المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية يصوت بالإجماع لصالح رفع عضوية فلسطين إلى دولة مراقب    السفير الأمريكي لدى اليابان: المحادثات بشأن الرسوم الجمركية لن تقوض التحالف بين البلدين    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا استعدادا لكأس العالم للأندية| والقنوات الناقلة    بث مباشر مباراة تونس ضد المغرب وديًا    القبض على سائق ميكروباص لسيره عكس الاتجاه بعين شمس    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ مايقرب من ثلاث سنوات    نائب محافظ قنا يتابع جاهزية مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ خلال عيد الأضحى    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى دولة مراقب في منظمة العمل الدولية    مواعيد مواجهات الوداد المغربى فى كأس العالم للأندية 2025    المملكة المتحدة : تحديد جلسة لمحاكمة 3 أشخاص في افتعال حرائق استهدفت رئيس الوزراء البريطاني    مخاوف من ارتفاع أسعار الذهب مع بدء الرد الروسي على أوكرانيا.. رئيس «الشعبة» يوضح    فروع البنك الأهلي المصري تعمل خلال العيد لتلبية احتياجات العملاء    العودة من بعيد.. رافينيا أفضل لاعب في الدوري الإسباني    ترامب يدعو مجلس الفدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة    نشاط وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في اسبوع    تركي آل الشيخ يكشف حقيقة انضمام زيزو ل «7Dogs»    مصطفى حمدى يكتب: هل يسابق «نجم الجيل» الزمن فى عصر ال «تيك توك»؟!    ياسر جلال يحتفل بعيد الأضحى بصحبة مصطفى أبوسريع أمام مسجد الشرطة (فيديو)    أحمد العوضي من مسقط رأسه بعين شمس: «ضحينا وسط أهل بلدي»    محافظ السويس يتفقد المنشآت الطبية فى أول أيام عيد الأضحى المبارك    في أول أيام عيد الأضحى.. غرفة الأزمات بصحة المنوفية تنعقد لمتابعة المنشآت الصحية    مائدة صحية فى عيد الأضحى ومخاطر الإفراط فى تناول لحوم الأضحية    الملايين يصلون «الأضحى» بالساحات والمساجد فى القاهرة والمحافظات    كيفية اختيار أضحية العيد وشروطها؟.. استشاري توضح    وزير التموين: استمرار عمل المجمعات الاستهلاكية خلال أيام العيد    مصرع طفل سقط من علو في أكتوبر    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    الهيئة الوطنية للإعلام تنعى الإذاعية هدى العجيمي مقدمة برنامجي مع الأدباء الشبان وإلى ربات البيوت    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    أمين "الجبهة الوطنية" يؤدي صلاة عيد الأضحي مع أهالي قريته بالغربية (صور)    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    بالفيديو| مها الصغير تغني "علي صوتك" ومنى عبدالغني تشاركها الغناء    محافظ الدقهلية يزور الأطفال الأيتام في أول أيام عيد الأضحى    الصحة: إجراء 2 مليون و728 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    "السياحة والمصايف" بالإسكندرية: نسبة الإشغال أول يوم الغيد بلغت 40%    باكستان تدين الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    جوزيه بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    الونش: الزمالك قادر على تحقيق بطولات بأي عناصر موجودة في الملعب    سعر الريال السعودي مع بداية التعاملات في أول أيام عيد الأضحي 2025    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
لعلي أقمت معه جسرا

عندما قال لي إن سلاح المهندسين عالج الموقف. عدا شهيد واحد طالب في المعهد الديني. سألت بدهشة وما علاقة المهندسين بهم؟
أذيع البيان العسكري حوالي الثانية ظهرا، أمر عند الناصية الأولي في ركني الركين، أمام مسجد سيدي مرزوق. أول شارع قصر الشوق، دكان العسال للخردوات، ثم مقهي البنان، الآن أنا أمام المقهي، أتوقف، الصوت ينبعث من الراديو الموضوع فوق الرف، ثمة شيء مختلف في الصياغة، اعتراف بنزول قوات العدو وتمركزها في جزيرة شدوان وبدء أعمال المقاومة، استمرار القتال، توقف بعض المارة، ترددت أدعية وتساؤلات.
