لا يستطيع أحد علي الاطلاق ان يدعي توقعه المسبق لهذا الذي جري أول أمس، الاحد الماضي الثلاثين من يونيو،...، فما حدث وما جري فاق كل التوقعات، وتجاوز كل خيال، مهما كان هذا الخيال جامحا، أو متجاوزا لدوائر الواقع ومحلقا في الافاق الواسعة وغير المحدودة. ولكنه شعب مصر الذي اعتاد مفاجأة الجميع بهبته القوية وحضوره اليقظ، وحيويته المتدفقة، ووعيه الانساني العميق بأهمية اللحظة التاريخية الآنية، وتأثيرها البالغ علي مصير الوطن، واثرها المؤكد علي استمرار وجوده في دائرة الحضارة والتنوير، وسعيه للحرية والكرامة والعدالة في اطار دولة ديمقراطية حديثة، تقوم علي المساواة وسيادة القانون. ومهما قيل عن الجحافل والملايين التي هبت من كل مكان علي ارض مصر، وخرجت في كل الشوارع والميادين معلنة عن وجودها، مؤكدة لإرادتها، ممارسة لحقها الطبيعي والمشروع في تحديد هوية الدولة واتجاه مسيرتها، فسيبقي هذا القول ناقصا في تعبيره عما وقع، وعاجزا عن الإحاطة بحقيقة ما جري وما كان بطول وعرض محافظات مصر ومدنها وقراها جميعا ودون استثناء. وفي ظل ما حدث وما جري، اصبح واجبا علي كل القوي والفاعليات والاحزاب والجماعات، المتزاحمة والزاعقة علي الساحة السياسية، خاصة تلك التي صدعت رؤوسنا من كثرة تكرارها بأن لها تواجدا فاعلا ومؤثرا، بل وغالبا وكاسحا بين الجماهير، ان تعيد قراءة الواقع السياسي والاجتماعي قراءة صحيحة، لعلها تتواضع وتدرك خطأ مشاعر الاستقواء التي سيطرت عليها، وخطيئة الادعاء بغير الحق، ان الشعب اعطاها تفويضا علي بياض للتحدث باسمه، والاستحواذ علي مفاصل الدولة. ومن الآن وصاعدا، اصبح من الضروري، بل ومن الأمانة، ان تعيد هذه القوي قراءة الواقع جيدا، لعلها تدرك كم كانت بعيدة عن الواقع عندما تجاهلت الحقيقة الراسخة علي مر التاريخ والازمان، وهي ان الشعب هو مصدر السلطات جميعا، وان قبوله او رفضه هو بوابة المنح او المنع لأي شرعية، في حدود الدستور والقانون.