د. محمد عبدالوهاب خفاجى بمناسبة النداء الذي وجهه الفريق اول عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والانتاج الحربي لجماهير الشعب المصري للنزول الي الميادين بقصد منح الجيش تفويضا له لمواجهة الارهاب والعنف بحسبان ان الشعب هو مصدر السلطات . وهو الذي يملك بهذه الصفة منح التفويض اللازم للجيش من اجل الحفاظ علي كيان الدولة من الخارج او الداخل لينعم الناس بالامن والامان علي حياتهم واموالهم ومستقبل ابنائهم وليواجه فرض السلطة رغما عن ارادة الشعب ,فانه غني عن البيان ان القوات العسكرية او الحربية غدت في العصور الحديثة في كافة بلدان العالم هي الدرع الواقي للاوطان يحميها من ثمة اعتداء عليها يمس سيادة تلك الدول او ينتقص منها .لذا فان كافة دساتير العالم المتقدم حرصت في صلب نصوصها علي استئثار الدولة وحدها دون غيرها بانشاء قواتها المسلحة ومن ثم تعد ملكا للشعوب ,وليس الحكام ,ومهمتها الاساسية حماية البلاد وسلامة اراضيها وامنها .وقد حظرت كافة دساتير العالم ومنها الدساتير المصرية السابقة علي ثورتي الشعب المصري علي اية هيئة او جماعة انشاء تشكيلات عسكرية او شبه عسكرية ومن الجدير بالذكر ان الجيش المصري هو اول جيش منظم في التاريخ الانساني في العصور القديمة ,وحظي باحترام اعتي واقوي الجيوش التي هاجمت مصر في مدار تاريخها السحيق حيث قدمت العسكرية المصرية اعرق الاصول الفنية والتقاليد الخاصة بالجندية الوطنية الشجاعة ,ويثور التساؤل -بمناسبة طرح الفريق اول عبد الفتاح السيسي فكرة التفويض الصادر من المواطنين المصريين للجيش -عن مدي مكانة الجيش المصري في نفوس المصريين تاريخيا ؟ ان الجيش المصري تمتع بقدر هائل من الهيبة والاحترام والاجلال لدي نفوس المصريين تاريخيا .نظرا لما خاضه من معارك جلل ضد اقوي الجيوش التي هاجمت مصر في ذلك الوقت لتميز موقعها وثرواتها الطبيعية ,كان اهمها معركة قادش في عهد الملك رمسيس الثاني ضد الجيوش الضخمة للحيثيين وانتصر فيها الجيش المصري ,وكذلك معركة مجيدو في عهد تحوتمس الثالث ,وقد عثر العلماء الفرنسيين علي اقدم نقش عسكري في التاريخ في عهد الملك مينا وهي لوحة نارمر ,كما يذكر العلماء ان الجيش المصري هاجم معاقل الهكسوس في الدلتا علي يد الملك كاموس الذي استشهد في المعركة فقام اخوه احمس بقيادة جيش مصر ونجح في طرد الهكسوس من مصر وهم قبائل معتدية تسللت عبر سيناء واستقرت في الدلتا ,كما حقق الجيش المصري انتصارات في الجنوب وفي اسيا في عهد امنحتب الاول ,كما قضي تحتمس الثاني بجيوشه علي قاطعي الطرق الذين كانوا يعتدون علي التجار المصريين في البرية. ولم يقتصر كفاح الجيش المصري عند حد مصر الفرعونية بل مد مظلة حمايته القومية علي مصر البطلمية حيث كان الجيش المصري في عهد بطليموس الثالث من اقوي جيوش العالم في ذلك الوقت ويتميز بالاسطول البحري الذي لم يكن له مثيلا واباد كل جيش اجنبي حاول التعدي علي الاراضي المصرية ,علي ان التحدي الحقيقي للجيش المصري كان متوهجا في العصور الوسطي ,ونظرا للتفوق