»الله ينصرهم«.
».. دي الصاعقة يابا...«.
»العدد الكبير.. يا حرقة قلوب أهاليهم..«.
يحتج آخر مذكرا أنهم شهداء عند ربهم يرزقون، لا أذكر إلي أين كنت أتجه؟!، غير انني صعدت السلم المؤدي إلي المبني التاريخي، موسي صبري في صالة التحرير، هذا يعني استثنائية الظرف، يتصورها والمكان البيضاوي كخلية النحل، يبتسم حنفي مشجعا. مكرم بجوار سكرتير التحرير، الأستاذ اسماعيل، كان بدينا إلي حد ما، دائما يمسك بصفحات تجارب. لم أره يبتسم إلا قليلا، أتذكره بوضع معين، يقف، وجهه إلي النافذة الرئيسية.
»حاول أن تسافر بأقصي سرعة..«.
الطريق إلي الغردقة طويل، كان لابد من النزول إلي قوص وعبور الصحراء إلي سفاجا، انه طريق الحج القديم، بعد احتلال سيناء تم فتح طريق عرضي يبدأ عند الكريمات، يحتاج قطعه إلي خمس ساعات بالعربة مائة ثمانية وعشرين ، سوداء اللون، أعرف الطريق إلي محافظات الصعيد، خاصة سوهاج، احفظ المعالم وأحدد التضاريس، تنقلت كثيرا ونزلت مدنا صغيرة وقري شرق النهر وغربه، لا نعرف مصر، والله لا نعرفها. الواحات داخلة أو خارجة كأنها عالم آخر، أشجار الزيتون بدلت المشهد أما النخيل فصاحب وصامد، أيا كانت الريح لا تنال من النخلة ولا تثني جذعها.
الطريق فسيح، الجبال إلي اليمين خاصة متواليات من الصخر، أري تفاصيل عديدة، ربما بدأت المقارنة تحتد عندي، وهنت الآن، أتمدد في مواجهة النافذة، تقول النشرة علي لوحة الهاتف النقال ان المطر سيكون خفيفا والحرارة ثلاثة فوق الصفر.
الأنبا بولا
أطل من النافذة، سلم الحريق القديم أمامي مباشرة، يمر أمام الشقة كلها. لو قفز أحدهم من الطريق سيمسك به، رغم أنه مرفوع إلي مستوي الطابق الذي نقيم به، أشجار أصبحت عارية من أوراقها في ساعات، رأيت الخريف صباحا والشتاء عصرا، فلأرجئ هذا، سأتحدث عن هذا في وقته، بشكل عام يحيرني حالي، عندما أذكر مكانا حميما، هل أصفه كما عرفته في وقته، أم علي الهيئة التي أتذكره بها الآن.
جيد، جيدا جدا يا من تدعي فهمك للذاكرة لكثرة ما راقبتها وأخذت عنها، اشرح، بيّن لي، ما أراه من الطريق الذي كنت أحاول ألا أغفو عند عبوره حتي لا يفوتني منه أي مسافة ولو ضئيلة، لا أري منه إلا معني ذلك ان الصخر الذي أعاينه والتلال المحدودة الارتفاع تفد عليّ في مجملها وليس تفصيلها، بعد أربع ساعات ونصف تقريبا رأيت لافتة صغيرة تشير إلي التلال.
دير الأنبا بولا.
دير الأنبا أنطونيوس.
