سعىد الخولى كنا زمان نسمع أمثلة شعبية مستولدة عن الفهلوة وأصحابها، فيقول بعضهم »احنا اللي خرمنا التعريفة« - التعريفة عملة منقرضة تساوي نصف قرش أو 5 مليمات ليرد بعض ثان »واحنا اللي دهنا الهوا دوكو« ويصدق بعض ثالث بفصل الخطاب »واحنا اللي ضحكنا علي الشيطان، والآن يخرج علينا من يستثمرون »الرَخامة« لدي المستظرفين واصحاب البال الرايق السخيف، ويحولونها من استظراف قطاع عام الي غواية قطاع خاص عن طريق خط لبيع الرخامة والمقالب لتشبع رغبة السذج الذين يهوون الرخامة لكنهم لا يجيدونها.. ولماذا لا يفعلون ذلك وقد سبقهم وهم منهم مصاصو الدماء بخصخصة القطاع العام ظهير الغلابة لصالح المليارديرات الأشد غلبا في القناعة والرأفة بالآخرين، وكأنهم مصرون علي ان يرث الفقراء فقراً مستديماً والأغنياء ثراء فاحشاً متوحشاً. الفهلوية الجدد يلعبون علي اكثر من مائة مليون شريحة محمول يحملها شعب مصر الذي يقع أكثر من نصفه تحت خط الكفاف ويقدمون له خدعة مدفوعة يدفعها الأثرياء اسرافاً والمحتاجون سفها، وليتعلم المسكين الرخامة علي نفسه وعلي الآخرين، »يرخم« علي نفسه بمزيد من دفع نقوده في الهواء علي الآخرين برد مقالبهم السخيفة التي يدبرونها له. أيها الفهلوية اصحاب فكرة استثمار »الرَخامة« لقد لطمتم الشيطان لطمة موجعة يئن منها متعجباً من أفكار الأبالسة الآدميين.. أقول ايه: حقاً »اللي اختشوا ماتوا« ولكم الله ايها الفقراء المطحونون الذين تدفعون وحدكم ثمن الثورات وبطونكم خاوية وملابسكم بالية ودماؤكم مداد لملياراتهم المسمومة. شعبيات الشياطين بينما انا محشور بسيارة ضمن أرتال السيارات أعلي كوبري 51 مايو، حائر البال فالأمر يبدو مثل دور دومينو »مقفول« لا حركة للأمام، ولا فرصة للخلف، ولا سنتيمترات الي اليمين أو الشمال، بينما انا كذلك مستسلم لقدرنا المروري المزعج اذا بصوت محمد قنديل الجميل القوي ينساب الي روحي الزاهقة ليميط عنها بعض السأم والتضجر بكلمات »نسيم العصر ع القُصة بيحكي في الهوي قِصة، وقصة بعدها قصة تتوه الألباب، نسيت اعمل لقلبي حجاب، وقلبي داب، سحب رمشه ورد الباب، كحيل الأهداب«. وتعجبت لكلمات العملاق الشاعر عبدالفتاح مصطفي والأداء الرائع لهذا الصوت الرخيم في أغنية تندرج تحت الغناء العاطفي الشعبي الذي يعطي لوحة جميلة لصبابة شاب يري محبوبته وقت العصاري ونسيمها يداعب خصلات »قُصة« شعر الفتاة وكأنه يحكي قصة في الهوي والغرام، وتعجبت أكثر لأدب وحياء كلمات الشاعر دون ان تفقد جمالها وصورتها الرائعة في تسلسل سلس بسيط شديد الايحاء. وفجأة صكت مسامعي موسيقي صاخبة وصوت شائه لا معالم له وكلمات خلعت برقع الحياء وارتدت ثوب البذاءة والسوقية وهو يردد كلمة »اديك« وسط مجموعة من المعاني التي تتواري الي جوارها افلام البورنو، وتداعت الي أذني اغنيات أخري عديمة الحياء لا مكان لها سوي المواخير مثل »فكك« و»الشبشب ضاع« مما طفحت به اسطوانة سائق التوك توك الي جواري، وكلها تندرج زوراً وبهتاناً تحت مسمي شعبيات، وكأنهم يدنسون وجدان البسطاء بخلع براقع الحياء، لتضييع هوية وشخصية ووجدان هذا الوطن. وتحسرت علي رقابة كانت تعترض علي كلمة أو لقطة، وتحسرت علي من كانوا يحرصون علي ترقيق المشاعر والارتقاء بالوجدان ويجهدون أنفسهم في انتقاء الكلمة وابداع اللحن وجودة الأداء والمعني المهذب والصورة الجميلة والفائدة الجليلة لمن يتلقي ابداعهم، فعاش ابداعهم عشرات السنين.. ما أشد بلوانا في اصحاب الواقعية الجديدة فوق الشاشة بصورها وسفورها وفجور تعبيراتها، وعبر الغناء بانكشاف المعاني وسخف الألفاظ وشيطنة الأداء.. اللهم ارحمنا. من الحياة اللص الصريح أقل خطرا من الشريف الغامض.