من النجوم الذين استمتع بمشاهدة افلامهم السينمائية القدير احمد حلمي الذي يبذل جهدا كبيرا في تقديم اعمال فنية لها شكل وطعم ولون يختلف تماما عن الاعمال الاخري التي يقدمها غيره من الكوميديانات الذين يؤمنون بمبدأ الضحك للضحك فقط ولا شيء يهم بعد ذلك المهم كيف تسطو علي جيب الزبون وتسحبه إلي شباك دور العرض لتحقيق أعلي الايرادات لجهة الانتاج دون ان يترك العمل فينا اثرا يحرك المياه الراكدةمن حولنا وتلك هي المصيبة ان يصبح الفنان مجرد مضحكاتي بلا هوية او رسالة او حتي صرخة تحذر او تنبه إلي وجود حاجة غلط علي ارض الواقع تحتاج إلي التغير والاصلاح. ولأن احمد حلمي نوع اخرمن الفنانين يؤمن بأن الفن لابد ان يكون له هدف ورسالة ومشاركة في بناء حاضر ومستقبل افضل لامته اختار ان يؤدي دوره كمواطن في القضايا التي تنخر كالسوس في جسد هذه الامة وتجعله يشعر بأنه غريب عن تراب وطنه الذي اصبح يحتفي بالوافدين عليه من اجناس العم سام ويضعهم في مكانة عالية لا يرقي اليها اصحاب البلد الاصليين الاجدر بحق الرعاية والتوقير. وفي فيلمه الرائع »عسل اسود« يعزف الفنان المبدع احمد حلمي علي اوتار القلوب من خلال سيناريو جيد الصنع كتبه بثقة واقتدار السيناريست اللامع خالد دياب ووضع فيه كل هموم الامة بذكاء شديد وترجمة المخرج الموهوب خالد مرعي الي لغة سينمائية توافرت لها كل عناصر المتعة والفن والفكر من خلال شاب مصري هاجر إلي أمريكا وهو طفل مع اسرته ثم قرر العودة إلي ارض وطنه مرة أخري فلم تنجح الجنسية الامريكية في تجريده من انتمائه وحبه لأهله وناسه وحنينه للاستقرار علي الارض التي شهدت ميلاده والتي اراد ان تكون هي سنده فيما تبقي له من عمر خلال سنواته المقبلة. تلك كانت احلام وطموحات الشاب »مصري سيد العربي« العائد من تجربته في امريكا إلي حضن الوطن الام لدرجة جعلته يودع جواز سفره الامريكي ويذوب عشقا وهو يحمل وثيقة السفر المدون بها جنسيته المصرية فهو ليس في حاجة لاستخدام جنسية العم سام لتسهيل مهمته وهو يتحرك داخل بيته ولكنه يصطدم بواقع أليم في اسلوب وطرق المعاملة التي تفرق بين حاملي جوازات السفر من الامريكان والمصريين ويشعر بالندم لعدم احضاره لجواز سفره الامريكي وتستمر تلك المعاناة تطارده كلما ذهب إلي أي مكان حتي وهو يمارس مهنته كمصور فوتوغرافي حيث تم تلقينه درسا قاسيا لعدم قيامه بالحصول علي التصاريح اللازمة قبل قيامه بالتصوير رغم انه لم يكن في مكان له طبيعة أمنية خاصة تستوجب الاستئذان قبل ان ينظر في عين الكاميرا! وامام هذه الحالة يضطر »مصري سيد العربي« إلي ارسال من يحضراليه جواز سفره الامريكي حتي ينعم بحياة هادئة علي ارض وطنه ولكن القدر يعانده فيفقده وهو يتابع مظاهرة شعبية ضد امريكا وتتعقد الامور ويدخل في تفاصيل كثيرة بعد ان اصبح بلا هوية علي أثر تخلصه من جواز سفره المصري وفقدانه للجواز الامريكي الي ان تعثر الشرطة علي الجواز الامريكي فيقرر العودة إلي بلاد الغربة بعد ان ذاق مرارة الشهد واصبح عسل مصر له بريق من حيث الشكل فقط بينما المضمون فلونه اسود قاتم يكسر قلب المحب ويذل العاشق لتراب وطنه ويعزله عن محبوبته وعشيقته ويجعله طريدا مقهورا. وداخل الطائرة العائدة الي امريكا يقرر »مصري سيد العربي« العودة إلي مصر متحملا عذاب عسلها الاسود من اجل الاسهام في استعادة العسل لمذاقه الحلو واعادة البريق واللمعان له من حيث الشكل والمضمون ومقاومة كل اوجه القصور في تركيبة العلاقات الاجتماعية التي نتج عنها امراض خطيرة امتدت لمجالات التعليم والبطالة والسكن والمواصلات والزواج وغيرها من الامور الاخري التي اصابتنا بحالة من التردي والتفكك والتصدع واللامبالاة! وفيلم »عسل اسود« نقلة سينمائيةمهمة للقدير احمد حلمي ولفريق العمل بداية من السيناريو الممتاز لخالددياب ومرورا باضاءة سامح سليم عبقري الصورة وموسيقي عمر خيرت وأداء شديد التميز للممثلين واخص من هؤلاء العبقري لطفي لبيب الذي جسد ببراعة دور سائق الميكروباص ومعه نجوم اخرون اصحاب قامات عالية في مواجهة الكاميرا وخطف عين المتفرج مثل الموهوب احمد راتب وانعام سالوسة ويوسف داود وادوارد والصاعدة الواعدة ايمي سمير غانم. وتحية خاصة لجهتي الانتاج التي قدمت فيلم »عسل اسود« ووفرت له كل عناصر النجاح وجعلتنا نعيش اوقاتا ممتعة مع نجم النجوم أحمد حلمي وزملائه من الفنانين والفنيين الذين قادهم ببراعة من خلف الكاميرا المونتير والمخرج المتميز خالد مرعي.