منى شقيقة صباح احدى الضحايا تتحدث مع محررة « الأخبار » مئات من المآسي الانسانية كشفت عنها احداث اسوان الأخيرة تلك المدينة الهادئة التي لم تعرف يوما حوادث كتلك الكارثة التي اودت بحياه 25 من خيرة شباب عائلتي الدابودية وبني هلال ليس لهم ذنب الا تلك العصبية القبلية التي توارثوها كابرا عن كابر... تلك العصبية التي تفرق بين الشعب المصري علي أساس عرقي او طائفي وهي موروثات زرعها الاستعمار في نفوس الشعب المصري فتارة يفرقونهم علي اساس ديني فهذا مسلم واخر قبطي وفشلوا وبعدها فرقوه بصعيدي وبحيري وثالثة بعربي وهواري واخرها هلالي ودابودي.... وفي هذا التحقيق نتناول بعضا من القصص الانسانية ادمت قلوبنا بعد ان اقضت مضاجعنا وحاولنا مرات ومرات الدخول وسط العائلتين المتناحرتين الا ان محاولاتنا باءت بالفشل حتي نجحنا في التسلل الي داخل منطقة الاشتباكات من الجهه النوبية بمساعدة بعض العواقل لننقل صورة حية علي لسان اصحاب المآسي ما بين ام فقدت ولدها وأب فقد نور عينيه بوفاه اولاده وطفلة تيتمت وفقدت نبع الحنان وشاهدت والدتها وهي تقتل امامها، اما اشد ما يدمي القلوب ويذرف الدموع ان هناك بعض الجثث لا تزال مختفية ضاربين بالمثل الانسانية عرض الحائط وكأننا نبحث عن غراب ابني آدم ليعلمنا مرة اخري كيف نواري سوءاتنا. وننقل بالكلمة والصورة بعضا من هذه الاحداث التي عشناها ونتمني ان تنتهي بعودة العقل والانسانية التي يتمتع بها الشعب المصري فيعود كالجسد الواحد اذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد. رصاصة قتلت صباح في البداية تحكي لنا مني عوض قصة شقيقتها القتيلة «صباح عوض « ذات ال33 سنة وكانت حاملا في شهرين والتي تركت مدينتها الهادئة بإدفو وكأنها علي موعد مع القدر وجاءت الي أسوان منذ سنوات للبحث عن وسيلة للرزق تعيش فيها هي وابنتها الوحيدة ذات الاربعة اعوام وعملت بالمدينة الجامعية مع الطالبات في جو من الهدوء والامان حتي جاء يوم الجمعة الماضية عندما عادت من العمل مسرعة لاعداد طعام الغداء لنا. بدأت مني في البكاء وهي تسرد لحظات وقوع الحادث قائلة بعد ان قامت شقيقتي باعداد الغداء لنا وتجمعت انا وهي وابنتها الوحيدة جومانا علي المائدة لتتناول آخر زاد لها في هذه الحياه، سمعنا أصوات صخب وضجة خارج المنزل، وكعادتنا كان باب المنزل مفتوحا كباقي منازل القرية الآمنة فرأينا الشباب يتسارعون ويصرخون محاولين تحذيرنا من رصاصات بعض الاهالي وعندها خرجت صباح لتطمئن علي اقاربها فوجئت بطلق ناري يدخل من رقبتها ويخرج من الجهه الاخري فسقطت كالذبيح امام أعين ابنتها الطفلة التي لم تتعد بعد الاربع سنوات ومنذ ذلك الحين والطفلة لا تكف عن البكاء وتطالبنا بالذهاب الي والدتها وتستيقظ من النوم علي نوبات هستيرية من البكاء بعد ان فقدت امها وفجأة تيتمت الطفلة لتفقد الام والاب يعيش بعيدا في مدينة أدفو ولم