كيف وصلا إلي هنا؟ يتجدد السؤال بمناسبة قربهما مني أو قربي منهما، أعرف أن عين ماء في هذا القحل لابد أنها ساعدت كل منهما علي استمرارهما هنا، أي صمت أصغيا إليه، أي انقطاع واتاهما، كيف قطعا المسافة؟، قرأت كتاب حكيم أمين عن الأديرة في مصر، عدت إليه بعد ايابي، أقول باختصار، ما من مكان يمكن استعادته كما عرفناه، ما تراه الذاكرة قادما من مصدر آخر، الإنسان نفسه، ما عرفه وما مر به عبر المسافة المقطوعة، طوال السنوات المنقضية، المولية، العابرة لي أفكر في الأنبا بولا، في الرهبان السواح الذين حدثني عنهم البابا شنودة في مكتبه المتواضع بوادي النطرون عند زيارته خلال تحديد إقامته كما أمر الرئيس الأسبق أنور السادات، كل ما عرفته من أديرة علي الحافة، أقصد مصر طبعا، هنا ملاحظة أخري أو بارقة، لا أعرف كيف اسميها، مع التزامي بالسكينة والبعد عن كل اثارة لاحظت أن كل ما أستعيده ينتمي إلي الوطن الذي انتمي إليه رغم انني طفت الكوكب من شرقه إلي غربه ومن شماله إلي جنوبه، ورغم انني لا أتقن العوم وأشعر بالغربة والتوجس حتي لو طرت فوقه، إلا انني ركبت أنواعا من الزوارق والقطع البحرية ومنها غواصة، لا أزيد، سؤال آخر تردد عندي، لماذا لم ترصف الحكومات المتعاقبة بعد الثورة هذه الطرق؟ استعدت دهشتي عندما سافرت بالقطار وبالبر إلي أسوان مع فريق الكشافة، ما بين أرمنت وادفو كان طريقا متربا غير مرصوف، بدأوا في ذلك عندما شرع في السد العالي، ما من خطط، الضرورة أملت شق الطرق، بعد الكريمات قام الجيش بوصل كل محافظة في الصعيد إلي البحر الأحمر، آخرها طريق سوهاج الذي قاوموا رصفه طويلا بحجة انتقال الإرهاب عبره، أول من دعا إلي شقه مدرس ابتدائي، فكري زرزور، ركب حمارا وسلك المدقات والجبل المائل، يقال ان رجلا صالحا، لم يحدد الرواة إن كان مسلما أو مسيحيا، أدركه الوسن، نام تحت الصخرة، شيء ما فلقها، ربما زلزال خفي، ربما وجوده هو نفسه، عندما بدأت تميل من يده، سند الجلمود باصبعه وراحته، ومنذ ذلك الوقت يمشي السالكين أمناء، عاد فكري زرزور وطبع كتابا في مدينة سوهاج، وزعه بنفسه وأرسله إلي مكتب الرئيس وجميع المسئولين، جاءه خطاب شكر من مكتب الرئيس ناصر، وكان يعرف ان الرسالة من قبيل العادة، فلو أراد لقاءه، كيف سيتحقق ذلك، ما من شخص له صلة أعاره اهتماما، مات محسورا ولكن فكرته تجسدت في التسعينيات مما أذكره الأديب المرحوم عبدالعال الحمامصي الذي اعتاد كل سنة اثارة الموضوع، وكان الرئيس مبارك يسبقه قائلا:
»ستحدثني علي الطريق.. لن ينفذ..«.
لكنه نفذه وافتتحه عندما اقتنع، حاولت العثور علي ما كتبه فكري زرزور، لم أستطع، سوهاج الآن فيها مطار دولي، عشت تفاصيله مع محافظ يندر مثله، كثيرا ما حدثني عن ألمه للفقر الشديد في المحافظة.
»لا.. هذا فقر غير الذي تعرفه أنت..«.
هل سأوغل في سوهاج وأنأي عن الكريمات؟ البحر الأحمر الذي عرفته بعد معركة شدوان بأيام لا تكمل أسبوعا والموجود الآن شيء آخر.
