ما جري في زاوية أبو مسلم مركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة.. يدعو لفتح ملف الخطاب الديني الذي يتردد في الاف الزوايا.. والمساجد في القري النائية.. علي لسان بعض الدعاة الذين تشكلت جماهيريتهم وحب الناس لهم من جموح الافكار.. وفتاوي العلاج بالزيوت لفك السحر والحسد.. واخراج الجن.. وتساقط الشعر.. وعدم انتظام الدورة الشهرية! وهذه الزوايا الصغيرة المنتشرة في كل قري وربوع مصر.. ليست جديدة.. وكانت مقرا للعديد من الدعاة.. الذين انقطعت بهم الصلة بالحقول لفلاحة الارض.. والغالبية العظمي منهم لم يدرسوا الفقه.. ولم يفتحوا كتابا واحدا في التفسير.. ولكنهم كانوا يتقنون فنون مخاطبة الناس علي قدر عقولهم ويفسرون لهم ما غمض عليهم في شئون دينهم.. ودنياهم. وكان اهل القرية يقبلون يد الشيخ المعمم عند السلام ويتبركون به ويلتزمون بنصائحه ولا تخاطبه السيدات الا بعد ان تغطي الواحدة منهن فمها باطراف طرحتها.. وهو صامت يتأمل ولا ينطق بحرف. كان شيخ القرية يقوم بتحفيظ القرآن للاطفال.. ولا يتكلم في السياسة علي الاطلاق.. ويجلس فوق كرسي مرتفع عليه فروة خروف.. لاتقاء الرطوبة التي تنبعث من بين اخشاب المقعد المرتفع.. كالجالس علي عرش بلقيس. هكذا كان الحال لمئات السنين.. ولم تكن لوعاظ القري دراية وافية بالمذاهب المختلفة.. وبالتالي فقد كان حديثهم عن الاسلام.. هو حديث عن المذهب السني.. الذي لا يختلف عليه احد.. ولا يجادل فيما يسمع علي اساس ان ما يقوله الواعظ.. هو القول الحق الذي سيحاسب عليه يوم القيامة.
ودارت الايام.. وجاءت ثورة العلم والتكنولوجيا.. بكل ما هو عجيب وغريب.. ومعها القنوات الدينية التي تمولها جماعات من كبار رجال المال والاعمال.. وبدأ التسابق والتشاحن لاذكاء نار الخلافات بين كل مذهب ومذهب لاكتساب الجماهيرية والنجومية علي نمط فرق كرة القدم وسكب الزيت المغلي علي العلاقة بين الاهلي والزمالك. وبدأنا نري قنوات تتحدث بلسان المذهب الشيعي.. وقنوات تتحدث بلسان مذاهب.. لم يعرفها الاسلام في تاريخه كله.. ورأينا قناة تتحدث بلسان الازهر الشريف وهو لسان الاعتدال والحكمة.. وقنوات تتحدث بلسان السنة. وبدأ السباق علي النجومية.. وكل قناة اصبح لها نجم لامعمم يضع علي رأسه طاقية بيضاء.. وتتدلي علي صدره لحية.. تتحرك مع مخارج الالفاظ ومداخلها.. فتضفي علي المشهد صورة من الاخرة.. واللقاء واللسان بالزبير بن العوام احد المبشرين بالجنة في الفردوس الاعلي. لم تكن هذه القنوات في حقيقة امرها.. تعمل لوجه الله.. ودعوة الجماهير الغفيرة لاتقان العمل.. والنظافة.. وعدم اقلاق الموتي بمكبرات الصوت.. وانما كانت تعمل بفلسفة ونمط القنوات التي تقدم الرقص الشرقي للحصول علي الاعلانات واستثمار نسبة المشاهدات العالية في ترويج حبوب التقوية الجسدية.. ونشر ارقام التليفونات المحمولة لتبادل المعلومات حول موضوعات الساعة.. والفتوي بان تعدد الزوجات.. يطيل العمر! ودخلت القنوات الدينية بنجومها من ارباب العمامة الصغيرة والطواقي ذات الاسوار.. معارك الاثارة عن طريق شن الهجوم علي ألمع واكثر نساء الفن شهرة ونجومية. فكان الهجوم علي الفنانة ليلي علوي.. وبدأ البحث عن صور مثيرة ترفع نسبة المشاهدة لترويج زيوت التداوي والسمن البلدي الفاتر وتناول السمن والتمر لعلاج حالات الكسور وتناول الصلصة المنقوعة في الماء والمقروء عليها بايات من القرآن الكريم بصوت الداعية مقدم البرامج الساخنة.. لعلاج الصداع النصفي المصحوب بالرغبة في الانتحار!
وهكذا انتقلت ثقافة.. الجماهيرية.. من الفضائيات الدينية الي الزوايا والمساجد الصغيرة في ربوع مصر.. وبدأ السباق بين نجوم الزوايا.. في الادلاء بالآراء الفقهية التي انتقلت اليهم عن طريق القنوات الدينية.. ومعها الفتاوي.. ومعها للاسف الشديد معارك الصدام بين المذاهب لمصالح دنيوية! شيخ الزاوية الذي لم يكن يعرف الفرق بين الشيعة والسنة.. بات يتفنن في اثارة الثغرات.. ويتجسس علي المصلين الذين يترددون علي زاويته.. ويعرف من هو شيعي كي يبتزه.. ويحصل منه علي اموال الزكاة.. ويعرف من هو سني كي يتصيد له الاخطاء.. ويحذره من السماح لبناته بالسفور والاستماع لاغاني عزه بلبع!
وهكذا انتقلت جرائم استثمار الدين في تحقيق مكاسب دنيوية.. في القنوات الدينية الشاردة.. الي الزوايا الصغيرة في ربوع قري مصر.. وبدأت ثقافة التناحر تنتشر بين سكان القري الذين عاشوا في سلام لمئات والاف السنين.. واصبحنا نسمع.. هذا شيعي.. وهذا سني.. وهذا حنبلي.. وذاك مالكي.. وتحول الحب بين الناس في القري الذي كان من اهم ملامح القرية.. الي عداء بين المسلمين!
ولذلك فان ما جري في زاوية ابو مسلم مركز ابو النمرس. محافظة الجيزة منذ ايام.. وازهاق ارواح اربعة من المسلمين الشيعة واحراق منازلهم وتشريد اطفالهم واثارة الرعب والعداء بين ابناء الوطن الواحد.. هو جريمة بكل معني الكلمة.. وهي جريمة لا ينبغي معالجتها امنيا فحسب ولا بتوقيع العقوبة علي الشيخ المحرض علي سفك الدماء.. وانما القضية اكبر من ذلك.. وهي قضية كل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها بالطبع المدارس والجامعات.. علاوة علي ضرورة حصول الوعاظ في الزوايا والمساجد الصغيرة علي تصاريح من الادارات المحلية تسمح لهم باعتلاء المنابر ومخاطبة البسطاء.. والتأكد من انهم يحملون المؤهلات الدينية التي تسمح لهم بمخاطبة الناس في شئون الدين. نحن في حاجة الي ثورة ثقافية.. علي نحو الثورة الثقافية في الصين.. كي نحمي الاسلام من الحروب الاسلامية بين المذاهب.. ووقف الجرائم التي يرتكبها دعاة الاسلام.. والله وحده يعلم حقيقتهم!