ماكان لنا أن نحتمل كل ذلك القهر والسواد والوجع الأنساني الغائر في مسلسل (سجن النسا) لولا تلك الحرفية الفنية العالية، وتلك الحساسية المرهفة والشاعرية، والوعي الشديد لمخرجة العمل كاملة ابوذكري.. لغة بصرية أقرب الي الفيلم السينمائي، عناية بالغة بالتفاصيل، خصوصية مصرية تخرج من عمق الشخصيات في التفاتاتها،حركاتها، طريقتها في تناول الطعام،في المشي، في الكلام، في الملابس، تفاصيل صغيرة تنسج ملامح مصرية حقيقية، ثم تلك العلاقة المبدعة بين المخرجة وممثليها، تفجيرأقصي طاقتهم،وأطلاق مشاعرهم الأنسانية. كاملة ابو ذكري هي النجاح الحقيقي(لسجن النسا ) اللغة الفنية الخاصة، تكوين الكادر،الأضاءة، حركة الكاميرا، والأداء التمثيلي اللافت لكل بطلات العمل.. بالتأكيد سيناريو(مريم ناعوم) والذي أضاف الكثير الي مسرحية فتحية العسال المأخوذ عنها المسلسل،أيضا حوار (هالة الزغندي) وتأكيده علي الخصوصية الشعبية المصرية ..لكن موضوع السجن ليس جديدا، المساجين أو السجينات، أدب السجن عموما سبق تناوله في العديد من الأعمال الأدبية والفنية، لكن الأبداع ليس الحكاية ولكن رؤية الحكاية، طريقة سردها وتناولها ،وهو تحديدا ما فعلته بفنية عالية المخرجة كاملة ابوذكري..ليس السجن هو القضبان والأسوار العالية، ليس هو مكان العقوبة ومأوي المذنبين،ولكنه داخل المسلسل (هو كل شيْ نجبرعلي فعله) تلك الكسرة وذلك القهر الساكن في أعماق النفس..لا ينشغل المسلسل بمناقشة فكرة العدالة أو البحث عن الأدانة، ما يشغله هو أبراز نموذجة الأنساني، تشريح الواقع وفضح القهر الاجتماعي الذي دفع بكل واحدة من السجينات الي وراء قضبان ربما أقل قسوة..ويدهشنا فريق التمثيل دون استثناء، يكشف مناخ الثقة والتفاهم والوعي في إدارة المخرجة للممثلين..وكما فعلت العام الماضي في شخصية (ذات) تدهشنا نيللي كريم في دور السجانة والسجينة، كيف استطاعت هذة الجميلة بملامحها النصف روسية، وثقافتها الأرستقراطية كراقصة بالية رقصت يوما علي مسارح البولشوي، كيف أخرجت كل هذا الوجع المصري العميق، وكل هذا الألم في العام الماضي حصلت كاملة ابوذكري علي المركز الأول عن (مسلسل ذات) وأظنها جديرة بأن تحصل هذا العام أيضا علي نفس المركز عن (سجن النسا)