسيح حقك علينا كلنا.. انا وأنت فمصر ليست الدولة نظاما وحكومة وتشريعات بل هي موروثات نحملها جميعا ونساهم بها دون ان ندري فيما حدث لعبدالمسيح.. ولا اتصوّر كما كتب البعض ان ما حدث هو فضيحة للطفل الصغير وأسرته، بل علي العكس هو فضيحة لنا كلنا الذين اوصلنا الحال بعبدالمسيح وامثاله الي ما وصلوا اليه.. مصر التي اتحدث عنها مسئوليتها في رقابتنا جميعا تعالوا نبحث معا عن الثلاثة الآخرين الذين ضمهم محضر صاحب الفرن وهل هم اطفال ايضا مثله أم تجاوزوا سن الطفولة وحصل كل منهم علي حكم بالحبس في قضية الاتهام بسرقة الخبز. هذه الحكاية التي كانت محور الاعلام الاسبوع الماضي لم تأبه بالبحث عن المتهمين الباقين وإذا كانوا في مثل سن عبدالمسيح لكي نقول لهم حقكم علينا كما نقول لعبدالمسيح حقك علينا وعلّي انا قبلكم. وأخيرا هل كان عبدالمسيح ابن بني سويف عندما يأخذ خمسة ارغفة يوميا كما يأخذها كل العاملين معه قد آمن علي نفسه بعد ان سمع عن قصة قرينه بالاسكندرية الذي ذهب ضحية لقمة خبز طلبها زيادة علي نصيبه المحدد من قبل الام.. كان الله في عونها عندما كانت السكين في يدها تقسم به الارغفة وجهته اليه تهديدا بأن يكتفي بنصيبه مثله مثل اخوته وفي لحظة اخذت السكين طريقها الي فلذة الكبد في مشهد لا يمكن لأقدر كتاب السيناريو والحوار وأقوي المخرجين وحتي الممثلين تجسيده علي الشاشة. ولا انسي ان اقول لهذه الام ايضا حقك علينا مصرا ومصريين فنحن الذين اوصلناك واطفالك الي هذه الحال.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.