نبيل ذكي بلدة »معلولا« السورية الآرامية هي الأقدم في التاريخ المسيحي، فهي تحتوي علي أول كنيسة شيدت في العالم - في عام 95 ميلادية -، وتدعي كنيسة »أم الزنار«، ولذلك يقال ان سوريا هي بلاد المسيحية الاولي والكنائس الأولي واقدم الايقونات. في الاسابيع الأخيرة من العام الماضي، كانت »معلولا« تستغيث، وما من مغيث، فقد تعرضت لهجوم شنته جحافل مسلحي »جبهة النصرة« التابعة لتنظيم »القاعدة«، وهي تصرخ قائلة »سنحرق معلولا بمن فيها« (!) و.. »أين انتم يا من تعبدون الصليب«؟! قبل حرق البيوت ونهب كل ما فيها. تركها أهلها، وهم في ثياب النوم، واقتحم المهاجمون الكنائس ودمروها بما فيها »أم الزنار«، واختفي عدد كبير من الايقونات الدينية والأثرية والتاريخية. واقتحم المهاجمون دير مارتقلا، وهم يزمجرون قائلين إنه سبق ان حذروا من أن زيارة الأديرة ممنوعة وقاموا بخطف راهبات وعدة شبان. ولا يزال مصير الجميع مجهولا. لم تكن في معلولا ثكنات عسكرية أو جنود من الجيش النظامي السوري. لم يكن في معلولا غير التاريخ والدين والتراث العالمي.. والمحبة. أكثر من ثلاثين كنيسة تم تدميرها في سوريا حتي الآن وكذلك 0041 مسجد، ونحو ثلاثة آلاف مدرسة، و 73 مستشفي. وعلي ايدي العناصر الارهابية والتكفيرية ايضا - التي تعتبر المسيحيين عدواً يجب محاربته وتهجيره - تعرضت 76 كنيسة في العراق للتدمير، وتم قتل اكثر من الف مسيحي وخطف اكثر من 002، كما هجر 006 ألف مسيحي خلال السنوات العشر الأخيرة. إنها حرب القضاء علي عناصر التنوع والتحضر في هذه المنطقة لحساب التصحر الفكري والاجتماعي. ثمة زحف بربري همجي علي عواصم الحضارات في القاهرة ودمشق وبغداد وحلب وتونس.. وكارثة تحوم في سماء الشرق العربي وتهدد المنطقة الوحيدة في العالم التي ظلت لقرون تفاخر بأنها أرض التعايش بين الاديان. لذلك يحذر »لويس ساكو«، بطريرك الكنيسة الكلدانية في العالم، من مخطط الجماعات الارهابية لتفريغ الشرق من مواطنيه المسيحيين، ويقول: »إذا حدث ذلك، فإن مصير المسلمين سيكون اسوأ بكثير، لأن هناك بعض الدول التي تحرص علي تفجير الصراع الاسلامي - الاسلامي عقب محاربة الوجود المسيحي لخدمة اسرائيل والولايات المتحدة.. واسرائيل دولة دينية وتريد تعميم وجود دول ذات طائفة واحدة مثلها. وهذا البطريرك حائز علي الماجستير في الفقه الإسلامي الي جانب الدكتوراه في علم آباء الكنيسة من الجامعة البابوية في روما والدكتوراه في تاريخ العراق القديم من جامعة السوربون الفرنسية. وهو يقول ايضاً: » ان تأجيج المشاعر الطائفية - بدلاً من احترام مبدأ المواطنة - يؤدي إلي مأساة وطنية«. أليس هذا ما كانت الجماعة الارهابية في مصر تريد ان تفعله بالمسيحيين المصريين لتحويل المنطقة الي بلدان موبوءة بالقتل والدم؟! ألم تحرق الكنائس المصرية؟ وتحاول إثارة الفتن الطائفية وتمزيق النسيج الوطني الواحد؟ ولكن الفشل - كالعادة - كان ينتظر الجماعة واشباهها في العالم العربي. ذلك أنه لا يوجد أدني تساؤل لدي المسيحيين بشأن انتمائهم الوطني.. فالمسيحيون في مصر والمشرق العربي يتشبثون باوطانهم، فهم في صلب مجتمعها وتاريخها. لقد حسموا هويتهم. لقد ولدوا هنا، وساهموا في استنهاض هذا الشرق، وفي انتشار الحضارة الاسلامية وازدهارها، وأبدعوا في فضاء العالم العربي.. ادباً وشعراً وفكراً وثقافة وعلوماً.. ولن يستطيع احد انهاء الوجود المسيحي الا بإنهاء الحضارة المصرية والعربية، وهو ما يعجز الارهابيون عن تحقيقه.. فالمسيحيون عرب أقحاح و ومصريون حتي النخاع، وهم - كما كانوا وسيبقون - رواد في هذه الارض،.. بل هم نسيج هذه الارضي. كلمة السر : مواجهة أعداء التاريخ والحضارة والتراث