عند كلِّ رائحةِ وجعٍ جديد باستشهاد جنودنا يضيقُ صدري ولا ينطلقُ لساني، وأمشي بين الناس مذهولا مُلتاثًا كالذي يتخبطه الشيطانُ من المسِّ، أحيانًا أبكي وأخبط الأرض بقدمي لاعنًا وجودي فيها، وأحيانًا أخري أُطوِّح ذراعي في الهواء مُتمتمًا بما لا أدري، وقد أظلُّ مبهوتًا أُحدِّقُ في لا شيء حتي إذا وصل المترو إلي محطته الأخيرة يفزعني مذياع السائق يأمرنا بسرعة النزول لأن المترو تخزين، فتعود لي ذاتي تاركًا أحزاني هناك، وسط غيابات الهمّ.. ولأن الله لم يجعل لي قلبين في جوفي فلست أدري أين أقسم فائض حزني الذي طمّ بقلبي وناء به كاهلي فاندقت الفقرات واخشنّت وأضحت كعظم الرمة البالي !! إرهابٌ متلاطمٌ كهياج الموج تتولي كِبره شرذمةٌ أنجاسٌ أرجاسٌ يبيعون الدار بدولار، تُعششُ في أفئدتهم غربانُ سوء تنعقُ بالبوار والشنار وما شاء أولو النعم لاختراق بنيانٍ متينٍ وشعبٍ مكينٍ قهر الزمان والغزاة وسبق الوجود بعقله ففرض نفسه علي التاريخ القديم واهتبل مكانته وسط خريطة العالم الحديث.. لم يفهم هؤلاء الموالي والخدم أن مصر قد خرجت مُنتصبةً بعد كلِّ المحن والإحنِ التي غشيتها عَنوةً من مُحتلين طامعين أو مُختلين جانحين، وباءوا جميعًا بالخذلان والخسران، بل واستفادت مصر بأن جلت صدأ معدنها ليزهو مصقولا في أعين العالمين.. قالوا إن مصر ليست تونس ولن تطولها الثورة، وباخت ظنونهم بعد أن استطالت ثورتها وأدهشت الدنيا.. قالوا إن مصر أضحت مطيةً للإخوان فانشكح مرشدهم في سكرة الزهو وهتر بأن حكمهم لن يزول ولا بعد خمسمائة سنة، فطاش سهمه وانكشف ستره وأضحي رهين محبسه يجرع.. مصر قادرة بأبنائها علي عبور حوالك الظُّلم .