د. عبدالله زلطة قد لا يعرف الكثيرون أن مصطفي امين عمل صحفيا بجريدة الاهرام طوال ما يقرب من سبع سنوات، وتلك قصة من بين مئات القصص التي تستحق أن تروي عن عميد الصحافة العربية كان مصطفي أمين وهو طالب يدرس العلوم السياسية بجامعة جورج تاون الامريكية يتلقي خطابات من توأمه علي أمين يطلعه فيها علي كل جديد في عالم الصحافة المصرية.. ومن بين تلك الخطابات خطاب مؤرخ في 12 سبتمبر 1937 جاء فيه بالحرف الواحد: »قابلني انطون الجميل، سألني عن موعد انتهاء دراستك، طلب مني ان اخبرك ان الاهرام تستقبلك بصدر رحب«.. وبعدها بثلاثة أيام كتب علي أمين خطابا بتاريخ 15 سبتمبر 1937 ارسله الي توأمه في واشنطن، قال فيه: »ان اسمك الان يوضع في كل مشروع جديد، ان الوفد يفكر في انشاء شركة صحفية مكرم عبيد يرشحك في منصب كبير فيها النقراشي يريد انشاء جريدة وهو يقول انه يتمني ان ترأس تحريرها لولا خشيته من غضب ام المصريين اذا اشتغلت بالصحافة، توفيق دياب يقول انه مصمم ان تكون سكرتير تحرير الجهاد اليومية بأي مرتب تريد وفي الايام الواقعة في نهاية عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، وعقب عودة مصطفي امين من امريكا بعد اتمام دراسته، كان جبرائيل تقلا صاحب الاهرام معجبا بنشاطه، وكان يردد لمن حوله ان مكان مصطفي في جريدة الاهرام اليومية لا في مجلة آخر ساعة الاسبوعية، وكان تقلا باشا يحرص علي ان يلتقي بمصطفي امين كل يوم تقريبا وهو رئيس تحرير آخر ساعة اثناء سفر التابعي الي الخارج وفي نهاية عام 1938 عرض جبرائيل تقلا علي الصحفي الشاب مصطفي أمين ان يستقيل من آخر ساعة ويتفرغ للعمل في الاهرام، الا انه رفض العرض، وفي العام التالي 1939 كرر تقلا باشا عرضه وزاد عليه بإغرائه بتولي منصب رئيس قسم الاخبار بالاهرام، ووافق مصطفي امين بشرط موافقة التابعي اولا، وثانيا: ان يحتفظ برئاسة تحرير آخر ساعة الي جانب رئاسة قسم الاخبار في الاهرام، وقبل صاحب الاهرام، كما وافق التابعي واعرب عن سعادته بوجود مصطفي امين في الاهرام بوصفها أهم جريدة يومية في مصر وبدأ الصحفي الشاب مصطفي امين نشاطه في الاهرام، مخبرا صحفيا دون ان يتقاضي منها اجرأ، وبعد ستة اشهر استدعاه جبرائيل تقلا الي مكتبه وأبلغه ان انطون الجميل رئيس التحرير اصر علي الا يزيد مرتبه الشهري عن عشرين جنيها، وتوقع تقلا باشا ان يرفض مصطفي هذا المرتب خاصة انه كان يتقاضي مبلغا كبيرا من آخر ساعة، ضحي به كي يثبت وجوده في الاهرام، فكان يعمل من السادسة مساء حتي الثانية عشرة منتصف الليل وقبل مصطفي امين هذا المرتب وظل يتقاضاه دون أي زيادة تذكر لما يقرب من سبع سنوات في الفترة من عام 1939 حتي عام 1946 والمعروف ان مصطفي امين كان قد اصدر مع توأمه علي امين جريدة أخبار اليوم في 11 نوفمبر 1944، الا انه بقي لمدة عامين يعمل في الاهرام بذات المرتب، رغم انه كان يعطي للمحررين الذين يعملون في اخبار اليوم مرتبات كبيرة فاقت ما كانت تدفعه الصحف الاخري، لكن مصطفي وعلي كانا يريان ان العبرة من العمل في جريدة كبري مثل الاهرام ليست بقيمة المرتب وانما بالنفوذ فيها، فقد كان نفوذ وسلطة مصطفي امين كرئيس لقسم الاخبار يأتي في الاهمية بعد نفوذ انطون الجميل رئيس التحرير وفي الاهرام حقق مصطفي امين عدة خبطات صحفية، من بينها ما كتبه عن قصة حقيبة امين عثمان، وقصة خبر استسلام ايطاليا في الحرب العالمية الثانية، وقصة غزو الجيش الالماني لروسيا، وغيرها من الخبطات التي حققها مصطفي امين، ولا يتسع المجال هنا للحديث عنها وكان مصطفي امين اثناء عمله بالاهرام، يري ضرورة ان تتجدد والا تتخلف عن تحقيق السبق الصحفي وان تهتم بالتحقيقات الصحفية وابراز الصور والبحث فيما وراء الاخبار، بينما كان يري انطون الجميل رئيس التحرير ضرورة ان تحافظ الاهرام علي طابعها القديم وان تحاول ان تكون دائما أشبه بجريدة التايمز البريطانية. وكان جبرائيل تقلا صاحب الاهرام يؤيد في اغلب الاحيان وجهة نظر مصطفي امين، لكنه لم يكن يود فرض رأيه علي رئيس التحرير انطون الجميل الذي كان يهدد ويتوعد بتقديم استقالته اذ حدث تجديد في الاهرام بقي ان تعرف عزيزي القاريء انه طوال السنوات السبع التي عمل فيها مصطفي امين رئيسا لقسم الاخبار بجريدة الاهرام، لم ينشر اسمه علي اي موضوع صحفي اذا لم يكن انطون الجميل رئيس التحرير متحمسا لنشر اسماء الصحفيين علي الموضوعات التي تنشر لهم أستاذ الاعلام بأداب بنها