فنار الضوء
تكوينات الصخور، تحولات الضوء، ما بين العصر والمغرب تولد درجات اللون البنفسجي، تتحول اليابسة، مستوية كانت أو متعرجة إلي ظلال، يبدو لي الطريق المتعرج أحيانا، الممتد في أوقات أخري متحددا، كأني أري السيارة بعيني طائر، المكان كله يعلق بي وكأني ألم به في ثانية حتي يلوح فنار الزعفرانة، أول فنار أطالعه، الفنار الفنار، قرأت في صحف يومية تحقيقات عن فنارات البحر الأحمر، آخرها عند جزيرة الاخوين، محمد بعد اتقانه الغطس، ربطوا القارب علي شاطئها قال انها قريبة من الشاطئ السعودي، لسفن التموين بالمياه العذبة أيضا مواقيت لا أذكرها الآن، ينفتح الطريق علي البحر، لونان لم أعرف درجة انسجام مثلهما، لو سئلت عن التضاد والاتساق هما، رمادية الحجر المائل إلي البني، وزرقة البحر، الغميقة حيث العمق والأخف عند الأقل، الأزرق والبني من تجليات الأصل، أبيض، أسود، أصفر، أحمر، أزرق، لا يمكن استحضار واحد من هؤلاء، تلك أصول بكل تدرجاتها، ألوان الوجود، لماذا يبدو كوكبنا أزرق، الموضوع متشابك، صعب، لو فتحت فيه سيغطي علي هذا كله، لم يبتعد شيخي عبدالوارث، ورغم اختفائه فوجوده قوي، يتبعني أينما كنت، غاب فجأة وحُرمت من طلته، كان ملاذي عند بدء الكروب، إلا أنه لم يفارقني حتي في طريق الكريمات عندما كان حيا يسعي، توقفنا عندما يشبه المقهي، أو الكانتين، أو البوفيه، مررنا برأس غارب ولم نتوقف بها، لا نعرف أحدا، وكل لحظة تمر تأخير لا يجب أن نقع فيه، احتوي المكان كله في جزءين، في ومضة من الثانية، كأني أرقبه من منظار عند حافة القمر، التابع للأرض، البارد، المجرد من أي غلاف جوي، حيث لا رياح ولا مطر ولا نسمة، أرمسترونج وصحبه شاهدوا ذلك، لكم وددت أن أري لحظة شروق الأرض بما أنجزه الإنسان وما ارتكبه عليها من حماقات، رأيت الصورة غير أنني أفضل رؤية ما أرغبه بعيني الداخليتين، أعني بصيرتي، محصلة ما أعرفه، ما أتيح لي وما أتمناه، الفنار بأحجاره المكونة قطعة من نحت وليس بناء، أريد أن أعمل في هذا البهو، فنار الزعفرانة قريب، أريد المسئولية في جزيرة لا يوجد عليها إلا فنار وحيد في عرض البحر، أي عناصر حياة تلك؟ في اطارات سعينا إلي العيش نلقي ما نتمناه ولكن لا ندركه، ينير بعضه حيرتنا، يسافر ضوء الفنار ليرسو عند عيون عابرة لا مراسي قريبة لها. الضوء لغة ومصطلح، ما يعنيني ذلك المقيم الذي يهدي الضوء إلي حيث يجب أن يسلك ويمضي، في عمق الصمت والهدوء، نقاط المراقبة في مرتفعات الصحراء لا يتواجد فيها إلا شخص واحد، محمد قناوي لزم جبل عتاقة عاش علي أوراق الشجر الذي لا يعرف أنواعه أو اسمه وقطرات الندي، إذا لم يلحق بها فجر لا تمكث، تتبخر مع اطلالة الشمس حتي لو بلغت الحرارة ما دون الصفر، سجلت ما حكاه لي وقصه عليّ في »ريح الجبل« هذا اسمه الحركي الذي ينادي به عبر جهاز الاستقبال والارسال الذي كان مسئوليته الأولي والأخيرة، عندما نزل إلي المدينة بعد فك الحصار وظهور قوات الأمم المتحدة، اتجه مباشرة إلي مقهي أبو رواش، كل من يراه يولي بعيدا، قال لنفسه، هذا طبيعي، لحيته ولونه وهيئته في مجملها تخفي لكن عندما رأي أحمد وصحبه تمهل، ابطأ الخطو، ما لن ينساه أبدا انهم نظروا إليه بشفقة لم يتعرف أحدهم عليه، لكن الكابتن أدركه من زكة قدمه، كل أسرته، والده، اخوته تميل اليمني إلي الانحراف قليلا.
»دا.. محمد قناوي..«.
