ما هي الطريقة الاكبرية التي أسسها صاحب اعظم عمل صوفي فكري في التراث الشيخ الاكبر محيي الدين بن عربي، فيما يلي تعريف بها كما ورد في الكتاب التذكاري الذي أعد في المؤتمر المنعقد بمصر عام 1968 بمناسبة الذكري الثمانمائة لوفاته. لقب ابن عربي لعظم مكانته في التصوف بالشيخ الأكبر، وأغلب الظن أنه لقب بهذا اللقب من جانب أتباعه الذين أعجبوا بشخصيته. ولكن بعض المتأخرين من الصوفية مثل الشيخ مصطفي كمال الدين البكري أحد كبار شيوخ الخلوتية بمصر والمتوفي سنة 1162ه، يذكر في كتابه «السيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والالحاد» أن الذي سماه بالشيخ الأكبر هو أستاذه أبو مدين الغوث التلمساني المتوفي سنة 594ه. ويطلق عليه مصطفي كمال الدين البكري أيضا اسم «الأكبري»، وأحيانا «الإمام الأكبري». مهما يكن من شيء فقد عرف ابن عربي بالشيخ الأكبر، ومن هنا سميت طريقته بالاكبرية. وأنت تجد هذه التسمية شائعة عند بعض المتأخرين من أصحاب الطرق مثل أحمد الخالدي النقشبندي الطرابلسي، ابن سليمان، في رسالته القصيرة المعنونة «النور المظهر في طريقة سيدي الشيخ الأكبر» وتلميذه أحمد ضياء الدين الكمشخانوي النقشبندي في كتابه «جامع الأصول»، والشيخ يسن بن إبراهيم السنهوتي الشافعي النقشبندي أحد صوفية هذا القرن في كتابه «الأنوار القدسية في مناقب السادة النقشبندية»، والشيخ محمد رجب حلمي أحد أحفاد ابن عربي، كما يذكر عن نفسه، في كتابه «البرهان الأزهر في مناقب الشيخ الأكبر»، والشيخ عبدالحي الكتاني في «فهرس الفهارس والاثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات»، نقلا عن «عقود الأسانيد» لأبي عبدالله محمد أمين السفرجلاني الدمشقي، والسيد محمد توفيق البكري شيخ مشايخ الطرق الصوفية في كتابه «بيت الصديق». وقد ذكر المستشرق الفرنسي ماسينيون أن لهذه الطريقة المعروفة بالأكبرية اسما آخر هو «الحاتمية»، فقد كان ابن عربي معروفا أيضا باسم الحاتمي لأنه فيما يذكر مترجموه ينتهي نسبة إلي حاتم طييء، وعرفت طريقة ابن عربي في بعض الأحيان باسم «العربية»، ولكن يبدو أن تسميتها بالأكبرية هو الأكثر شيوعا بين أصحاب الطرق. لم يتلق ابن عربي طريقة الصوفية إبان نشأته بالاندلس علي النحو الذي كان يتلقاها عليه المشارقة من أرباب الطرق، أعني أن يتلقاها عن شيخ واحد صاحب طريقة معروفة، له أتباع ومريدون يحيون في الرباطات والزوايا حياة جماعية وفق نظم خاصة، وإنما استفاد من عديد من شيوخ التصوف المعاصرين له في الاندلس والمغرب، عددهم كما يذكر ابن عربي نفسه خمسة وخمسون شيخا، وقد ترجم لهم في رسالة له تعرف بالدرة الفاخرة. وقد ذكر المستشرق آسين بلاثيوس أن هؤلاء الشيوخ كانت لهم منازع صوفية متعددة كل التعدد، وأن ابن عربي لم ينس أن يذكر لنا الشارة المميزة لكل منهم، وهي بدورها تتميز عن طريقة ابن عربي نفسه، كما لم تكن بين هؤلاء الشيوخ رابطة إلا في ممارسة نفس النوع من المجاهدات الصوفية، ولم يكن لهم علامة مظهرية مميزة في ملبسهم، ولا قاعدة مكتوبة أو نظام إداري كما كان الشأن عند الصوفية المسلمين المشارقة. ولعل من أبرز أولئك الشيوخ الذين انتسب إليهم ابن عربي الشيخ أبو مدين الغوث التلمساني المتوفي سنة 594 ه، وهو يشير إليه كثيرا علي أنه شيخه، ويصفه بأنه من أكابر العارفين، وأنه كان يعتقد فيه علي بصيرة، وقد ذكر محمد رجب حلمي في «البرهان الأزهر» عن أخذ ابن عربي عن أبي مدين وغيره ما نصه: «وأخذ العلوم الباطنة عن حضرة العارف الشيخ أبي مدين المغربي، وجمال الدين يونس بن يحيي القصار، وأبي عبدالله التميمي، وأبي الحسن بن جامع». وكذلك تأثر ابن عربي بالاتجاهات الفلسفية الصوفية التي ظهرت في الاندلس قبل عصره، فهو قد تأثر بابن مسرة «269 ه 381 ه» الذي أثرت تعاليمه في جميع الصوفية الأندلسيين الذين مزجوا التصوف بالفلسفة.