يعد للمسكينة الا خالتها ودموعها التي تنساب بين الفينة والفينة « وتضيف مني قائلة « ان اشد ما يؤلمني شخصيا تلك القسوة التي اصيب بها الشعب المصري والتي تجلت انه حينما حاولنا نقل شقيقتي الي اقرب مستشفي فتطوع أحد الشباب بنقلها بسيارته مضحيا بحياته خاصة وان طلقات الرصاص تنهمر من كل صوب وحدب في الوقت الذي يوجد فيه فراغ امني شديد لدرجة اننا لم نبلغ سيارات الاسعاف لعدم وجود تحرك من الجهات التنفيذية واستسلم المسكين لصرخات الطفلة واثناء نقله لشقيقتي الي المستشفي حاصروه بالعصي والشوم وصدق ما تنبأ به عندما تهشمت اجزاء كبيرة من السيارة واصيب هو بكسور وجروح وكدمات فتحامل علي نفسه وقاد السيارة بمساعدة ابن عمه حتي وصل الي المستشفي لكنه لم يستطع اسعافها فقد لفظت انفاسها الاخيرة قبل ان تدخل المستشفي وكأنها لا تريد ان تعيش في عالم تحكمه العصبية والقبلية وبدون حتي ان تعرف اسباب المشكلة. ابني شهيد وارفض الدية اما ام «أحمد محمد « فتقول « احتسب ابني عند الله شهيدا ولا اقبل فيه ديه وعزائي انه في الفردوس الاعلي من الجنة فقد كان مثالا للشفافية وحسن الخلق والرجولة رغم سنوات عمره التي لم تتعد 19 عاما، فقد خرج مسرعا بمجرد ان علم باصابة صديقه ونقله الي المستشفي فبقي بجانبه يخفف الامه ويشد من ازره وبقلب الام اتصلت به ليكون بجواري خوفا من تفاقم الموقف وتبكي وهي تقول رفض ابني في البداية وقال انني مع صديقي وسأعود وارجو الا تضغطي علي بذلك فأنت في امان الله، فجاءني ولم استطع ان اراه لانه خرج من المستشفي متجها الي المسجد لأداء صلاة الجمعة وبعد ان قضي الصلاه تفاجأ بوابل من الرصاصات الطائشة بالمكان فهم هو واصدقاؤه بنجدة السيدات والفتيات لادخالهم الي المنازل خوفا من اصاباتهم، فاصابته رصاصة بالجنب، وتفاجأت بالأهالي يخبرونني بالامر وصرخت لأراه الا انني لم استطع ان اراه «. هدية عيد الأم احترقت اما أمل ابو القاسم: انني عشت حياتي كلها علي الكفاف حيث ان زوجي لا يعمل بسبب بتر في ساقه، ونعيش علي معاش التضامن الاجتماعي الذي لا يفي باحتياجاتي انا وزوجي وثلاثة اولاد ومنذ عيد الام الماضي فاجأتني ابنتي المقيمة في ليبيا بارسال جهاز بوتاجاز وتلفاز وغسالة بمناسبة عيد الام أحسست بفرحة عارمة وفي الوقت الذي استلم فيه تلك الاجهزة جاءني خبر اطلاق الرصاص علي قريبتي التي تعد بمثابه ابنتي حيث نشأت معها وشهدتا طفولتهما وشبابهما معا فعلمت بحادث اصابتها فخرجت مسرعة وتركت المنزل وعدت لأجده وقد اشتعلت فيه النيران فأتت علي كل مافيه ولم اتمتع بالبوتاجاز الذي عشت طول حياتي انتظره. وتوالي الاخبار غدا او في الطبعات التالية نماذج من قصص انسانية اخري من الطرف الاخر عندما توصلنا الي اتفاق مع عمر محفوظ احد عواقل عائلة بني هلال ووعدنا بمحاولة لقائنا ببعض من اسر ضحايا العائلة في محاولة لاظهار الجانب الاخر من المأساة.