منذ وصل إلى لندن قبل أربعين يوما تقريبا، لم يشاهده مشجعو ولاعبو فريق تشيلسي إلا والابتسامة الصافية تعلو وجهه. ولا يبدو أن الابتسامة فارقت محمد صلاح ،خلال أول مقابلة صحفية، بعد انضمامه إلى "البلوز"، لكنها كانت مصحوبة بمشاعر مختلطة تُذكِره بالناس في وطنه، وتُنبهه إلى أن جمهور ناديه الجديد ينتظر منه الكثير مقابل ال 15 مليون جنيه استرليني (حوالي 180 مليون جنيه مصري) التي دفعت فيه. وفي هذه المقابلة، التي ينشرها "الأهرام" بالتزامن مع مجلة " تشيلسي مجازين" التي يصدرها النادي العريق شهريا، بدا صلاح مرتاحا وهو يستعيد، وربما يشارك مشجعي النادي، ذكرياته في مصر عن مشواره الشاق مع كرة القدم. كمعظم محترفي وهواة الرياضة الأكثر شعبية في مصر والعالم، لعب صلاح، الذي وصفته المجلة بأنه الجناح الطائر الجديد لتشيلسي، كرة القدم بنفس الطريقة .. "تعلمت كرة القدم مع أصدقائي في شوارع طنطا". ولم يكن تحقيق حلم امتهان الكرة سهلا، يقول صلاح ، موضحا بعض الصعاب: " عندما كنت في الثالثة عشر، التحقت بنادي المقاولين العرب، حيث كان علىً أن أسافر لمسافة طويلة بالأتوبيس فقط كي أصل إلى مكان التدريب، ثم أقطع المسافة نفسها عائدا إلى منزلي". ورغم المشقة، تحمل الشاب اليافع لفترة طويلة. "على مدار ثلاث سنوات كنت أقطع هذه المسافة تقريبا كل يوم... لم يكن الأمر سهلا". كانت وجهته هي مدينة نصر، مقر نادي المقاولين العرب، وطوال هذه الرحلة، يقول صلاح إنه كان مفعما بالطاقة والحماس وينتظر في الأتوبيس، حاملا حذاء التدريب، بفارغ الصبر وقت الوصول إلى ملعب التدريب كي يطلق هذه الطاقة. "في النهاية .. كان الأمر يستحق هذه المعاناة"، يقول اللاعب المصري الذي وصفه بعض المعلقين الرياضيين البريطانيين بأنها الفرعون الصغير القادم من مصر إلى الدوري الانجليزي الممتاز. حاول صلاح ، ولكن لم يستطع، أن يتذكر لاعبا مميزا آخر جاء من بلده طنطا، التي لم تعتد أندية كرة القدم الكبرى أن تسعى إليها (أو إلى غيرها من ربوع مصر) بحثا عن اللاعبين اليافعين الموهوبين. يقول صلاح، البالغ من العمر 21 عاما، إن الشعب المصري" يعشق كرة القدم كثيرا". ويعتبر نفسه مثالا. كما يتذكر عشقه ومحبي الكرة المصريين للكرة الإنجليزية ، "عندما كنت صغيرا ، كنت أشاهد كل مباراة في دوري رابطة الأبطال ( تشامبين ليج) على التليفزيون وأرى الكثير من اللاعبين الجيدين". ولذا كان اللعب في انجلترا أحد طموحاته. " أتذكر مباراة لعب فيها تشيلسي أمام ليفربول في تشامبين ليج وتعادلهما 4-4 ولكن تشيلسي صعد.. لقد كانت مباراة رائعة بالفعل وبات حلمي هو أن ألعب في انجلترا". وبعد أن تحقق الحلم الآن، يواجه جناح تشيلسي الطائر تحديا من نوع آخر... أن يحقق أمل المصريين فيه وفي أي لاعب مصري تتاح له فرصة الاحتراف في عالم الكرة الانجليزي الواسع. " الشعب المصري يريد أن يرى لاعبين مصريين في البريمير ليج ( الدوري الممتاز) والآن سوف يروني ألعب في تشيلسي لهذا فإن هناك مزيدا من الضغط عليً". سِجل صلاح، كما رصدته "تشيلسي مجازين" يقول أنه لعب للمقاولين العرب 35 مباراة سجل فيها 11 هدفا، ولعب مع بازل السويسري 79 مباراة أحرز فيها 20 هدفا. أما عدد مباراياته مع الفريق الوطني المصري فبلغ 27 مباراة (بما فيها مباراة البوسنة الأخيرة) هز فيها الشباك 17 مرة. ومع تشيلسي، لم تأته الفرصة الكاملة بعد. فقد لعب منذ التحاقه بالفريق يوم 27 يناير الماضي، ثلاث مبارايات فقط. منهما اثنتان في البريمير ليج لعبا فيهما 15 دقيقة. ولعب شوطا كاملا في مباراة بكأس الاتحاد (إف آيه كب). ولم تذق قدمه طعم التهديف بعد. لدى كثير من المصريين العاشقين لكرة القدم