تابع الكثيرون خلال الفترة الماضية ردود الأفعال الإماراتية الغاضبة علي محاولات الداعية القطري/ المصري يوسف القرضاوي النيل من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي ردود أفعال لم تكن لتصدر سوي عن شعور وطني جارف يدرك حقيقة النوايا التي تقف وراء زج القرضاوي باسم الإمارات بين الفينة والأخري في مواقفه وتصريحاته السياسية ودفاعه المتواصل عن التنظيم الإرهابي للإخوان المسلمين في مصر. أنا شخصيا لا استغرب مواقف القرضاوي، وهو الذي لا يكل ولا يمل من تجاهل إرادة الملايين من المصريين المسلمين في إزاحة الإخوان المسلمين عن الحكم، كما لا استغرب لأن ماحدث في مصر من انهيار مدو لمشروع الجماعة الأيديولوجي في المنطقة بأكملها بقيادة شعبية مصرية عارمة فقد خلط أوراق قادتها ورعاتها علي حد سواء، وما زال الجميع يتجرع آلام السقوط بعد لحظة انتصار عابرة لم تدم سوي شهور قلائل أسكرتهم خلالها نشوة النصر وتناسوا استحقاقات العمل السياسي وسارعوا إلي جمع غنائم نجحوا في سلبها من شعب لم يسع عند احتشاده الغفير إلي استبدال شعارات سياسية بأخري دينية، بل طالب بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية، ثم ما لبث أن اكتشف أن من توسم فيهم الإسلام ليسوا سوي أبالسة وشياطين يتربصون به ريب المنون ومتدثرين بالدين يتاجرون بالامة العربية ومعاناتها ولا يرون للحق سبيلا الا سبيلهم المظلم والجاهل باحثين عن سلطة لا يمتلكون أدواتها ولا مقوماتها. اعتقد أن مشكلتنا الحقيقية في العالم الإسلامي لم تعد مع القرضاوي ونظرائه من تجار الدين، بل هي إشكالية اعم وأوسع تتمثل أولا في رعاية بعض دول المنطقة لهذه الجماعة الارهابية والدفاع عنها اعلاميا واستضافة قادتها، وتتمثل ثانيا في الخلط الشائع غير الموزون بين الدين والسياسة، بين الدعوة إلي الله والبحث عن المصالح، ومايضاعف من التأثير السلبي العميق لهذه الإشكالية هو اقترانها باحتكار الخطاب الديني واحتكار الحكمة والعلم الديني وإنكار الآخر ومصادرة حق أي مسلم مخالف في الرأي في التعبير عن رأيه ورميه بالجهل وأحيانا الكفر، والزج بالدين في أتون عمل سياسي لا يتسم بأكثر من المنافسات والصراعات، بما ينطوي عليه ذلك من هدر لمكانة الدين وقيمته الروحية والحط من قدره في النفوس، وتنفير للناس من الدين بعد ربطه قسرا بأشخاص لهم ما لهم وعليهم ما عليهم وليسوا حجة علي الدين ولا ممثلين حصريين له، ولا يقبلون رأياً مخالفاً لهم أو تصوراً مجافياً لتصورهم عن ماهية القيم والنماذج السلوكية الإسلامية الصحيحة.. لا يستطيع أحد أن يشكك في علم القرضاوي الشرعي، ولكن هل يليق بمن ارتقي إلي مرتبة الفقهاء أن يفعل فعل السفهاء؟ هنا تكمن علامة الاستفهام الأكثر صعوبة، وهي محاولة فهم أو تبرير اتهام القرضاوي لدولة الإمارات بمعاداة كل ماهو إسلامي!! تري هل شط فكر الرجل فلم يعد يميز بين الطيب والخبيث، ولماذا لا يستوعب عقله حق دولة الإمارات العربية المتحدة في الحفاظ علي أمنها واستقرارها ضد أي محاولة للنيل من هذا الأمن والاستقرار من خلال محاكمات عادلة لعناصر تورطت في تدبير مؤامرات فاشلة؟.. لن امسك بقلمي لأحاول احصر دور الإمارات في خدمة الإسلام والمسلمين وإغاثة الملهوفين والمحتاجين ورفع الظلم عن المظلومين سواء لصعوبة مهمة حصر مفردات هذا الدور، أو لكونه معلوما ومعروفا بحيث يصبح اجتراره واستذكاره نوعا من الاستطراد الذي لا يقدم ولا يؤخر في مقامنا هذا. وبقدر محاولتي التركيز علي الاحتكام لمنطق الأمور، يبقي من حقنا ، كمواطنين إماراتيين مسلمين، أن نعبر عن غضبنا واستيائنا تجاه لغة