بداية أترحم علي الأرواح التي أهدرت والدماء التي أريقت عندما قامت الدولة بفض اعتصامات النهضة ورابعة العدوية، وقد كنت أفضل أن يتم ذلك بطريق سلمي واتفاق سياسي مع شيء أطول من الصبر، وذلك تجنباً لتحطم المنشآت واندلاع الحرائق، وإزهاق أرواح غالية. وكان الغرض من إنهاء هذه الاعتصامات هو استعادة هيبة الدولة، والقضاء علي الفوضي، وذلك من أجل تحقيق الاستقرار الأمني، واستئناف المسيرة علي طريق التنمية والتقدم، فهل وضعنا أقدامنا علي هذا الطريق؟ أعلم أن الوقت مبكر للتنبؤ بما سوف يحدث في الفترة القصيرة القادمة، خاصة أن هناك رفضاً من إناس كُثر علي استخدام القوة المفرطة، إذ إنها تؤدي إلي الفرقة بين طوائف عديدة من المجتمع، وأعلم أن الاختلاف في تقييم الموقف الراهن يؤدي إلي عدم الاستقرار، وأعلم أن العواطف ملتهبة والمشاعر متأججة مما يدفع إلي عدم الاستماع إلي صوت العقل.. أعلم كل ذلك، غير أن مصلحة مصر والمصريين تقتضي البحث عن السبيل إلي الاستقرار والتنمية، وهذه مسئوليتنا جميعاً. إن السيناريو المباشر والذي نراه الآن هو أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وينتهز آخرون هذه الظروف في التستر وراءهم بالاستمرار في أعمال التخريب، بدءاً بالمسيرات في الشوارع، ومحاولة احتلال الميادين، والمواجهة مع الشرطة، وأقسامها، ومحاولة تخريب بعض مرافق الدولة المهمة، وحرق بعض الكنائس تفجيراً للفتنة الطائفية، ومن الناحية الأخري تقوم الشرطة والقوات الخاصة بالتعرض لهذه الأعمال التخريبية، مما سيؤدي إلي سقوط مزيد من القتلي، وتدمير البنية الأساسية واضطراب الأمن بدلاً من استقراره الذي استهدفناه من فض الاعتصامات، فإذا حدث هذا واستدام لفترة طويلة فنكون قد عدنا إلي وضع أسوأ من المربع الأول، ولا نتحمل إلا الخسائر ومزيداً من الانقسام والاستقطاب، يقترب من الوضع في العراق وسوريا لا قدر الله. وتقضي المصلحة الوطنية لمصر، تجنب الوقوع في هذه المصيدة، ولا يتم ذلك إلا بالحوار، والسعي نحو الوفاق الوطني مع استمرار ممارسة التنافس السياسي بالطريق السلمي الديمقراطي، فكيف السبيل إلي ذلك؟ دور الدولة لقد طالبت الدولة المعتصمين بفض اعتصامهم، وانتظرت عليهم طوال شهر رمضان وإلي ما بعد العيد، ولابد أنه كان يجري تفاوض بين الدولة والجماعة، إلا أن هذا لم يسفر عن التوصل إلي اتفاق، وكنت أحلم أن يخرج علينا قادة جماعة الإخوان المسلمين، قبل الأربعاء الماضي 41/8 بمطالبة أتباعهم بالانصراف عن الميادين، والعودة إلي العمل نتيجة للاتفاق مع الدولة علي ذلك في مقابل التوقف عن ملاحقة أعضائها، والسماح لهم بممارسة النشاط السياسي السلمي، وعدم توجيه أجهزة الدولة إلي إثارة المشاعر ضدهم، وأن يركز حزب العدالة علي الاستعداد للانتخابات القادمة، وإبراز وزنهم النسبي في المجتمع، مع التسليم بسحب الشعب لتأييده للرئيس السابق د. محمد مرسي، وأن تعلن الحكومة اتفاقها علي هذه العناصر، إلا أن هذا لم يحدث، وحدث ما شهدناه من أحداث مأساوية بغض النظر عن إلقاء المسئولية علي أي طرف، ومن مصلحة مصر أن يتوقف هذا التخريب.. ومن مسئولية الدولة أن تؤكد علي: عدم ملاحقة أعضاء الجماعة وحزب الحرية والعدالة بعد الهدوء الأمني المأمول. الإفراج عن المقبوض عليهم ممن لم يرتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون. عدم معاداة عناصر الإخوان وحزب الحرية والعدالة وعدم استبعادهم، من العملية السياسية التي نسير فيها منذ ثورة يناير 1102. عدم إقصاء هذه العناصر من وظائفهم الرسمية خاصة أن منهم أكفاء ولديهم قدرات علي أداء العمل بكفاءة. الإسراع في العودة إلي الحياة السلمية بإتمام إعداد الدستور، وإجراء انتخابات نزيهة للبرلمان والرئاسة بأسرع وقت ممكن. دور الجماعة إن ما حدث يفرض علي الجماعة وحزب الحرية والعدالة أن: تقر بالهزيمة السياسية وأن تعد العدة بالممارسة الديمقراطية للمستقبل. انتخاب قيادات جديدة تعيد تأهيل صفوفهم، وتحدد استراتيجية أعمالهم. نبذ العنف في ممارساتهم، وأن تكون المظاهرات سلمية، بدون تعطيل مصالح المواطنين. عدم الاستعانة بالتدخل الأجنبي الذي يضرهم قبل غيرهم. دور أهل الفكر والإعلام إن للمفكرين وأهل الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل آراء الشعب وتحديد مسيرتهم السياسية، ونحن نود أن يكون هذا الطريق سلمياً ديمقراطياً، مع التسليم بأن البناء السياسي يستغرق وقتاً، ولا يتم في ليلة أو ضحاها، وأن التنافس يكون له فائز وخاسر، وعلي الخاسر أن يتقبل الخسارة.. لقد امتلأت وسائل الإعلام حالياً بالحملة الشعواء علي الإخوان وحزب الحرية والعدالة، وتطالب بالإقصاء والاستبعاد بل ربما الإبادة، وهذا مناخ علي الرغم من أنه رد فعل طبيعي عفوي غير صحي لتقدم المجتمع، ولا يؤدي إلي استقراره، ذلك لأن الوازع الإسلامي متأصل في مصر، وإذا لم يفسح له المجال في الحياة المنظمة والعلنية فسوف يتم في الخفاء وتحت الأرض، وهو ما يكتنفه ضرر كبير، إن الإيقاع السليم في رأيي يتطلب الدعوة إلي الحوار، والمنافسة السلمية، وعدم إقصاء أي فصيل في المجتمع عن المشاركة في بناء المستقبل. إن بناء المستقبل لا يقوم علي النظرة الضيقة أو النظر تحت الأقدام، ولكن يتم علي أساس رؤية ثاقبة للمستقبل، وبناء خطوات تراكمية نحو اكتمال البناء السياسي، حتي لو اكتنف المسار بعض الانحرافات والاختراقات، وما يجب أن يحكمنا جميعاً هو تحقيق تقدم مصر، وحصول المصريين علي المكانة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستحقونها. كاتب المقال: وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الأسبق