بوسعنا جميعا أن نفتخر بدستورنا الجديد . ... لأنه في رأيي ومعي كثيرون أوفر الدساتير المصرية علي مر الحقب الماضية ضمانا لحقوق المواطن . أنا لا ألتفت كثيرا إلي ما ورد من إبداع في أبوابه المختلفة... لأن هذه موضوعات لها خبراؤها المتخصصون فيها وأنا لست منهم، ولكني اهتممت كثيرا بقضايا تختص أساسا بحقوق الأنسان في المجالات الإجتماعية وهي الحقوق التي علي أساسها تصنف الدول في سلم الترقي الذي نحرص علي أن تحتل مصر فيه درجة متقدمة تليق بها بعد ثورة يونيو الجبارة. ولذلك اذا نظرنا إلي المواد صاحبة الأرقام من 17 الي 25 فإننا نري انها قلب الدستور ولب التقدم المصري في العشر سنوات القادمة وهي السنوات التي ستحدد موقع مصر بين الدول ربما لقرون قادمة. أما المادة الرائعة التي يجب ان تسجل بحروف من ذهب فهي المادة 18 فماذا تقول؟ بدأت المادة بفقرة جميلة شارحة وكافية: "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة"... ثم أضافت في منتصف المادة " وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الأنفاق الحكومي لاتقل عن 3٪ من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا" وفي نهاية المادة "تخضع جميع المنشآت الصحية لرقابة الدولة" والفقرة الأخيرة هي موطن الداء في تدني مستوي الخدمة الطبية في مصر المحروسة وأيضا موضع الدواء في علاج قضية حيرت الألباب. لماذا هي كذلك ؟... لأن الجهات المسئولة عن الرعاية الصحية في مصر لاتقل عن عشر جهات متفرقة لايربطها رابط ولاتنسق بينها ولا يراقبها جهاز وتتبع خمس وزارات كل وزارة منها لاعلاقة بينها وبين الوزارات الأخري. وربما يتقدم مريض بشكوي إلي وزيرة الصحة يئن فيها من الإهمال في علاجه في أحد المستشفيات التابعة للدولة فيفاجأ برد قد يندهش له ولايفهمه، لكنه صحيح، مفاده ان المستشفي لايتبع وزارة الصحة إنما لوزارة أخري...!! وهذه للأسف حقيقة. هذه الثروة الطبية التي تمتلكها مصر، ألا تستحق تنسيقا بينها من نوع ما....؟ هل كان من الواجب أن ينص الدستور علي إنشاء كيان متخصص للتنسيق بين هذه الجهات لتوحيد المستوي، وأخيرا هل من الممكن ان تقوم الدولة بإنشاء مثل هذا الكيان ؟ والكيانات التنسيقية المتخصصة توجد كحقيقة واقعة في مصر كغيرها من الدول منذ وقت ليس بالقصير عند وجود أكثر من جهة تقوم بنفس المهام والوظائف... انظروا الي المجلس الأعلي للجامعات ، والمجلس الأعلي للصحافة ، والمجلس الأعلي للقضاء والمجلس الأعلي للشرطة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة. وأري بمناسبة دقة صياغة المادة 18 في الدستور الجديد (وهي مادة من ذهب) أن يقوم السيد رئيس الدولة بانشاء المجلس الأعلي للصحة والسكان، يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة وتكون له إختصاصات محددة أسوة بالدول المتقدمة، ويكون أساس عمله التنسيق بين الجهات السابق ذكرها لتقديم خدمة طبية تليق بالمواطن المصري - وتوجد دراسة معدة لذلك- وياحبذا لو تزامن إنشاء هذا المجلس مع صدور قانون التأمين الصحي الإجتماعي الجديد والذي يجب أن يقوم علي مبدأ التكافل الإجتماعي مع مشاركة الدولة.