الأهالى يبنون طرنشات بديلة للصرف الصحى علي بعد مئات الأمتار من مجلس مدينة مركز إطسا بمحافظة الفيوم, يقبع مجموعة من البشر ينتمون إلي عصور ما قبل التاريخ, يتمركزون في مساحات صغيرة وبيوت أشبه بالمقابر, يعيشون علي حنفية مياه واحدة ويأكلون الفتات من الطعام, لا يعرفون معني الصرف الصحي لأنهم يعتمدون علي الطرنشات رغم مضي منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة, المرض ينهش في أجسادهم ولا يمتلكون ثمن الدواء, أولادهم يقطعون عدة كيلو مترات للذهاب إلي مدارسهم, فقدط هؤلاء تجدهم في قرية تبعد نصف ساعة عن محافظة الفيوم هنا عزبة «طجا» عزبة خارجة عن نطاق التاريخ.. كل شيء فيها يشير إلي الفقر المدقع الذي يسيطر علي قاطنيها, البطالة تنهش في أبنائها, معظم الرجال والشباب يعملون «باليومية» في الأراضي الزراعية, والبعض الآخر يعمل «فواعليا» في أعمال البناء, مشهد صادفنا في بداية دخولنا القرية كان كفيلا للحكم علي مستوي تلك القرية اقتصاديا, طفل لم يتعد من عمره الثامنة يحمل علي كتفيه «قصعة» من الخرسانة، ثم يجوب بها صاعدا عدة أدوار عليا, اقتربنا منه أكثر وسألناه عن سبب عمله في البناء فقال لقمة العيش! صورة أخري داخل المشهد المأساوي للقرية تؤكد أنها ليس من القري الأكثر فقرا ولكنها من القري التي تعاني من الجوع والحرمان, حيث ينتظمن مجموعة من السيدات في طابور أشبه بطوابير العيش لدينا في القاهرة, يقفن في طابور طويل حاملين مجموعة من الصواني والجراكن في انتظار ملء ما بحوزتهن من مياه.. يقفن جميعا علي صنبور مياه واحد تبرع به أهل الخير لأهل القرية التي تفقتر إلي مياه الشرب.. هكذا يعيش أهل طجا علي حنفية مياه واحدة! داخل غرفة صغيرة سقفها من عروق الخشب والجريد وأثاثها من الحصير والأواني المتهالكة ودورة مياهها تأنق الحيوانات المتوحشة عن الدخول إليها تعيش عفاف وأولادها الستة.. تقطن تلك الغرفة بعد أن مات زوجها الذي كان يعمل باليومية وترك لها ستة من الصغار.. ينامون جميعا علي سرير متهالك داخل تلك الغرفة التي تعتبر كل ما يملكونه من حطام الدنيا.. بطانية واحدة تكتنفهم جميعا من برد الشتاء القارس.. يعيشون علي مساعدات أهل الخير.. حلم عفاف لا يتعدي أكثر من شقة 40 مترا تحميهم من الحيوانات الضالة التي تهاجمهم ليلا والحشرات والزواحف القاتلة التي تخرج عليهم ليلا من الزراعات، فضلا عن حمايتهم من مياه الأمطار التي تهطل عليهم فتغرق الغرفة بمن فيها في فصل الشتاء.. تمنينا في اللحظة التي شاهدنا فيها هذه الفتاة أن يأتي محافظ الفيوم ليعيش ليلة واحدة داخل تلك الغرفة! تركنا عفاف تدعو وتناجي ربها بأن يفك كربها وانتقلنا إلي معدية الموت, تلك المعدية التي يستخدمها أطفال القرية للذهاب إلي الناحية الأخري التي توجد بها مدارسهم نخلة كبيرة متهالكة هي المعدية التي يمتطيها الأطفال دون سن العاشرة للانتقال إلي مدارسهم.. أسفل تلك المعدية ترعة كبيرة سقط فيها عشرات الأطفال أثناء استقلالها.. أهالي الأطفال يودعون أبناءهم يوميا قبل الذهاب إلي المدرسة التي تبعد عدة كيلو مترات في مركز إطسا فربما قد يكون الوداع الأخير. صورة أخري من صور الفقر تنهش في أجساد أبناء تلك القرية الصغيرة التي سقطت من حسابات المسئولين, فقد بحثنا عن الوحدة الصحية التي يعالج فيها أبناء تلك القرية للوقوف علي مستوي الخدمة العلاجية المقدمة, وللأسف جاءت الإجابات سريعة بأن القرية لا يوجد بها وحدة صحية, وسكانها يتلقون العلاج في مستشفي اطسا البعيدة عن القرية ب5 كيلو مترات, ولكي تزداد الصورة قتامة وسوادا انعدم الصرف الصحي بالقرية, فالأهالي هناك يمتلكون ما يسمي بالطرنشات، حيث يقوم كل صاحب بيت بحفر بئر بالطوب الأبيض أمام منزله لتوصيله بدورة المياه الداخلية.