التفوا حوله، وكان بكاؤه صعبا،
مائة وأربعة وثلاثون يوما من الحصار، من بقائه فوق صخور عتاقة، ليست إلا امدادا لصخور الكريمات وتلك المحدقة بطرق فكري زرزور وسفاجا والقصير وعندما بدأت أسفاره بالجو، أيقن ان البحر الأحمر ليس إلا شقا كبير بالفعل، الصخور علي الشاطئ الآخر نفس الألوان والتدرجات والقطع، يبدو ذلك أوضح جنوب سيناء، قبل الدخول إلي شرم الشيخ وما بعدها،
من الزعفرانة إلي مدخل الغردقة طريق محازي للبحر، معظمه رصف بعد يونيو، كان المفروض أن يعد هذا كله قبل الحرب، الآن.. أري الغردقة أقل حتي من قرية عندما دخلناها قبل الغروب، فندق واحد كبير كان مغلقا، إدارة الشيراتون، الطريق الذي مررنا به كان هدفا لغارات إسرائيلية متتالية في أحدها تم فك جهاز رادار سوفيتي حديث جدا، كلفهم هذا الكثير، اذ انكشفت أسرار مهمة من المنظومة الدفاعية لحلف وارسو، هكذا قيل وقتئذ في صحف الغرب، لكن المؤكد ان قائد المنطقة فقد منصبه وكان اللواء أحمد اسماعيل، جاء بدلا منه اللواء سعد الشاذلي وكان ما بينهما ليس عامرا منذ مهمة الكونجو، لأول مرة التقي به، في نفس ليلة وصولنا التقينا بقائد المخابرات الحربية للبحر الأحمر، العقيد محمد مازن، عندما رآني قال »العقيد بدر تكلم مرتين ليوصي وليطمئن..«.
طلع معنا إلي الطابق الثاني، الليلة سنقضيها هنا، لنضع الحقائب ولنسرع إلي استراحة اللواء الشاذلي، في انتظارنا، الآن.. لا أقدر علي استعادة أي تفاصيل من المكان، ربما لأنني لم أكن أحب التدقيق عند اقترابي أو حلولي بأماكن القيادة ومواقع القادة أما مكرم فأخمد عدسات تصويره، للشاذلي حضور قوي، عيناه نفاذتان، طبقة صوته حادة، قارئ باللغتين، العربية والإنجليزية، عندما أهديته أحد كتبي، قلبه وراح يتصفح الكتاب، قال انه بعد العنوان يطالع الفهرس، منه يعرف المضمون، كان العشاء متواضعا، في وحدات أقل رأينا ما يعد أغزر، ثم أدركت انه يتظاهر بالأكل، قال انه لا يتناول شيئا بعد الخامسة، لاحظت رشاقة بنيانه، وهذا ما سيظل عليه بعد توليه رئاسة الأركان، كنت في مكتبه بوزارة الدفاع، المدير شقيق لأحد زملائي الكبار بحق، جلال عيسي رحمه الله، لا أذكره إلا في موقف ما، أما في الجمعيات العمومية للنقابة أو عند اعتراضه علي القانون 93، كنا في مسرح يوسف السباعي الملاصق للكلية الحربية، كان لبقا، مهذبا، عرف كيف يؤسس لمعارضة هذا القانون وامتد ذلك عدة سنوات، شقيقه الأصغر اللواء مظهر عيسي، ضابط مظلات ومن تلاميذ الشاذلي، طوال الأسبوع الذي أمضيته تحدثت طويلا إليه، تبدأ لقاءاتنا ليلا، وفي يوم الجمعة دعاني لزيارة سيدي أبوالحسن الشاذلي، قطعنا المسافة بالهليكوبتر، طائرة مخصصة لتنقلاته، كل ما طلبه تمت الاستجابة له مادام في حدود الامكانيات، بسرعة توثقت الصلات سألته عما قام به لقطع هجمات العدو تماما، قال انه عندما درس الموقف فور وصوله وجد عدد كبير من المواقع بها أعداد صغيرة من الجنود والضباط، قام بتجميعها في وحدات أقوي مجهزة، الشاطئ طوله ألفا