لقاء فريد عشته بين ابطال الصمود ورمال سيناء.. عانقت فيه اعينهم الارض الغالية التي قاتلوا فيها وصمدوا وتمسكوا بها .. وارتوت رمالها بعرقهم ودمائهم .. وشهدت حصونها ميلادهم الجديد بعد 134 يوما من الحصار . حدث هذا اللقاء منذ مايزيد عن 16 عاما وبالتحديد في اكتوبر 1998.. لم يتمالك فرسان النقطة الحصينة «كبريت» انفسهم عندما عادوا اليها بعد 25 عاما ... سجدوا لله شكرا ..احتضنوا الرمال والاحجار ..انسابت دموعهم علي الرفقاء والاصدقاء.. واسرعوا للصلاة والترحم علي ارواح الشهداء ..تفرقوا بين الدشم والخنادق وخلف بقايا الاسلاك الشائكة يستعيدون الذكريات والمواقف ويتلمسون بصمات اصابعهم وآثار اقدامهم .. فكل حبة رمل وقطعة من الصخر تحمل بطولة وقطرات دماء طاهرة. في ذلك اليوم رافقت 19 من ابطال ملحمة الصمود وهم النقباء شوقي عبد الرحمن الجوهري ومحمد حسين الخولي وجابر احمد الشعراوي..والملازمون الاوائل محسن حسنين علام زيدان ومصطفي حسين كامل و صبري عبد السلام هيكل وسعد الدين انور ..والملازمون ابراهيم العجمي وسعيد انور ادم واسامة احمد عبد الله والملازم اول احتياط محمد نور الدين ابراهيم ..والرقباء عصمت عبد الرازق وعادل سعد الدين وصلاح الشامي ومحروس سليمان وعبد العاطي ابراهيم الفقي ونشأت فاقوس. جلسنا نتذكر 134 يوما كاملة قضاها ابطال كتيبة كبريت في الحصار ..امطرتهم الطائرات الاسرائيلية بالقنابل والصواريخ ..وتهاوت فوق رؤوسهم دانات المدفعية ..وحاصرتهم قذائف الدبابات ...لم يجدوا الماء او الطعام فبحثوا بين الصخور وفي باطن الرمال عن بقايا قطعة خبز رافضين اغراءات قوات العدو الاسرائيلي باشهي المأكولات ..فقد عاهدوا الله وانفسهم الايتركوا الارض او يتراجعوا خطوات قابضين علي سلاحهم في ظلمة الليل وحر الصحراء وتحت المطر .. مؤمنين بان دمائهم اسهل من عودة النقطة الحصينة الي ايدي العدو الاسرائيلي. الوصول الي النقطة الحصينة «كبريت» يتطلب عبور قناة السويس من نفق الشهيد احمد حمدي والسير في اتجاه مدينة القنطرة شرق والدخول في صحراء سيناء حوالي 5 كيلو مترات في طريق اسفلتي قديم ثم مدق رملي علي الاجناب نشاهد بقايا الدبابات والعربات الاسرائيلية .. الذكريات تتلاحق يشير احد الابطال فرحا الي بقايا دبابة ويقول تلك الدبابة سقطت في حقل الالغام ..وهذه السيارة قصمها صاروخ اطلقناه الي نصفين ..وعند هذه الكومة من الرمال اسرنا اثنين من الجنود الاسرائيليين ..وعلي تلك الاحجار ستجد بصمات اصابعنا واثار ارجلنا . نقترب اكثر واكثر ورغم الرمال المكدسة في الخنادق والدشم فالمكان اشبه بالقلعة .. فالنقطة الحصينة «كبريت» تقع علي ربوة بالشاطئ الشرقي للبحيرات المرة ..تتحكم في العديد من الطرق .. وتضم 30 ملجأ و17 حفرة للدبابات والرشاشات ..وخلفها قوات احتياطي اسرائيلية لنجدتها عند الهجوم. الكل يتذكر شهداء الملحمة وعلي رأسهم العقيد ابراهيم عبد التواب قائد الكتيبة والذي استشهد في 22 يناير 1974 بعد ان سقطت عليه دانة هاون اسرائيلية وهو يقود قواته من نقطة الملاحظة.