أين بغداد ونخيلها وأين الشام وبهيج مروجها، أين دجلة والفرات، وأين أرض عمر المختار يعدو كالهصور في جنباتها وجبالها، بلاد بأكملها ينتهبها النهابون ويتركونها حطاماً وضراماً ما يجري علي الأرض العربية هو هلاك بيّن للحرث والنسل، وكأين من أمم ضربتها يد العقاب، وما نحن فيه الآن إنما هو عقاب أليم بحق، أكاد أري رأي العين ما ينتظرنا في الغد لو استمر أمر العرب علي هذه الحال من التمزق والتشرذم والنأي بعيداً عن المسئولية والهمة في لم الكرامة المبعثرة، نعم إنها مؤامرة من الغرب جندت عملاء في الداخل لتنفيذ المهمة ولكن أولي الألباب يعرفون أن الأسباب وجدت فينا فهيأت هذا العالم العربي كله أن يُستباح وأن تتحول بلاد كانت بالأمس بها البأس والقوة والمنعة فصارت اليوم كأن لم يكن بها أحد من هؤلاء الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً فأصبحت كالصريم، أين بغداد ونخيلها وأين الشام وبهيج مروجها، أين دجلة والفرات، وأين أرض عمر المختار يعدو كالهصور في جنباتها وجبالها، بلاد بأكملها ينتهبها النهابون ويتركونها حطاماً وضراماً، ويفتحون للوحوش البشرية الدروب والأبواب حتي يأتوا علي الأخضر واليابس باسم الدين. ويأخذني هذا المنظر الحزين إلي البلد الطيب الذي يقف منذ قرون يدفع الغزاة الفجرة عن المنطقة بأسرها، هل يصمد وحيداً وإلي متي والأعداء يحيطون به من كل جانب وهو يعاني الجراح ولا أحد يريد أن يضمدها بحقها، لو سقط هذا البلد في يد المستبدين من أي نوع مرة أخري لانتقل الخراب إلي أسوأ مما هو عليه إلي أرضنا المقدسة هنالك حيث أطهر بقاع الأرض، لن تنجو دول الخليج بما فيها هؤلاء الذين باعوا الأمة العربية كلها في لحظات سكر من غير فواق، هذه البلاد يا رب كم شهدت من بطولات ومآثر وكم لثمت جبهات سجادها ثراها قياماً وقعوداً وعلي جنوب، كم تصاعدت صيحات الإيمان، الله أكبر كبيراً، نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، لا تؤاخذنا يا رب بما فعل السفهاء منا فحق علينا العقاب، وظلمنا أنفسنا، فاجعل لهؤلاء العارفين العُبّاد رجعة عندك وتوبة، ترفع بها هذا الخراب والدمار والفوضي وبحار الدماء المستباحة فاحقنها رحمة من عندك ومغفرة لا ينبغي معها العذاب الذي نتجرعه الآن، إنما هي آمال المتعبين المرهقين من الحيرة إذا أصبحنا ومن حولنا وبين ظهرانينا كل هذا الفساد في البر والبحر، وهذا ما كسبت أيدي الناس. قبل أن يعود الانفلات الأمني ليس عيباً أن نحمي بلادنا من الداخل، ولكن المؤلم أن نترك رجال الشرطة بهذه الإمكانات الضعيفة يواجهون وحدهم المسعورين من الجماعات الإرهابية، والخارجين علي القانون واللصوص والخونة والنصابين المنتشرين في كل مكان، لا يمكن أبداً للضباط والأفراد أن يؤدوا واجبهم علي الوجه الأكمل وأكثرهم يعمل باليومين والثلاثة دون نوم أو قسط من راحة، إنني أتوجه إلي اللواء محمد ابراهيم قبل أن أتوجه لرئيس الحكومة أن يتم دعم الأمن الداخلي بأسرع ما يمكن وبأي ثمن، وأن يكون ذلك بخطة لا تزيد علي ثلاثة أشهر ندفع فيها بأفراد يخضعون لتدريبات سريعة من حملة المؤهلات العليا أو المتوسطة ولو مؤقتاً حتي نجتاز هذه المرحلة الصعبة وأن تلتزم كل مؤسسات الدولة بتسهيل مهمة الشرطة في ضبط الجناة لاستعادة هيبة الدولة، كذلك مد المؤسسات الشرطية بالوسائل الحديثة وربطها علي مستوي الجمهورية بشبكة الانترنت لإتاحة المعلومات الكافية لتأمين الشارع والناس المقهورين الذين يتعرضون يومياً لأبشع طرق السرقة والخطف والاحتيال والنصب.. وإلا فكل ما فعلناه بعد 30 يونيو سيصبح هباء منثوراً. منشور الحكومة الحكيم الأسبوع الماضي نشرت عتاباً للدكتور الأحمدي أبو النور عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر علي مبالغته في مدح الرئيس علي غرار ما كان يحدث مع الملوك والرؤساء في الماضي، وعلمت أن منشوراً صدر من رئاسة الوزراء للهيئات المعنية بتوجيهات من رئيس الجمهورية بتحديد مدة أي كلمة لأي مسئول في حضور الرئيس بما لا يزيد علي سبع دقائق وتكون في موضوع المناسبة دون مدح الرئيس والمبالغة التي يضيق بها الناس والرئيس نفسه، إنما هذا أسعدني كثيراً وزاد ثقتي في الرئيس وجديته.