سنابل الخير ..توريد 300 ألف طن قمح محلى إلى شون وصوامع البحيرة    أسعار النفط ترتفع 3.7%.. وبرنت يسجل 65.16 دولاراً للبرميل    هل وافق ترامب على هجمات "شبكة العنكبوت" ضد روسيا؟ .. "ذا هيل" تجيب    اعتماد إبراهيم الكفراوي بدلاً من عماد متعب فى رابطة الأندية    محمد مصيلحي يستقيل من رئاسة الاتحاد السكندري.. وأعضاء المجلس يتضامنون معه    إحالة 5 رؤساء بلجان امتحانات الإعدادية فى أسوان للتحقيق للتقصير بالعمل    مهرجان روتردام للفيلم العربي يختتم دورته ال 25 بتكريم ليلي علوي    وزير التعليم يكشف تعديلات المناهج في العام الدراسي الجديد    إيران: نحتاج لأن نرى تغييرات في موقف أمريكا بشأن العقوبات    وزير الخارجية: مصر أكثر طرف إقليمي ودولي تضرر من التصعيد العسكري في البحر الأحمر    عاجل| "أزمة غزة" تصعيد متزايد وموقف بريطاني صارم.. ستارمر يحذر من كارثة إنسانية ولندن تعلّق اتفاقية التجارة مع إسرائيل    السيسي: ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    الاتصالات تشارك في تنفيذ المشروع الوطني للتطوير المؤسسي الرقمي للجمعيات    ريوس يبرر خسارة وايتكابس الثقيلة أمام كروز أزول    التفاصيل المالية لصفقة انتقال جارسيا إلى برشلونة    بوستيكوجلو يطالب توتنهام بعدم الاكتفاء بلقب الدوري الأوروبي    للمشاركة في المونديال.. الوداد المغربي يطلب التعاقد مع لاعب الزمالك رسميا    تخريج 100 شركة ناشئة من برنامج «أورانج كورنرز» في دلتا مصر    افتتاح معرض إعادة التدوير لمؤسسة لمسات للفن التشكيلي بحضور وزيرة البيئة    دنيا سامي تدافع عن مصطفى غريب: "كلامي عن هزارنا جاب له الشتيمة"    «واكلين الجو».. 3 أبراج هي الأكثر هيمنة وقوة    دعاء يوم عرفة 2025 مستجاب كما ورد عن النبي.. اغتنم وقت الغفران والعتق من النار    وزير الصحة يشهد احتفال إعلان مصر أول دولة في شرق المتوسط تحقق هدف السيطرة على التهاب الكبد B    حزب السادات: فكر الإخوان ظلامي.. و30 يونيو ملحمة شعب وجيش أنقذت مصر    لو معاك 200 ألف جنيه.. طريقة حساب العائد من شهادة ادخار البنك الأهلي 2025    مصمم بوستر "في عز الضهر" يكشف كواليس تصميمه    برواتب تصل ل350 دينارا أردنيا.. فرص عمل جديدة بالأردن للشباب    زيلينسكي يعرب عن تطلعه إلى "تعاون مثمر" مع الرئيس البولندي المنتخب    وزير الصحة يتسلم شهادة الصحة العالمية بالسيطرة على فيروس B    بى بى سى توقف بث مقابلة مع محمد صلاح خوفا من دعم غزة    الشيوخ يبدأ جلسته لمناقشة بعض الملفات المتعلقة بقطاع البيئة    مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة وضبط 333 كيلو مخدرات| صور    مدير المساحة: افتتاح مشروع حدائق تلال الفسطاط قريبا    وزير الثقافة: افتتاح قصر ثقافة الطفل بسوهاج يوليو المقبل    "الأونروا": لا أحد أمنا أو بمنأى عن الخطر في قطاع غزة    مراجعة الصيانة.. جهاز المنيا الجديدة يصدر بيانا بشأن منظومة مياه الشرب والصرف    «تعليم الجيزة» : حرمان 4 طلاب من استكمال امتحانات الشهادة الاعدادية    التضامن الاجتماعي تطلق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    أزمة المعادن النادرة تفجّر الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    عيد الأضحى 2025.. ما موقف المضحي إذا لم يعقد النية للتضحية منذ أول ذي الحجة؟    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    لطيفة توجه رسالة مؤثرة لعلي معلول بعد رحيله عن الأهلي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر و تلوث المياه
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 02 - 2014

د. طارق قطب لقد أصبح تلوث مصادر المياه احد التحديات الخطيرة لمستقبل هذا الوطن، ليس لأثاره السلبية علي الصحة العامة و البيئة بشكل عام فحسب، والتي بالطبع لا تقدر بثمن رغم محاولة بعض الهيئات الدولية تقييم الآثار السلبية لتلوث المياه.
والتي قدرت علي سبيل المثال عام 1999بمبلغ ثلاثة مليارات جنيه سنوياً (حوالي 12.5 مليار في العام الحالي )، تستنزف ميزانية دولة تعاني معضلات اقتصادية طاحنة كما هو الحال في مصر، بالإضافة إلي مئات الآلاف من الإصابات البشرية بالأمراض الخطيرة.