الخطاب التحريضي المستمر من القرضاوي حيال دولتنا، وأن نطالبه بالكف عن استفزاز مشاعرنا والإيحاء بما ليس صحيحا لمجرد أننا نختلف مع جماعته وأهدافها الضيقة ومآربها الخبيثة.. أثق تماما في أن الكثيرين يتعففون عن الرد علي مايتفوه به القرضاوي وغيره من خلال قناة "الجزيرة" ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، وأثق أيضا في أن القرضاوي وغيره من علماء الفتنة والدم يدركون مقدرتنا علي إطلاق أبواق السب والقذف بحقهم مثلما يفعلون ليل نهار، ولكننا نقدر قوله تعالي "ومَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً". نصيحتي لهذا الرجل أن يدرك الواقع من حوله، وانه يثق في أنه لم يعد هناك من يصدق أن مايحدث في منطقتنا العربية من خراب وفوضي وانتهاك للحرمات هو مسيرة يانعة بريئة للبحث عن الحريات وحقوق الإنسان، ولم يعد يري في التخريب والتفجيرات صراعا للحق ضد الباطل، ولم يعد هناك من يؤمن بأن الكفاح من خلال فنادق فخمة وأموال غزيرة هو السبيل لانتشال فقراء أمتنا من المعاناة، ولم يعد هناك من يجادل بأن فقراء مصر وأطفال سوريا المشردين في مخيمات متناثرة هم ضحايا لتجارة الدين والمصالح، ولم يعد هناك من يقول بأن مايسمي باتحاد علماء المسلمين الذي يتزعمه القرضاوي ذاته قد حقق للإسلام شيئا يذكر سوي المزيد من الفرقة ونشر الفتن والخرافات، ولم يعد هناك من لم يسمع بالثروات الطائلة التي جمعها القرضاوي وغيره من قادة الجماعات والتنظيمات الإرهابية من وراء فتاوي الدم وتجارة الحلال والحرام، ولم يعد هناك من لا يعرف الفارق بين خدمة الدين واستخدام الدين، وخدمة الجماعة وخدمة دين الله، وبين حرية التعبير وحرية التشهير!!.. هذه وغيرها تصورات وحقائق عابرة لا أثق كثيرا في أن هؤلاء سيتدبرون حروفها، فلم يعد القرضاوي وغيره يأبهون بمأساة الأرامل واليتامي وقتل الرجال وتخريب المنشآت وتدمير الدول، ولم يعد هؤلاء يرون سوي أهدافهم الأيديولوجية الضيقة، فاللهم إني أشهدك أننا بريئون من الخطب المشبوهة التي تزج بدينك الإسلامي الحنيف في صراعات المصالح والمناصب والسلطة واختطاف الدول والشعوب وتأجيج الخلافات، آملين أن يكون ضعف الدعاة أمام الله أكبر وأعظم من ضعفهم أمام المال ومصالح "الجماعة"، وخشيتهم من عذابه أعظم من خشيتهم من غضب "مرشدهم"، فدين الله باق وماعدا ذلك إلي زوال. حسنا فعلت الدبلوماسية الاماراتية حين اتجهت إلي الوضوح والصراحة والمكاشفة وقامت باستدعاء السفير القطري لدي دولة الامارات العربية المتحدة لابلاغه احتجاج الدولة علي تطاول المدعو يوسف القرضاوي علي دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال منبر أحد مساجدها وعبر التلفزيون الرسمي لدولة قطر. حيث أعرب معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية خلال الاستدعاء عن بالغ استياء حكومة وشعب دولة الإمارات مما تلفظ به المدعو بحق الإمارات وعبر التلفزيون الرسمي لدولة جارة وشقيقة.. بعد محاولات المناورة السياسية للتنصل بشكل غريب وسطحي من موقف القرضاوي تجاه الامارات، لم يكن هناك بد من إرسال رسالة واضحة وكاشفة تؤكد بأن كرامة دولة الامارات وشعبها وقيادتها لا تقبل التهاون ولا التصرفات العبثية، وليعلم القرضاوي وغيره أن الإمارات وشعبها يمتلكون تجربة تنموية فريدة يفتخرون بها كل الفخر والاعتزاز، ويدينون بالولاء والانتماء لهذه الأرض الطيبة والوطن المعطاء وقيادته الرشيدة وعلي رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، ولسنا بحاجة إلي دفع ضريبة شيخوختكم التي تلبس لكم الحق بالباطل وتزين لكم فعل السوء.