هنا تساؤل يتمنون لو وجهوه إلى جوزيه مورينو ، المدير الفني البرتغالي لتشيلسي، بشأن "التردد" في إشراك صلاح في مزيد من المباريات. يقول بعضهم "لا ندرى كيف يفكر مورينو ، يبدو لنا أنه لم يكن يريد أن يشترى النادي اللاعب صلاح. هو لم يشركه في المبارايات حتى المبارايات الأقل أهمية ، فلماذا اشتراه إذن". ربما لم يلتق صلاح بهؤلاء المتسائلين. لكنه رد عليه، دون أن يسمع سؤالهم مباشرة ، وقال "أعلم أنه لن يكون سهلا أن ألعب كل مباراة مع تشيلسي لأن لدينا الكثير جدا من اللاعبين الجيدين جدا في موقعي". لكنه استدرك قائلا "آمل أن أثبت مدى جديتي ثم سنرى". ومنذ التحق اللاعب الطموح بالبلوز ، اتفق الجميع من الزملاء ومسؤولي النادي والمعلقين على وصفه بأنه "بسيط .. ومتواضع.. وينصت جيدا". ولهذا فإنه ليس متعجلا في أن يثبت لمورينو وللانجليز موهبته. يقول صلاح" خطوة الانتقال إلى تشيلسي شيء رائع بالنسبة لي ، الالتحاق بفريق كبير مثل هذا رائع لأي شخص وآمل أن أتمكن من اللعب هنا لفترة طويلة وأن يكون لي مستقبل جيد". عندما وقع صلاح في شهر مارس عام 2012 للعب مع بازل كان في التاسعة عشر من عمره. وكانت هذه التجربة مفيدة، كما يعتقد، في الانتقال السلس إلى تشيلسي، رغم اختلاف المدرستين. يقول صلاح" هناك اختلاف قليل نسبيا بين كرة القدم في سويسراوانجلترا". ورغم هذا الاختلاف فإنه " لو تعين عليك الانتقال مباشرة من مصر إلى البريمير ليج (الإنجليزي)، لكان هذا بالغ الصعوبة .. لم يكن ذلك ممكنا". ويضيف" يجب عليك أن تسير المشوار تدريجيا ، خطوة خطوة, في بازل لعبت في يوروبا ليج ( دوري أوروبا) و تشامبين ليج ( رابطة الأبطال) ، لذا اكتسبت خبرة اللعب على هذا المستوى". وعندما قرر أن يبدأ المشوار، لم يكن الوافد الجديد إلى الساحة الانجليزية ، على مايبدو، متأكد من قدرته على التكيف. فقد كشف عن أنه "ليس من السهل (رغم قلة الفروق) أن تحكم على الانتقال مع دوري وطني إلى آخر ، خاصة عند اللعب بأسلوب وإيقاع يختلفان من دولة إلى أخرى". بعد مرور أكثر من شهر على انضمامه إلى تشيلسي، بدا صلاح وكأنه استوعب مناخ وطريقة اللعب في البريمير ليج، الشهير عالميا. وكان الحماس واضحا في عينيه للعب المفتوح ، كما قال. " إنه أمر رائع لأنك تلعب مباريات مفتوحة في كثير من الأوقات ، وتستطيع أن تلعب كرة قدم مفتوحة". أما على مستوى تكتيك اللعب فإن " طريقة لعب تشيلسي التي تستند إلى وجود ثلاثة لاعبين مبدعين خلف مهاجم واحد، تشبه التكتيك الذي كنا نلعب به في بازل .. لذا فإن اللعب بطريقة 4-2-3-1 عادية بالنسبة لي .. فهي نفس التكيتك". ومع أن بمقدوره أن يلعب في أي من مواقع لاعبي الوسط الثلاث خلف المهاجم، فإن صلاح "يفضل أكثر اللعب في اليمين لأنه يمكنني من الانضمام إلى الداخل مستغلا قدمي اليسري". وهذا بالفعل ما كان أحد أسباب التفات مورينيو إليه. وبطريقة لعبه وهذه ومهارته في استغلال المساحة بحرية، سجل صلاح لبازل هدفا، ما ممكن الفريق من الفوز على تشيلسي على أرضه ( ستامفورد بريدج) في يوروبا ليج ( كأس أوروبا للأندية) في وقت سابق من الموسم الحالي. ويأمل صلاح في أن يستغل هذه المهارة من الآن فصاعدا لصالح تشيلسي عندما يتمكن من المشاركة بمعدل أكبر في المبارايات. في سويسرا، فاز صلاح، بالتصويت، بجائزة اللاعب الذهبي السويسرية لأدائه مع بازل الذي فاز بالبطولة. وسيكون من الصعب عليه أن ينسى ذكرياته هناك، رغم ارتياحه الواضح تجاه الحياة في لندن، أكثر المدن حركة في العالم. يقول صلاح" لندن مدينة لطيفة للغاية, الجميع قال لي إنها رائعة وإنني سوف أحب العيش فيها... كما أنه تساعدني على تحسين لغتي الإنجليزية".