الفرس أمة عظيمة حفظ لها التاريخ الإنساني والحضاري مكانة سامية جديرة بما وصلت إليه من مجد ورقي وشأن عظيم بين الأمم الغابرة فقد حفظت لنا النقوش والتماثيل والنصوص التي وجدت في متحفي بابل وآشور ومعبد آمون في مصر الذي ساهم الإيرانيون في بنائه أثناء احتلالهم لمصر ما يدل علي حضارة ذات تراث إنساني عريق خاصة بعد التقاء حضارتهم بالحضارة المصرية منذ القرن السادس قبل الميلاد، وذلك حين غزت جيوشهم مصر في عهد ملكهم قمبيز ( 529 - 525 ق . م ) ونقل الفرس عن المصريين صناعة الطب وصناعة التماثيل . ومن يذهب لزيارة متحف طهران يجد مدخله مزدانا بتمثال لمليكهم المشهور داريوش وقد ارتدي الزي الفرعوني حيث أشرف النحاتون المصريون علي نحته وإعداده، بينما نقل المصريون عنهم طريقة ري المناطق الصحراوية وذلك لزراعة أراضي الواحات المصرية، كما شاركوا في بناء المدرسة الطبية في " سايس "، كما تعاونوا مع المصريين لاعادة حفر قناة السويس في عهد دارا الأول لتكون شريانا حيويا يربط بين الشرق والغرب . هذه صورة لحضارتهم ومنزلتهم قبل الإسلام . أما عن مكانتهم بعد دخولهم في دين الله أفواجا فيكفيهم أن يوفيهم قدرهم الطيب ومنزلتهم الرفيعة حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة والذي قال فيه رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم: " لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس أو قال من أبناء فارس " وفي رواية ثانية »قال أبو هريرة: كنا عند النبي صلي الله عليه وسلم إذ نزلت سورة الجمعة فلما قرأ : " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ " (الجمعة - 3 ) قال رجل: من هؤلاء يارسول الله فلم يراجعه النبي حتي سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا فقال - وفينا سلمان الفارسي قال فوضع النبي صلي الله عليه وسلم يده علي سلمان ثم قال لو كان الايمان بالثريا لتناوله رجل من هؤلاء« ( سنن الترمذي 5/6/86/381) . هؤلاء الفرس - الذين تتعرض بلادهم الآن لهجوم مغرض وحملات ظالمة واتهامات باطلة خرج من بينهم أساطين علوم النحو العربي وواضعو أسسه وقواعده ومناهجه، نذكر منهم علي سبيل المثال إمام النحاة وحجة النحويين وأول من بَسَطَ علم النحو عمرو بن عثمان الملقب بسيبويه، وهي كلمة فارسية الأصل معناها " رائحة التفاح "، والإمام الزمخشري وهو أبو القاسم بن عمرو الخوارزمي الزمخشري والذي برع في علوم النحو والحديث والتفسير والفقه، ويليه في المرتبة الإمام الفراء النحوي صاحب " معالم التنزيل ": أما في علوم الكلام والفلسفة فقد برع منهم الإمام أبو حامد الغزالي ومؤلفاته تزيد علي الاثني عشر كتابا يأتي في مقدمتها كتابه " إحياء علوم الدين "، والإمام الشهرستاني مؤلف كتاب " الملل والنحل "، والإمام السهروردي صاحب كتاب " حكمة الإشراق "، ثم الإمام والحكيم والطبيب والفيلسوف ابن سينا صاحب كتاب: " القانون والشفاء " وعشرات الكتب . فإذا ما انتقل بنا المقام إلي علوم الحديث النبوي نجد أن الغالبية الغالبة من علماء الحديث وفقهائه ومحدثيه من الفرس، أولئك الذين عملوا واجتهدوا وأخلصوا النية والقصد في خدمة السنة النبوية المطهرة حفظا وتدوينا وضبطا وإتقاناً.. ويأتي في مقدمة هؤلاء العلماء الصفوة الكرام البررة إماما ومحدثا وراويا وفقيها ودرة أهل السنة في عصره الشيخ محمد بن اسماعيل بن إبراهيم البخاري والذي قال عنه ابن خزيمة : " مارأيت تحت السماء أعلم بحديث رسول الله من محمد بن اسماعيل البخاري ". وكان من تلاميذه النجباء من أهل فارس الأئمة الكرام مسلم والترمذي والنسائي وسلمان السجستاني وابن ماجة، وتعرف كتبهم بالصحاح الستة ويطلق علي مصنفي البخاري ومسلم " الصحيحين " وعلي الكتب الأربعة التالية " السنة ".. ومن أئمة الحديث من أهل فارس أيضا محمد بن إسحق بن خزيمة وأحمد بن الحسين البيهقي والإمام عبدالله الدارمي السمرقندي والإمام أبو حاتم الدارمي البستي المعروف بابن حبان، والعشرات غيرهم بل والمئات من أساتذة علوم الحديث والفقه، والشعراء العظام أمثال أبو القاسم الفردوسي مؤلف كتاب »الشاهنامة« الذي يضم ستين ألف بيت من الشعر الجميل. فإذا ما تحدثنا عن إيران في العصر الحاضر فإننا نحيلك قارئي العزيز إلي يوم الحادي عشر من ابريل2006 وهو اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد انضمام إيران إلي نادي الدول التي تمتلك التكنولوجيا النووية واحتلالها المركز الثامن في هذا المجال وتصميمها علي الوصول إلي المستوي الصناعي لتخصيب اليورانيوم . وما أعلنه علي أكبر رفسنجاني من أن إيران قد نجحت للمرة الاولي في تخصيب اليورانيوم من 164 جهاز طرد مركزي في منشأة نطنز النووية وسط إيران وأنها أنتجت 110 أطنان من غاز سادس فلوريد اليورانيوم وأن هذه الكمية كافية لإنتاج 12 قنبلة ذرية. وفي الرابع من فبراير 2008 اطلقت إيران صاروخا يهدف إلي اختبار قدرتها علي اطلاق أول قمر صناعي للأبحاث في مدار حول الأرض يحمل اسم (اميد - ومعناها أمل ) بهدف اجراء ابحاث علمية متقدمة لتضع بذلك قدما راسخة في مجال أبحاث الفضاء. هذه هي إيران الدولة المسلمة التي تمد يدها إلينا في حب واخلاص لنصير معا قوة إسلامية عظيمة ترهب عدو الله وعدونا..