و لكن هذا التلوث بات عنصراً ضاغطاً علي ادارة الموارد المائية في مصر، حيث يتسبب في ضياع كميات هائلة من المياه التي قد تكون صالحة لإعادة الاستخدام، نحن في أمس الحاجة لها لتحقيق الحد الأدني من متطلبات القطاعات المجتمعية المختلفة المستهلكة و المستخدمة للمياه. لقد انخفض نصيب الفرد السنوي من المياه في مصر لكل الأغراض من 2800 متر مكعب في عام 1959 إلي حوالي 660 متر مكعب سنوياً هذا العام. و يعتبر ذلك أقل بكثير من الحد العالمي للفقر المائي، و المقدر بقيمة 1000 متر مكعب سنوياً، و من المتوقع أن يصل عدد السكان إلي حوالي 160 مليون نسمة بحلول عام 2050 إن شاء الله، و من ثم سينخفض نصيب الفرد من المياه بفرض ثبات حصة مصر من مياه النيل -- الأمر الذي أصبح محل جدل كبير و تغلفه الشكوك نظراً للتنمية المتصاعدة في دول حوض النيل -- إلي 370 متر مكعب سنوياً، و هو ما يعتبر أقل من حد الندرة المائية و الذي عرفه بعض الخبراء بقيمة 500 متر مكعب سنوياً. و قد أدي ثبات الموارد المائية المتجددة، و كذلك الأراضي المنزرعة، و المتزامن مع الزيادة السكانية المطردة إلي الضغط الشديد علي شبكات الترع و المصارف و منشآت الري و الصرف، و بالتالي سرعة استهلاكها، و تدهور حالتها بشكل أكبر من المتوقع وقت إنشائها . و من مظاهر هذا الضغط الشديد زيادة التعديات علي المجاري المائية خصوصاً بعد ثورة يناير 2011، و التي وصلت إلي 21,516 تعد في منتصف 2013 تتنوع بين البناء علي منافع الري، و الردم داخل المجاري المائية بغرض اكتساب أراض جديدة للبناء علي حساب الترع و المصارف، ظناً أن ليس لها أصحاب أو جهة منوط بها حمايتها، أو عمداً بنية الاغتصاب و التربح. و الثابت أن هذا الرقم المفزع ظل في ازدياد حتي يومنا هذا، حيث لم تتخذ أي إجراءات رادعة لإزالة المخالفات أو حتي منع تزايدها. و كذلك صرف مخلفات المباني المنشأة بالمخالفة علي المجاري المائية، و مياه الصرف الصناعي غير المعالجة من مصانع يعتبر صرفها شديد الخطورة، و أحياناً ساماً مثل مصانع الكيماويات و الأسمدة و مزارع الحيوانات و الصرف الصحي غير المعالج الذي غالباً ما تكون مصادره المحليات. و أدي حجم التلوث إلي إغلاق عدد لا بأس به من محطات إعادة استخدام مياه المصارف الزراعية مثل محطة المحسمة بشرق الدلتا، و محطة بطيطة بوسط الدلتا، و مثلها من المحطات بغرب الدلتا، الأمر الذي نتج عنه خسارة كميات مياه كبيرة كان يمكن إعادة استخدامها تقدر بحوالي 2 مليار متر مكعب سنوياً، بالإضافة إلي خسارة الاستثمارات الضخمة التي استخدمت في إنشاء هذه المحطات و مشتملاتها. وترصد الحكومة كل عام ميزانية تتعدي الأربعمائة مليون جنيه لتطهير الترع و المصارف و إزالة أي اختناقات بهم، و من المعروف أن المجاري المائية بمصر تتعرض سنوياً للغزو المكثف من الحشائش العائمة مثل ورد النيل، و الغاطسة مثل ذيل الفرس، و الجرفية مثل الغاب، و ذلك نظراً لدفء المحيط المائي الذي أدي لوجود بيئة مائية ملائمة لتكثيف نمو هذه الحشائش. و تقوم هذه الحشائش باستخدام مياه المجري المائي في نموها، و بالتالي تفقد المياه بالمجري من خلال عمليات البخر- نتح التي تتم بواسطة هذه المياه، بالإضافة إلي إعاقتها لحركة المياه بالمجري نتيجة لنموها المستمر إذا لم يتم إزالتها. ومن الثابت أن نبتة واحدة من ورد النيل تفقد في المتوسط حوالي لتر من مياه المجري المائي في اليوم. و تتبع ثلاث طرق في إزالة الحشائش طبقاً لدرجة المجري المائي ومواصفاته، فتستخدم الطرق الميكانيكية بالمجاري الكبيرة، و الطرق اليدوية بالترع والمصارف الصغيرة، و الطرق البيولوجية باستخدام أسماك مبروك الحشائش الصيني الذي يتغذي علي الحشائش المائية بشراهة و يحولها إلي بروتين حيواني، و لا يمكن إستخدام هذه الطريقة إلا في الترع التي لا يطبق بها مناوبات، و تكون المياه فيها موجودة باستمرار. كما تقوم الوزارة، و نظراً لنقص الوعي الجماهيري بالمناطق السكنية