البتروكيماويات من الأعمدة الواعدة للصناعة الوطنية « كلما بزغ نجم الدولة المصرية ارتفعت مكانة الصناعة كعمود فقري لقوة الدولة وازدهارها.. حدث هذا منذ زمن الفراعنة. وفي عهد محمد علي الكبير. ثم حدث عام 1920 مع تولي بنك مصر التأسيس لملحمة صناعة وطنية كبري قادها طلعت حرب باشا وأيضا بعد ثورة يوليو حيث تم التأسيس لصناعات ثقيلة جعلت من مصر قوة كبري في الشرق الأوسط. وكان يمكن أن تستمر هذه المسيرة بعد حرب أكتوبر إلا أن الانفتاح الاقتصادي مضي بالصناعة إلي الطابع الاستهلاكي الخفيف.. والآن جاء الوقت لكي تسترد مصر عافيتها بصناعة قوية أصبحت ضرورة حتمية لتحقيق أهداف الثورة.. فما هي «خارطة الطريق» التي تأخذنا إلي هذا الهدف الكبير؟ وكيف تنجح مصر في هذا التحدي الذي تتوقف عليه المسيرة المصرية؟» يعتقد رجال الصناعة المصرية اليوم أن الفرصة جاءت من جديد لاحياء الحلم بصناعة قوية متقدمة باعتبارها باختصار هي الأمل الوحيد الذي يأتي قبل السياحة والزراعة وقناة السويس وتحويلات المصريين من الخارج. ويعتقدون أيضا أن هناك إرادة سياسية تتبلور الآن وأخذت الخطوة الأولي الصحيحة وتتمثل في قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء شخصيا لاصلاح المسار التشريعي وتنقية التشريعات الحالية من التناقضات والتضارب والتعقيدات واستحداث ما يلزم لدفع التقدم في النشاط الصناعي. وهي خطوة يصفها الخبراء بأنها أول خطوة صحيحة ومهمة علي الطريق. هذا ما دعا الدكتور محمد البهي عضو هيئة مكتب اتحاد الصناعات المصرية للتأكيد علي أمرين.. الأول عدم استباق الدولة في اتخاذ اجراءات ضد المستثمرين سواء بمنعهم من التصرف في أموالهم أو اتهامهم بالتهرب من الضرائب قبل صدور أحكام قضائية في هذا الشأن حتي لا تعطي رسائل سلبية لمستثمرين في الداخل أو الخارج. والثاني والأهم هو إنشاء قانون للصلح الواقي أو الخروج الآمن من السوق وتوفير حصانة للمستثمر بحيث لا توقع عليه عقوبات بدنية إذا أفلس.. ويضيف البهي أن هذا التشريع موجود في أروقة الحكومة والمطلوب هو سرعة اصداره والفرصة متاحة الآن للرئيس الذي يملك سلطة اصدار القوانين في غيبة مجلس الشعب. أما الملف الثاني والذي يمثل ركنا أساسيا في خريطة مصر الصناعية فيتمثل في تذليل الفرص أمام القطاع الخاص والسماح له بانتاج الطاقة مع استخدام الشبكة القومية مقابل رسم عادل أو استيراد الطاقة للصناعة وبالسعر العالمي. ويؤكد الدكتور محمد البهي علي حقيقة يجب التعامل معها بواقعية وهي عدم احتكار الدولة انتاج وبيع الطاقة وقيامها بدور «المنظم» فقط مثلما هو الحال في مجال الاتصالات. ويقول: كل الدول الآخذة في النمو فعلت ذلك واستفادت من الرسوم والضرائب التي يدفعها القطاع الخاص ووفرت علي نفسها دعما ضخما تدفعه من خزينتها يمكن أن توجهه لتوفير خدمات أخري وتحسين مستواها. ويعتبر توفير الأراضي اللازمة للصناعة أحد أهم ملفات النمو الصناعي.. ويكفي أن أكثر من 7000 مستثمر تقدموا بطلباتهم للحصول علي قطعة أرض في طرح علني نظمته هيئة التنمية الصناعية يضم 1000 قطعة أرض.. أي ان القطعة الواحدة يقابلها 7 مستثمرين يتنافسون عليها، وهذا ما يوضح ندرة الأراضي المرفقة الصالحة للصناعة. وقد أكد منير فخري عبدالنور وزير الصناعة والتجارة ان الأزمة حقيقية ولكنها ستنتهي تماما قبل نهاية هذا العام مع اكتمال ترفيق أراضي في 35 منطقة صناعية في 22 محافظة وهو مشروع طموح وفرت له الدولة اعتمادات وصلت إلي 35 مليار جنيه سيتيح فرصا كبيرة لاستيعاب طموحات النمو الصناعي. الظهير الساحلي المشروع الأبرز الذي يطرحه المهندس عصام الدين حسن رئيس واحدة من الشركات التجارية فهو فتح أفق جديد لحياة المصريين ودفعهم لاستثمار أراضي الدولة في التنمية وهو فتح ظهير ساحلي لمحافظات الصعيد بحيث تمتد كل محافظة أفقيا في اتجاه البحر الأحمر لتطل في النهاية عليه ويتاح لها التخطيط لاستغلال هذه الأراضي بحيث تبيعها الدولة وتحقق من ورائها وفورات مالية ضخمة وتنشط في نفس الوقت حركة الاستثمار والتجارة في محافظات الصعيد طبقا للمزايا النسبية لكل محافظة. ويصنع لمصر أفقا كبيرا مفتوحا يخرج إليه المصريون المكدسون علي ضفاف النيل بدون تكلفة علي الدولة بل سيحقق لها عوائد هائلة من بيع الأراضي والتخطيط لاستثمارها في مجالات الزراعة أو التعدين أو الصناعة، ويؤكد المهندس عصام الدين حسن ان مصر لن تنهض إلا بأفكار من خارج الصندوق وبعد أن تتخلي عن الأفكار الجامدة التي عشنا في ظلها العمر كله.. صناعة التجميع أما محمد المهندس نائب رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات فيضع يده علي ملف مهم في مسيرة مصر الصناعية.. يقول: معظم الدول الآخذة في النمو لا تتحدث عن تعميق الصناعة في البداية وإنما تسعي لانتشار أفقي للصناعة بحيث تتواجد في كل مكان وتستوعب الأيدي العاملة المدربة. ويقتحم المهندس حاجزا مهما بتأكده انه لا مانع من السماح بإقامة صناعات تجميعية ضخمة علي محور قناة السويس يحقق لمصر عوائد ضخمة جدا. وهذه الصناعة ستقوم في شكل تجمعات صناعية كبيرة متخصصة مثل تجميع السيارات أو الأجهزة والمعدات، فضلا عن إنشاء مناطق لوجستية يتم التصدير منها للشرق الأوسط وأفريقيا وسوف تستفيد مصر فرصا هائلة لتشغيل أيد عاملة في هذه الصناعات وتحصل علي أنشطتها ضرائب مثلما تفعل إمارة دبي لأنها أنتجت في مصر.. ويشير محمد المهندس إلي دولة مثل سنغافورة التي لا تزيد في حجمها عن محافظة بورسعيد حيث صنعت نموذجا فريدا من النجاح يمكن دراسته والاستفادة منه وتكراره. وأخيرا يقول المهندس حمدي عبدالعزيز رئيس غرفة الصناعات الهندسية ان مصر فيها كل عوامل النجاح ولا ينقصها إلا الإرادة السياسية والعزيمة والاصرار للاستفادة من كل المزايا التي نمتلكها علي أحسن وجه بعد استشارة الخبراء والتعرف بحكمة علي الظروف العالمية..