** كانت جائزة الكرة الذهبية التى يمنحها الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) بالاشتراك مع مجلة فرانس فوتبول الفرنسية، لأفضل لاعب فى العالم عام 2013، هى الأكثر إثارة للجدل والقيل والقال وكانت أيضا الأكثر عرضة للهجوم والانتقاد، فاختيار البرتغالى كريستيانو رونالدو للفوز بها لم يعجب الكثيرين وخاصة الفرنسيين والألمان الذين كانوا يعلقون آمالا كبيرة على فوز نجمهم المحبوب فرانك ريبيرى لاعب بايرن ميونيخ ومنتخب الديوك الفرنسية، إذ كانوا يرونه الأفضل فى تلك السنة لأنه حقق من الإنجازات ما لم يحققه أى لاعب من الاثنين الآخرين المرشحين للجائزة وهما رونالدو وميسى. الفرنسيون والألمان ونجومهم الكبار القدامى أمثال بلاتينى وفرانز بيكنباور ورومينيجة، كانوا بعد إعلان النتيجة يخبطون كفا بكف لدهشتهم من هذا الاختيار الذى لم يحترم فى تقديرهم المعايير المحددة والشروط المطلوبة لنيل هذه الجائزة. أما عشاق الأرجنتينى ليونيل ميسى فلم يحتجوا كثيرا أو يتبرموا لأنهم مع تسليمهم بموهبة ميسى الكبيرة وأهدافه الرائعة لم يحزنوا لخسارته اللقب الذى احتفظ به لأربع سنوات متتالية نظرا لكثرة إصابات ميسى فى ذلك العام.. وحتى ميسى نفسه بدا هادئا راضيا فى حفل إعلان الفائز بالجائزة بل كان فى قمة الروح الرياضية عندما صرح للصحفيين بأن رونالدو يستحقها بالفعل بصرف النظر عن أى شىء آخر. ولكن الصدمة الكبرى كانت من نصيب الفرنسى فرانك ريبيرى الذى شعر بالغبن والظلم لأنه فعل كل شىء هذا العام مع فريقه بايرن ميونيخ وأيضا لم يقصر مع منتخب بلاده وأحرز كل الألقاب مع النادى البافارى.. فماذا كان بمقدوره أن يفعل أكثر من ذلك لكى يفوز باللقب؟!! وبصراحة شديدة، ريبيرى عنده حق فطالما لم يحصل عليها وهو فى هذا الوضع المتميز، فاعتقادى الشخصى أنه لن يكون سهلا بالنسبة له الحصول عليها فى أى سنة مقبلة، وأن الاختيار سيظل منحصرا فيما بين ميسى ورونالدو إلى أن تنشق الأرض عن موهبة جديدة قادرة على خطف الأضواء تماما من هذين النجمين الاستثنائيين. ولو نظرنا إلى الأمر من منظور آخر، فربما ارتاح الكثيرون، وهنا أقول إن الإنجازات الجماعية التى تحققت لكل منهم وأخص بالذكر هنا ريبيرى شارك فيها معهم زملاؤهم فى الفريق، ويبقى تأثير الموهبة الفردية والأهداف المؤثرة والمهارات غير العادية التى تخلب العقول، فهى الفيصل فى صنع الفارق على المستوى الشخصى.. وهنا لا يستطيع أحد أن ينكر دور كريستيانو رونالدو المباشر فى انتصارات منتخب بلاده إذ نجح بمهاراته الخاصة فى تسجيل أربعة أهداف فى مباراتى منتخب بلاده ضد منتخب السويد فى المرحلة الفاصلة للتأهل إلى مونديال البرازيل، فضلا عن تسجيله إجمالى أكبر عدد من الأهداف فى عام 2013 وهو 69 هدفا. وبالمناسبة هذا الكلام ليس تقليلا من مهارة وموهبة ريبيرى ولكنها الحقيقة، ويكفى أن نعترف بأن رونالدو حرم طوال أربع سنوات من هذه الجائزة بسبب التألق غير العادى واللافت للموهوب ميسى خلال هذه الفترة التى احتكرها ميسى لنفسه. وحتى تكون الأمور أكثر إنصافا للجميع، أقترح أن تخصص جائزتان: الأولى للأفضل والأكثر تأثيرا على مستوى الإنجازات الجماعية للنادى أو المنتخب.. والجائزة الثانية للأكثر إبداعا وموهبة والأكثر إمتاعا لجماهير الكرة فى العالم أجمع تلك الجماهير التى تعشق الأداء الجميل والمهارة العالية والأهداف غير التقليدية. وإذا ما حظى هذا الاقتراح بالقبول وهو بالمناسبة اقتراح يستهوى أيضا عددا كبيرا من خبراء كرة القدم العالمية للخروج من مأزق: هل الأفضل هو الأكثر إمتاعا للجماهير بصرف النظر عن إنجازات فريقه أو منتخب بلاده أم الأفضل هو صاحب الإنجازات الملموسة مع فريقه ومنتخب بلاده؟! وربما يؤدى اقتراح الجائزتين إلى وقف "الخناقة" التى تنشب كل عام بخصوص المرشح للفوز بالكرة الذهبية.. ولعلنا لا ننسى كم من نجوم كبار وعلى درجة عالية من الموهبة والمهارة قد ظلموا ظلما صارخا ولم يحصلوا على هذه الجائزة لمجرد أن أنديتهم ومنتخبات بلادهم لم تحقق إنجازات كبيرة. وظنى أن الجدل سيظل دائرا ولن يتوقف فيما يتعلق بترشيحات النجوم لهذه الجائزة السنوية طالما لم نفض الاشتباك بين الإنجاز الجماعى الكبير، والإنجاز الفردى الاستثنائى، وطالما أن لجان التحكيم من البشر وليست عقولا إلكترونية أو كمبيوتر جامدى المشاعر والأحاسيس، والبشر تحكمهم فى أحيان كثيرة أهواؤهم وميولهم وحساباتهم الخاصة. أعود مرة أخرى إلى كريستيانو رونالدو الفائز بالجائزة، والذى انهمرت دموعه ولم يتمالك نفسه وهو يتسلم الجائزة وكان إلى جواره ابنه الصغير، فأقول إن هذه الدموع كانت خير تعبير عن شوقه الشديد لهذه الجائزة التى كان يتصور أنه الأحق بها طوال سنوات مضت، ولكنه حرم منها بسبب "البرغوث الأرجنتينى الصغير" ليونيل ميسى. ويبقى أن أقول لعشاق النجمين الكبيرين رونالدو وميسى إن المقارنة بينهما فى كل الأحوال لن تكون عادلة، لأنهما مختلفان تماما ولكل منهما أسلوبه الخاص به والذى يعجب شريحة عريضة من الجماهير فى شتى أنحاء العالم، والقمة على أية حال تتسع لهما معا لأن كلا منهما له "نكهة خاصة"!