من التجني والتعسف ،إنكار أهمية الزيارة ،التي قام بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح ،إلي العاصمة الايرانية طهران ،ولقاءاته مع مرشد الثورة علي خامئني، ومباحثاته مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، من حيث القيمة والتوقيت والنتائج . فهي الأولي للأمير منذ توليه السلطة في العام 2006. كما أن زيارة شخص بقيمة وقامة الشيخ صباح الأحمد ،بكل تاريخه في العمل الدبلوماسي ،وحكمته في الحفاظ علي استقرار دولته، ورئاسته القمتين العربية والخليجية، تعطي زخما للزيارة ،وتجعلنا نعول عليها كثيراً، في أن تكون بداية لمتغيرات إيجابية، علي صعيد العلاقات الثنائية ،وعلي مستوي الخليجي بصفة عامة. ولعل من النتائج المباشرة للزيارة، التوقيع علي ست اتفاقيات للتعاون في العديد من المجالات. كما أن الزيارة جاءت من حيث الإطار الزمني، مترافقة مع متغيرات دولية وإقليمية ،مهمة ستؤثر بالضرورة علي مستقبل المنطقة بعد الاتفاق الذي رعته وشاركت فيه واشنطن والدول الغربية مع إيران، حول مستقبل البرنامج النووي، والمخاوف من تداعيات ذلك الاتفاق. ومع كل تلك الاعتبارات، يظل السؤال كما هو ،هل يمكن توقع أن يكون هناك تأثير إيجابي؟ علي مسيرة العلاقات الايرانية الخليجية، لمثل هذه الزيارة، هناك إجابتان ،الأولي بنعم، والثانية بالنفي ،وان كنت أنا من المتشائمين، ولدي من الأسباب والسوابق ما يؤكد ذلك. فالخلاف الخليجي الإيراني، متجذر وعميق ،ويتداخل فيه الجغرافيا ، بحكم الجوار، والتاريخ المشترك ،فهو ليس وليد اليوم ،أو حتي فترة ما بعد الثورة الايرانية، بل كان الحال هو الحال، عندما كانت إيران تحت حكم الشاه، ولم يختلف الأمر كثيراً، ويأخذ أبعادا مختلفة ،منها الصراع الطائفي، بكل ما يحمل من خطورة، خاصة ان إيران تتعامل علي أنها ،قبله الشيعة في دول العالم، ومصدر قوتهم، وأداة حمايتهم. ويدخل في هذا الإطار وبسببه، قضية البحث عن النفوذ ،والتدخل في الشئون الداخلية، للدول العربية بصفة عامة، والخليجية بصفة خاصة ،فإيران عامل ورقم مهم وفاعل ،في كثير من الأزمات العربية ،فهي تحتل ثلاث جزر إماراتية، طنب الكبري والصغري وأبو موسي، كما ان موقفها يتسم بالتعنت، من خلال رفض ،كل البدائل المطروحة للحل ،ومن ذلك القبول بالحوار المباشر ،ومن بعده اللجوء إلي التحكيم الدولي، كما أن إيران عامل رئيسي ،في ازمة البحرين ،المستمرة منذ سنوات،من خلال المطالبة بضمها، والزعم بتبعيتها التاريخية لها، ومن خلال الدعم المادي والمعنوي والإعلامي، لمطالب فئات متطرفة من شيعة البحرين، تسعي وتخطط لإقامة جمهورية إسلامية ،تمثل امتدادا لإيران.وهناك من الأدلة الكثير ،علي الدور الإيراني المخرب في البحرين ،ويكفي انه من عدة أشهر ،انه في الوقت الذي كان فيه ملك البحرين ،الشيخ حمد بن عيسي، يهنئ الرئيس الإيراني بالعيد الوطني ،كان مرشد الثورة، يلتقي مع وفد من المعارضة البحرينية ،ويدعوهم للصمود واصفا إياهم بالأقوياء ،كما أن إيران تحاول استثمار ،وجود جماعات من الشيعة في دول الخليج ،للتأثير علي الأوضاع فيها ،ناهيك عن دور إيراني، في تأزيم الوضع في اليمن، من خلال دعم الحوثيين، ومركز نشاطهم متاخم للحدود مع السعودية، كما أن هناك خلافا، لا تخطئه العين، بين طهران والرياض، حول العديد من القضايا الإقليمية. كما ان الخلافات بين دول الخليج وإيران، تتعلق بالعديد من الملفات العربية، التي تشهد تدخلا إيرانيا فجا، ومن ذلك العراق، ولم يعد خافيا علي احد أن طهران ،تسيطر علي مفاصل الدولة، وتتحكم في سياستها، ناهيك عن الخلاف الجذري، حول الأوضاع في سوريا ،مع الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد، لدرجة مشاركة قوات من الحرس الثوري ،في القتال مع قوات النظام، وحماية الأسد شخصيا، بينما دول الخليج تؤيد تطلعات الشعب السوري، يضاف إلي ذلك ،التدخل في الشأن اللبناني ،عبر دور حزب الله ،كلاعب أساسي في الساحة اللبنانية ،وكثيراً ما صرح الشيخ حسن نصر الله ،بأنه جندي في جيش الولي الفقيه ،كما أن وجود الحزب ،سمح لأحد كبار المسئولين الإيرانيين، أن يؤكد الأسبوع الماضي، بأن حدود بلاده ،وأمنها القومي ، تصل إلي البحر المتوسط ،وجنوب لبنان. وهناك مخاوف خليجية ،وهواجس من أن تعتبر طهران، الخطوات التي تم اتخاذها مؤخراً ،بسياسة "اليد الممدودة " من دول الخليج ،والتي تجسدت في أشكال مختلفة، أن يتم النظر إليها ،من زاوية أنها مؤشر ضعف،أو استجابة لضغوط أمريكية، بعد الاتفاق مع الغرب، حول الملف النووي. ولكن الحقيقة ان هناك اشتراطات عديدة، ومستلزمات مختلفة، للوصول إلي حالة تطبيع العلاقات بين الجانبين ،أهمها في رأيي، ما ذكره وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح ،عندما أشار بعد مشاركته الأخيرة بعد ساعات من عودته من إيران في أعمال المجلس الوزاري الخليجي، أن بلاده تتطلع إلي ترجمة التوجهات الإيرانية، إلي واقع إيجابي، تمهيدا لإزالة أسباب التوتر بين الجانبين، ونحن أيضاً كما الوزير في الانتظار. وان تنتصر الدولة بمتطلباتها ،علي الثورة في إيران ،وان يتواري النهج الطائفي ،أمام حقوق الجوار.