العسكري المصري بدأت التحالفات العسكرية ضد مصر اخطرها الصليبيين والمغوليين ,حيث تشكلت قوات الصليبيين من جيوش كافة الدول الاوروبية في ذلك الوقت ,وكانت قوات المغوليين مكونة من المتحالفين مع عدة ملوك لمدن ومناطق وهم التتار الذين هزموا امبراطوريات عاتية مثل الصين و روسيا اي ان الجيش المصري في ذلك الوقت كان يواجه اكبر قوتين في العالم في ذلك الوقت تزيد الان عن قوة امريكا واوروبا ,وانتصر فيها الجيش المصري بفضل الاسطول المصري حيث وجد صلاح الدين الايوبي في الجندية المصرية القيم الحسية والروحية والجسدية والقتالية مما حقق النصر وهزم الصليبيين ولم ييأس الصليبيون من معاودة مهاجمة مصر حيث استعانوا بلويس التاسع ملك فرنسا واحتلوا دمياط واتجهوا الي القاهرة عن طريق المنصورة ولكن الجيش المصري اعطي لهم درسا في فنون الفكر العسكري حيث قام الجيش المصري بقيادة فارس الدين اقطاي الجمدار بتدمير الكثير من القوات الصليبية وحاصر القوات الباقية اليتي حاولت الهرب وتم اسر ملك فرنسا في ذلك الوقت ,ولم يستريح الجيش المصري الذي قاتل بضراوة المغول في عين جالوت ,انها دروس مستفادة من ذاكرة التاريخ ,انه تاريخ حافل بالمصداقية والعظمة والكفاح للجيش المصري علي مدي تاريخه العريق مما يؤهله لاحتلال مكانة متميزة في نفوس المصريين خاصة في احلك الظروف التي تمر بها البلاد واشد خطرا فيها علي فكرة الدولة القانونية , ومن هنا يبدو من الجوهري وضع دعوة الفريق اول عبد الفتاح السيسي للشعب المصري للنزول الي الميادين موضع المسؤلية التاريخية للجيش المصري ازاء القضاء علي مظاهرالعنف والارهاب الذي يمارسه البعض علي المواطنين السلميين وكان من نتيجته ضياع الكثير من ارواح الابرياء العزل ,وتلك الدعوة تؤكد نظرة الجيش الثاقبة نحو اعلاء شأن ارادة الشعب المصري بحسبانه مصدر السلطات ليمنح الجيش التفويض في هذا السلطة لمواجهة العنف وهو يؤكد احترام الجيش لمعاني سيادة القانون والمشروعية وفكرة الدولة .ان الامة التي لا تعيش في ظل جيش قوي يحمي حدودها وسلامة اراضيها ويحقق امنها وسلامة مواطنيها والحفاظ علي ارواحهم وممتلكاتهم هي امة ضائعة .ان قوة وعظمة الجيش المصري في نفوس المصريين يفسر لنا اسباب ذلك الاجلال ,ويبين لنا الوسيلة التي تمكن الدولة المصرية من ان تجعل من الحاضر مستقبلا افضل ,وذلك بفهم الطريقة التي اصبح بها الماضي حاضرا ,وينبغي علي جميع المصريين ان ينظروا الي هذا التاريخ العبقري للجيش المصري في الماضي علي انه ذات يوم مستقبلا كما لو كان يتحرك امام اعيننا لا كشئ ذهب وانقضي واذا قام الشعب المصري صاحب السلطات ومصدرها بمنح الجيش المصري التفويض اللازم في السلطة ليتمكن من مواجهة الارهاب والقضاء علي العنف ,اذا فعل الشعب هذا الامر فانه يتجه بابصاره الي الامام لتحيا مصر وطننا عظيما للمصريين القادرين علي صناعة وصياغة التاريخ قديما وحديثا ومع انتهاء الجيش لمهمته الوطنية تستطيع القوي المدنية والسياسية ان تنهض بدورها الجوهري في البناء الديمقراطي لمصر الجديدة.