حلمي أن أعيش 90 عاما وأدفن في قبر بجوار بيتي فأنا اخاف النوم في المقابر البعيدة ،أخشي بعد الموت أن ينهشني ذئب جائع ،أو ضبع صايع ،وأخاف الحياة مع الموتي ،أريد الموت إلي جانب الأحياء ،لكي أظل معهم ،أتفرج علي الأجيال الجديدة السعيدة التي ستملأ الحياة فنا ووردا ورقصا وموسيقي ، وأرجو ألا أموت قبل سن التسعين ،لكي أعيش علي هذه الأرض أطول فترة ممكنة ،ولكي أري أكبر عدد ممكن من البلاد ،وأتعرف إلي أكبر عدد ممكن من الناس ،وأقرأ أكبر عدد ممكن من الكتب ،ولكي أموت وليس لي في الحياة مطمع جديد! كانت هذه هي احلام الساخر الكبير محمود السعدني صاحب "أما بعد" ،الذي عاش ومات "علي باب الله" ،"موكوس في بلاد الفلوس " لم تهمه "أمريكا ياويكا" ،ولا "حمار من الشرق" ،كانت "مصر من تاني" هي همه الأول والأخير ،الذي مرت ذكراه هذا الأسبوع في هدوء تام ،يقول عنه العبقري كامل الشناوي ،هذا الولد الشقي في الحارة ،أصبح الولد الشقي في الصحافة فهو يملأ حجره بالطوب ،ويقذف أهل الفن ولاعبي الكرة ويجعل منهم مادة للهزء والسخرية والفرق بين محمود السعدني في الحارة ومحمود السعدني في الصحافة ،أنه وهو في الحارة لم يكن له هدف من إلقاء الطوب علي عباد الله إلا أن يضحك منهم ويجري ،أما السعدني في الصحافة فإنه يهدف إلي تقويم ما يراه معوجا ،بالمنطق ،والعنف،وبالأسلوب النابض الساخر الذي يتحدي من يهاجمهم ألا يشعروا باللذة وهم يقعون تحت ضربات قلمه القاسي وهو في الصحافة يلقي الطوب علي ضحاياه ولايجري ! يخطئ من يظن أن السعدني سليط اللسان فقط .. إنه سليط العقل والذكاء أيضا! وهذا سر جاذبيته كصحفي ، وكاتب ،وإنسان لقد مات السعدني وعمره 82 عاما ولم ير الجيل الجديد يملأ الدنيا رقصا ووردا وفنا وثورة وطموح في حياة أجمل ،فالجيل الجديد مازال يواصل مابدأه السعدني ورفاقه من كفاح ضد الظلم والفساد والظلام ،مات صاحب الكلمة البندقية التي تغيرفتزرع البهجة،وعاش أصحاب البنادق والسيوف التي تزرع الخراب والخوف.