وثلاثمائة كيلو حتي حدود السودان، يعني الأمر يفوق امكانيات الجيش الأمريكي أو السوفيتي، كان الوضع يحتاج إلي رؤية مختلفة، البعض انتقد الخطة، المساحات المكشوفة ستسمح لقواته بالنزول، قال.. ينزل.. سيصطدم بوحدات أقوي ولن يستطيع تدميرها واستغلال ما كان يفعله في ضجيج إعلامي، يتحدث بسرعة واثقة، في عمق الليل عند مناطق التماس يتقارب البشر أسرع، الآن، في غرفة أخصصها للعمل، تعمل مدفأة بالزيت من النوع القديم، عند درجة حرارة معينة يبدأ بثها للدفء، نظام تلقائي في المبني المرتفع نسبيا، يتبع الجامعة ويستضاف به الشخصيات التي تعتبرها إدارة الجامعة مهمة، أقيم باعتباري أستاذا زائرا حتي بداية ديسمبر، محاضرة واحدة عن تجربتي خلال ما يقارب النصف قرن إذا ما أخذنا في الاعتبار بداية النشر أو بتجاوزه اذا اتخذنا من الشروع في الكتابة، رحلة طويلة لم أشعر بها مجسدة إلا منذ بدأت الإعداد لهذه المحاظرات بحيث تشمل الظروف أيضا، ثقافية وسياسية في اطار التاريخ، الآن مساء السبت، التاسعة، الخامسة فجر القاهرة لا أغير توقيت ساعتي أبدا، الوقت موزع ما بين البيت والجامعة التي تتوزع كلياتها أمامي مباشرة، المنطقة اسمها هايد بارك، آمنة إلي حد كبير، تتماس مع منطقتين، الأولي في الشمال، الثانية في الجنوب، كلاهما مصدر خطر، السكان زنوج فقراء والتفاصيل هنا تطول، درجة الحرارة سبعة تحت الصفر، المستشفي قريب أيضا، عشر دقائق سيرا علي الأقدام، تصحبني ماجدة خطوة، خطوة، نمضي وقتا طويلا في قاعات الانتظار، أتأمل الوجوه والملامح، المبني كله يحمل عنوانا مخيفا »مركز الطب المتقدم لعلاج السرطان«، الطبيبة شخصية مهمة، في طليعة المتخصصين بأمراض الدم، بعد ان أطلعت علي التحاليل التي حملتها من القاهرة وتفحصتها أبدت الثناء والاعجاب بتحليل المعمل، الدكتورة ألفت المتناوي مساعدها الدكتور ياسر قام بسحب العينة، كذلك الطبيب المعالج الدكتور حسام كامل، قالت ومساعدوها حولها ان ما تم في القاهرة عمل دقيق، تبادلت مع ماجدة النظر، خلال أوقات الانتظار الطويلة، الآن والبرد ينذر بعاصفة ستعم الغرب الأوسط كله حضور شدوان قوي ولذلك أسباب، لا أستطيع ايراد كل التفاصيل، أتفحص ما بقي مما شاهدته وعاينته، لا أصف إلا ما يبدو عبر ذاكرتي، لا أستعين بمرجع وليس عندي مدونات إلا ما كتبته في الأخبار لكن هذا ليس في متناولي، فقط ما يدور عندي، أستعيد جلسة سعد الشاذلي، بعض مما قاله لي: طوال عمري في خدمة التشكيلات، لم أعرف المكاتب، بل لا أعرف البيع والشراء، أمشي أحيانا في شارع متسع، مزدحم، سليمان باشا مثلا، لا أتقن البيع والشراء، سألته عن أصعب المهام التي واجهته، ضحكته حادة، قصيرة، مازلت أسمعها، قال: بعد يونيو صدر قرار بدمج الصاعقة والمظلات معا فيما عُرف بالقوات الخاصة، ربما يكون هذا أصعب وأعقد ما واجهته، وراح يقص الأسباب، وكنت أتطلع إلي غطاء الرأس، البيريه، القرمزي.
الساعة الواحدة بعد منتصف الليل،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.