رغم كثرة التفجيرات التي نتعرض لها في إطار الحرب الضارية التي نخوضها مع الارهاب، مازال الحديث عن الثورة مستمرا لم يتوقف.. فهناك من الاشخاص والحركات والمجموعات من يحتكر لنفسه تمثيل الثورة ويحجب هذا التمثيل عن الآخرين.. وهناك ايضا من يبشرنا الآن بثورة ثالثة قادمة في الطريق، وفي تقدير البعض ستكون هذه الثورة الجديدة ثورة جياع وفي تقدير آخرين ستكون ثورة إسلامية دموية!.. وهؤلاء المبشرون بالثورة الجديدة يمارسون بدورهم احتكاراً غير مباشر ايضا للثورة.. فهم وحدهم كما يعتقدون الثورة والثورة هم دون غيرهم، وماداموا خارج السلطة فلا بديل عن ثورة جديدة تمكنهم من هذه السلطة. وكل هؤلاء لا يسيئون فقط للثورة بمحاولاتهم احتكار تمثيلها وحدهم إنما يسيئون أيضا بشكل متعمد منهم وتفسير ما حدث في مصر في 25 يناير و30 يونيو.. فهم ينصبون انفسهم قادة للثورة إذا ما وصلوا إلي الحكم أو استعادوا الحكم الذي فقدوه سيعني ذلك انتصارا للثورة! ونحن نتذكر كم تباهينا طويلا بعد 25 يناير ان الثورة المصرية لا قائد لها وأنها ثورة جماهير، حتي الذين رتبوا مبكرا لسرقة هذه الثورة أو استثمارها لتحقيق طموحهاتهم، سواء من جماعة الإخوان أو الجماعات والحركات التي ارتبطت بالأمريكان لم تجرؤوا وقتها علي الادعاء بأنها قادت الثورة. وذات الأمر ينطبق علي ما حدث في 30 يناير، فالطوفان الشعبي الهائل الذي اكتسح شوارع البلاد لم يمنح أحداً فرصة وقتها لإعلان احتكاره قيادة الثورة.. حركة تمرد التي بادرت بالدعوة إلي انتخابات رئاسية مبكرة وعاجلة وسعت لجمع توقيعات تأييد لدعوتها لم تفكر في الادعاء بأنها هي التي قادت الثورة، وذات الأمر انطبق أيضا علي قائد الجيش المشير عبدالفتاح السيسي الذي بانحيازه لإرادة الشعب تمكنا من القضاء علي حكم الإخوان المستبد والفاشي. لكن بعد سقوط هذا الحكم الذي عانينا منه لمدة عام فوجئنا بمن يحاول احتكار تمثيل الثورة.. حدث ذلك من أشخاص منهم كتاب وسياسيون، ومنهم أيضا أعضاء حركات ومجموعات وائتلافات سياسية منحت نفسها صفة الثورية، ومنهم أيضا أعضاء أحزاب وجماعات تحارب من أجل إعادتنا إلي الماضي الكئيب حيث كنا نرزح تحت حكم مستبد وفاشي خلال عهد الرئيس السابق محمد مرسي.. كما حدث ذلك في ظل حرب نخوضها ضد إرهاب ترعاه جماعة الإخوان التي تحالفت مع عدد من التنظيمات الإرهابية علي رأسها أخطر تنظيم إرهابي في العالم وهو تنظيم القاعدة، والتي تلقي أيضا مساندة إقليمية «تركيا وقطر» وعالمية «أمريكا وعدد من الدول الأوروبية» وبالإضافة إلي ذلك كله حدث ذلك أيضا في ظل انتخابات رئاسية بدأت أمس الحملات الانتخابية للمرشحين فيها. وهكذا.. الاحتكار هنا متعمد ومخطط للثورة مع سبق الإصرار والترصد.. فالبعض يراها وسيلة ناجعة لحصد أصوات قطاعات من الناخبين المصريين في الانتخابات الرئاسية خاصة تلك القطاعات التي رأت انها خرجت صفر اليدين مما حدث في 30 يونيو مثلما كان الحال في 25 يناير.. فضلا عن ان هناك من بين هذه القطاعات من ربط نفسه بالأجندة الأمريكية التي رغم براجماتيتها التي لا تستبعد القبول بالأمر الواقع في مصر مازالت تنتهج سياسة ممارسة الضغوط علي مصر لتطويع إرادتها.. ولعل ذلك هو ذاته ما تفعله جماعة الإخوان فهي تحاول أن تصور حربها ضد الشعب المصري علي أنها ثورة شعبية جديدة أو استعادة الثورة السابقة. إلا ان ذلك الاحتكار المتعمد للثورة مفيد لأصحابه في ظل رغبة شعبية جارفة لتأمين كيان الدولة الوطنية المصرية وتجاوزها الأزمات الراهنة التي نمر بها، خاصة الأزمة الاقتصادية واستكمالها بناء مؤسساتها السياسية المختلفة.