« إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقي» صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. إن أسوأ طريقة لمعالجة المشاكل طويلة الأجل هي تطبيق حلول بغرض تحقيق نتائج سريعة في فترات زمنية قصيرة تتعارض مع طبيعة المشكلة, فهذا يسبب تفاقم المشكلة وضياع ما أنفق عليها سُدي. وعندنا ظاهرة إحتراف إستخدام الأرقام لخدمة الهدف, فالإحصائيات نذكرها بالأرقام المجردة أحياناً ونذكرها بالنسب المئوية أحيانا أخري حسب الحالة. فإذا تكلمنا عن محو الأمية نجد هذه الظاهرة واضحة جداً, فالإحصائيات المعلنة من بعض الجهات الرسمية تقول إن نسبة الأمية في مصر انخفضت إلي 26٪ من عدد السكان عام 2013 مقارنةً ب 29٪ عام 2006 وأن التعداد السابق علي 2006 كانت نسبة الأمية فيه 39٪ والتعداد الأسبق 49٪. طبعاً هذه الأرقام تعطي انطباعاً بأن هناك تطورا كبيرا وتقدماملحوظا في مكافحة الأمية. ولكن هذه الإحصائيات أغفلت أو تغافلت عدد السكان حيث أن 26٪ من سكان 2013 أميون قد تكون أكبر بكثير من 49٪ من عدد السكان في حينه. فالمعلوم للكافة أننا منذ أكثر من ستين عاماً نكافح الأمية ونعطي شهادات محو أمية لشيوخ وشباب معظمهم لم يتعلم شيئا وأكبر دليل علي ذلك أن كلا منهم ( إلا من رحم ربي) يقول إنه حصل علي شهادة «نحو» الأمية بالنون وليس بالميم. وهذه الشهادة في أحيان كثيرةتسبب كوارث فهي مثلاً مطلوبة للحصول علي رخصة القيادة. وهذا « المنحو» أميته بالطبع لايستطيع قراءة تعليمات المرور والطرق ولا التحذيرات والإرشادات فيتسبب في مصائب قد تحصد أرواحاً كثيرة. ومنذ أكثر من نصف قرن والدولة تخصص ميزانيات هائلة سنوياً لمحو أمية كبار السن وهناك هيئة حكومية يعمل بها آلاف الموظفين في جميع أنحاء الجمهورية بخلاف الجمعيات الأهلية العاملة في هذا المجال ومازال هناك ملايين من الأميين يضاف إليهم كل عام شباب أمي وأطفال أميون بخلاف من «تُنحي» أميتهم ولم تمحي. فما زال التسرب من التعليم وضعف التعليم يضخان أميين جددا كل عام لدرجة أن هناك مشروعات مشتركة بين وزارة التربية والتعليم وبعض الجامعات تسمي « محو أمية طلاب الإعدادي». تصوروا طلاب درسوا ست سنوات إبتدائي وثلاثا إعدادي ومازالوا أميين, فما بالكم بالكبار الذين يدرسون عدة أيام أو عدة أسابيع فهم «يادوب « يحصلون علي شهادة « نحو الأمية».ً. واذا استعرضنا إحصائيات الأمية المتاحة حتي العام الماضي نجد أن عدد السكان الذين يتراوح عمرهم بين 15 عاما و35 عاما حوالي 31 مليون نسمة منهم حوالي 4,5 ( أربعة ونصف) مليون أمي بنسبة تزيد علي 14,5٪ وهذا له عدة دلالات منها أنه خلال الخمسة وثلاثين عاماً الأخيرة هناك أميون جدد شباب وليس فقط شيوخا لم يتم محو أميتهم. ومنها أيضاً أن طلاب المدارس أعمار 15 عاماً وحتي 18 عاماً فيهم أميون كثير سواء متسربون من التعليم أو يتعلمون في مدارس عديمة الفائدة. والخلاصة أنه لافائدة من محو أمية الشيوخ - رغم الأهمية القصوي للتعليم والقراءة والكتابة- ولكن تجفيف منابع الأمية أجدي وأنفع. وتحويل الإنفاق من محو الأمية إلي تطوير التعليم ومنع التسرب يؤتي ثمارا أسرع وأقوي وأنفع. ولو كنا بدأنا بهذا منذ عشرات السنوات لأصبحت الآن نسبة الأمية أقل بكثير جداً وفي الأعمار الكبيرة فقط. وقد بدأنا بهذا فعلاً في عام 2010 تدريجياً وتحوَّل جزء من ميزانية هيئة محو الأمية إلي المحافظات لإستكمال المشروعات الناجحة. وبعد ثورة يناير ألغت وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي كل ماتم إنجازه من قبل وأعادوا كل ما تم إلغاؤه. وبدون ذلك سنظل نحرث البحر وسيظل الحديث الشريف يصف حالنا. وللحديث بقية بإذن الله.