الريفية، بإزالة أطنان من المخلفات المنزلية و الصناعية والحيوانات النافقة من الترع و المصارف، يفترض ألا تصل إلي المجاري المائية في الأساس، لأن إزالة القمامة هي مسئولية المحليات، و يعتبر العالم كله أشد المخالفات القانونية و البيئية و الاجتماعية فجاجة هو إلقاء هذه المخلفات بالمجاري المائية. و يجب علي كافة جهات الدولة و المحليات و القطاع الخاص و المجتمع المدني البحث في سبل توليد الطاقة من نبات ورد النيل الموجود حالياً و بكثرة في الترع و المصارف، أو تحويله إلي علف حيواني، و من ثم جني بعض المنافع منه قد تعادل أضراره. كما يجب علي الدولة الإسراع في إيجاد سبل فعالة لإنقاص أحمال التلوث بالمصارف التي كان يعاد استخدام مياهها، و جعلها صالحة للاستخدام مرة أخري، سواء بتغيير مسارات بعض المصارف، أو تقنين أوضاع بعض المنشآت التي تلقي بملوثاتها فيها، و بذلك يمكن استعادة حوالي 2 مليار متر مكعب من المياه لتستخدم في الزراعة بالأساس و ري حوالي 400 ألف فدان (حوالي 5 بالمائة من إجمالي المساحة المنزرعة في مصر). و مع اتساع المسئولية الأصيلة لوزارة الري في إدارة شبكات من المجاري المائية تتجاوز الخمسين ألف كيلو متر و حمايتها من التلوث من خلال تشديد الرقابة و تطبيق القوانين، إلا إن هذا الجهد وحده لن يؤتي الثمار المأمولة لمعالجة تلك القضية الخطيرة دون تضافر الجهود من الأجهزة الحكومية الأخري، و منظمات المجتمع المدني، و التي باتت تركز حالياً علي الشئون السياسية مفرطة في خدمة المجتمع كما كان مقدراً لها عند نشأتها, و ذلك للوصول إلي الحلول المستدامة المناسبة. كما أن التوسع في توصيل مياه الشرب إلي كل ربوع الوطن أمراً محموداً، إلا إن إغفال تنفيذ مشروعات معالجة مياه الصرف الصحي بالتوازي أو قبل توصيل خدمات مياه الشرب، يعد من السياسات الخطيرة التي تم إتباعها في السابق لتحقيق بعض المكاسب الشعبية السريعة دون النظر للآثار الخطيرة لتلك السياسات علي المدي البعيد، و التي أخطر أثارها هو عدم قدرة شبكة الصرف الصحي علي استيعاب صرف المنازل و المصانع المتزايد، و بالتالي يلقي أغلبه في المجاري المائية. كما لا يجب ان نغفل تلك الكتل الصناعية التي تم إنشاؤها بالقرب من المجاري المائية دون إتباع آليات التخطيط الشامل، والتي تلقي بمخلفاتها الخطرة إلي مسطحات المياه إما دون معالجة، أو بمعالجة غير كافية لا تحقق المعايير المنصوص عليها في قانون حماية المجاري المائية من التلوث، مسببة أضرارا صحية وبيئية عديدة لا يتسع المجال لذكرها. و هنا يجب علي الدولة عدم التصريح بإنشاء أي مصنع إلا إذا كان علي مسافة فاصلة من أقرب مجري مائي لا تقل عن خمسين كيلومترا.
كما يجب تقنين أوضاع المصانع الحالية تدريجياً في ذات السياق. كما يعد الإسراف في استخدام الأسمدة الكيماوية و المبيدات الزراعية احد الأسباب الرئيسية لتفاقم ظاهرة التلوث، رغم اتجاه العالم للزراعة العضوية باعتبارها المخرج الوحيد و الآمن، و لكن دائماً و كعهدنا في مصر نلجأ للأسهل دون النظر للآثار السلبية علي المدي الطويل. إن ديننا الإسلامي الحنيف، و كافة الأديان السماوية تحض علي الطهارة و النظافة، و لن يتأتي ذلك إلا إذا حافظنا علي مواردنا المائية نظيفة خالية من التلوث من أجل مجتمع أنظف و أصح. و في كتاب الموتي عند المصريين القدماء كان الميت عند محاكمته، و كما كان راسخاً في روعهم، يتحتم عليه أن ينفي عن نفسه تهماً معينة، يأباها أي إنسان في كل عصر وفي كل مكان، هذه التهم تمثل الأخلاقيات التي رسختها الأديان السماوية فيما بعد. و تسمي هذه العملية عند المصريين القدماء عملية (إنكار السيئات و الآثام)، و كانت هذه التهم أولها إغضاب الوالدين، ثم ثانيها مباشرة تلويث مياه النيل، و صد الماء في وقت جريانه، و الذي كان عندهم مقدماً علي الغش و الظلم و إيذاء الآخرين.
كاتب المقال : وزير الري الجديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.