بما لاقاه من تقدير واحترام الأوساط الجامعية باعتباره مثالاً لأستاذ مثقف مهموم بقضايا وطنه، يتوجب علينا مصارحته بما لدينا من تحفظات وملاحظات حول سياسات وزارته تجاه الجامعات الخاصة التي يراها العالم رائداً للتقدم المعرفي والاقتصادي وتراها حكومتنا قاصراً ينبغي الوصاية عليه. وهنا لن أتعرض لتصريحات منسوبة للسيد الوزير حتي لانستدعي مبرراً لسخونة الحوار الذي نريده موضوعياً دون شخصنة أومزايدة، ولن أناقش إشكالية أمن الجامعات، فما نشهده من مظاهرات وحرائق إنما هي ظاهرة محكوم عليها بالإنحسار باعتبارها آخر تجليات موجة الإرهاب لتعطيل خارطة المستقبل، لكني سوف آخذك خطوة للأمام في طريق مستقبل التعليم والبحث العلمي اللذان هما ركيزة التقدم والحداثة والنهضة، ولايمكن للدولة في ظرفنا بالغ الصعوبة أن تتحمل تبعاتها وتكاليفها دون شراكة فاعلة من الرأسمالية الوطنية في القطاع الخاص. ومن المؤكد أن وزير التعليم العالي يتفق معنا أن البني والهياكل التقليدية للجامعات ومراكز البحث العلمي لم تعد مؤهلة بذاتها للنهوض بعمليات التنمية المستدامة التي ارتبطت في العالم كله بإقتصاد المعرفة، كما أن عولمة الإقتصاد والتنافسية حولت فلسفة التعليم العالي في الدول المتقدمة إلي العمل في إطار إنتاج وإدارة المعرفة، لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد بتحويل المعادلة الحدية للإنتاج من موازنات رأس المال العيني: المصانع والماكينات والمنشآت وتكاليف خطوط الإنتاج وسوق العمل، إلي رأس المال الفكري أو "القوة العلمية الناعمة" من الكوادر المؤهلة والاختراعات والإبداعات والتكنولوجيات الحديثة وبراءات الاختراع ووديان العلوم والتكنولوجيا والمدن الصناعية، لذا بدأت جامعاتهم في تأثيث وديان العلوم والتكنولوجيا Science Parks ومراكز التميز العلمي، والحاضنات التكنولوجية، وتجمعات صناعة المعرفة، وحاضنات الأعمال Entrepreneurship وكان هذا هو مفتاح التقدم الذي أحرزته دولاً مثل كوريا والصين واليابان وماليزيا وسنغافورة، وغيرها من الدول المتقدمة. ولم تكن مصر في مبعدة عن هذا الفكر، بل كانت لنا تجربة في إنشاء أول وادي للعلوم والتكنولوجيا، في برج العرب، كانت بداياته مبشرة شهدت لها "اليونسكو" بالتميز والتفوق، ومن أسف تعثر المشروع بفعل سياسات الدولة ومسئوليها. أقول هذا سيادة الوزير للإشارة إلي أننا نمتلك الكفاءة والرؤية، لكن الدولة وحدها لايمكنها الإضطلاع بهذا العبء دون استثمار وطني تقدمه الجامعات الخاصة، وتمثل معه قوة ناعمة تعيد جذب الوافدين من المنطقة العربية وأفريقيا للدراسة والبحث والمؤتمرات، ويكون خريجوها سفراء لنا في بلدانهم، وكيف يمكن لجامعاتنا الخاصة أن تسعي للتطور والعالمية وحكومتنا الرشيدة تمنعها من الدراسات العليا؟ كيف؟. لقد تحولت الجامعات الخاصة في تركيا وماليزيا والأردن وسنغافورة وباكستان وقبرص والبرازيل والهند إلي قوة جذب علمي وتقني واقتصادي يحقق مليارات الدولارات، بينما تراجعنا بفضل السياسات الحكومية المحافظة المكبلة. وإليك مثالاً لجامعة خاصة هي جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، في مشروع طموح قامت بإنشاء معامل بحثية متخصصة وإرسال عشرات البعثات العلمية للخارج، وأسست أول منتدي للعلوم في الجامعات المصرية ومراكز للتدريب وتنمية القدرات، ومراكز للبحوث والتطوير والتميز العلمي، ومستشفي علاجي وتعليمي وبحثي علي أعلي كود عالمي ، وشراكة مع جامعات دولية لتبادل الأساتذة والطلاب، ولاتزال الوزارة تمنع عنها حق الدراسات العليا، الذي كفله القرار الجمهوري 245/1996 وعندما عقدت شراكة علمية مع جامعة عين شمس في الدراسات العليا، رفضت الوزارة التصريح لها بإصدار درجة علمية مشتركة، وأصرت أن تصدرها عين شمس وحدها، وكأن الوزارة تريد تحويل الجامعة إلي Broker أو وسيط يجمع الدارسين ويحصل الرسوم ويأوي إلي خانة المتفرجين. ياسيادة الوزير هذه سياسات لاتتسق والتخطيط الرشيد للمستقبل. إن جامعة بلا دراسات عليا ماهي إلا مدرسة تعليمية متوسطة الحجم، والقول أن الجامعات الخاصة ربما تبيع الدرجات العلمية، قول سخيف ومتجاوز لكل القيم الأكاديمية، وإلا كانت تبيع شهادات البكالوريوس والليسانس، ولا كانت طلبت الشراكة مع الجامعات الحكومية المصرية والجامعات الدولية. ثم من أين جاء أساتذة الجامعات الخاصة؟ ألم ياتوا جميعاً من الجامعات الحكومية، ثم ما لم يعطي للجامعات الخاصة حقها الأصيل في منح الدرجات العليا، ستقوم باستكمال هياكلها الأكاديمية من أحسن العناصر المتفوقة في الجامعات الحكومية، مما يتسبب في تدني مستوي التعليم العام. سيادة الوزير أنا لا أدافع عن جامعة لمصالح شخصية، لكنها قضية كل الجامعات الخاصة وتمس أيضاً سياسات التنمية في الدولة وتنتقص من إحترام القانون، إذ كيف تسمح سيادتك وأنت من أكبر أساتذة القانون، أن تصدر لائحة وزارية علي خلاف القرار الجمهوري تمنع علي الجامعات الخاصة منح الدرجات العليا، فهلا راجعت سيادة الوزير هذه السياسات المجحفة؟ وإذا لم يفعل ذلك حسام عيسي، تري من يفعله؟