بعد تشييدها في عام 1960، شهدت برازيليا تحولا كبيرا في سنواتها الأولى، ولكنها كانت لا تزال تشكل المكان المثالي لصبي في مقتبل العمر كان يحلم بأن يُصبح لاعب كرة قدم في يوم من الأيام: ففي شوارعها الواسعة وفضاءاتها الفسيحة وقلة أحداث العنف في أزقتها، كانت أية بقعة أرضية غير مأهولة قابلة لأن تتحول إلى ملعب لكرة القدم حيث كانت المباريات تبدأ في وقت مبكر من النهار وتنتهي في ساعة متأخر من الليل، علماً أن أعين أولئك اللاعبين الشباب كانت موجهة إلى فرق تمثل أجزاء أخرى من البرازيل. كان مارسيو أموروزو واحداً من هؤلاء. كان والداه ضمن المهاجرين الذين استغلوا نقل مقر العاصمة لمحاولة عيش حياة جديدة، وشيئا فشيئا، أصبحت هذه العاصمة الحديثة مكانا فريدا في البلاد. وفي خضم كل ذلك، اكتشف أموروزو أن موهبته يمكن أن تصعد به إلى سماء النجومية. بعدما نضج واشتد عوده، انتقل الى كامبيناس واليابان، ثم تألق في إيطاليا وألمانيا - حيث كان هداف أودينيزي وبوروسيا دورتموند – ومن ثم حمل ألوان المنتخب الوطني البرازيلي ونادي ساو باولو، الذي ساهم في قيادته إلى الفوز بلقب كأس العالم للأندية FIFAفي عام 2005. وفي سن 38، تحول إلى لاعب في كرة الصالات – هذه اللعبة التي لطالما مارسها في مرحلة الطفولة. وعن ذكريات ذلك الوقت وعشقه للعاصمة البرازيلية، تحدث أموروزو لموقع FIFA.comفي هذا الحوار الذي يندرج ضمن سلسلة تقاريرنا الخاصة عن المدن المضيفة لكأس القارات وكأس العالم FIFA. FIFA.com: كنت صغيرا عندما غادرت برازيليا في محاولة لكسب حياتك في ملاعب كرة قدم. ما هي علاقتك بهذه المدينة اليوم؟ وما مدى التحول الذي طرأ عليها بين الثمانينات واليوم؟ أموروزو: على الرغم من أن والدَي وأشقائي يعيشون في ريو دي جانيرو، فإن بعضاً من أقاربي - الأعمام وأبناء العم - ناهيك عن أعز أصدقائي، يعيشون في برازيليا، ومن خلالهم بقيت على صلة بالمدينة، ولو أني لا أزورها كثيراً كما في السابق. ولكن يمكنك أن ترى أنها نمت كثيرا، وهي مدينة مختلفة تماما عن تلك التي غادرتها عندما جئت إلى كامبيناس في 1989-1990. ومن الأمثلة على ذلك بحيرة باراوا، التي كانت ملوثة لكنها أصبحت نظيفة الآن. عندما كنت أصغر سنا لم أكن أتوقع أن هذا سيحدث. وإذا لاحظنا جوانب أخرى، مثل الطعام، والجانب الثقافي، يمكننا أن نرى أن برازيليا نمت لتصبح مدينة مثيرة جدا للاهتمام على الساحة العالمية. كيف ترى المدينة من حيث العمارة والعمران، علماً أنك سافرت في مختلف أنحاء العالم، حيث سبق لك أن لعبت في اليابان وعدة دول أوروبية؟ إنها مدينة حديثة ذات طرق واسعة، ونمط عيش مختلف عن بقية مدن البرازيل. وبما أنها صممت لتكون عاصمة البلاد في الستينات، فقد أضفى ذلك الكثير من الأشياء الجيدة على المدينة، مثل مشروع أوسكار نيماير. إنها آخذة في النمو باعتبارها عاصمة البلاد ومقر الحكومة. لو طُلب مني المقارنة، أعتقد أني رأيت أشياء مماثلة في هولندا، في مدن مثل أمستردام، لاهاي وروتردام. من المؤكد أن المدينة تزخر بالعديد من عوامل الجذب للجماهير من مختلف الأقطار. بالعودة إلى الوراء، كانت خطواتك الأولى في كرة القدم بشوارع برازيليا. ما هي أبرز ذكريات طفولك التي ظلت عالقة في ذهنك؟ إنها كثيرة ولكن أهمها عندما جبت مختلف أنحاء برازيليا لممارسة كرة القدم وكرة الصالات في كل ملعب: فكلما كان هناك ملعب صغير إلا وكنت تجدني هناك. والدي يقول أن الكثير من الناس مازالوا يتذكرون ذلك. إنه يرجع إلى برازيليا من وقت لآخر، ودائما يوجد هناك من يروي له قصصاً عن تلك الفترة، عندما كنت ألعب في آسا سول أو تاجواتينيجا. ودائماً يسألني متفاجئاً: "كيف كنت تأتي إلى هنا للعب وعمرك لا يتجاوز 12 أو 13 سنة؟ (يضحك) لم يكن يعلم، ولكني كنت أترك المنزل وأعبر المدينة بأكملها فقط للعب الكرة. في كرة الصالات كانت لي ذكريات جميلة أيضاً. حينها بدأت اللعب في بطولات المدارس ثم مسابقات النوادي وبعدها في المنافسات بين المدن. كانت فترة طيبة في برازيليا، لأن المدينة كانت تنمو، لم تكن هناك أخطار وكان كثير من الناس يأتون من مدن أخرى. واليوم، عندما ألعب مع فريق بولو دو جاتو لكرة الصالات تتبادر إلى ذهني بعض ذكريات ذلك الوقت. ثم أعتقد أنه لو كانت القواعد المعمول بها في ذلك الوقت تشبه تلك المعتمدة اليوم لكنت قد سجلت أكثر من 1000 هدف في مسيرتي (يضحك). في رأيك، ما هي عوامل الجذب السياحي الرئيسية في برازيليا ؟ أعتقد أن المكان الرئيسي هو بحيرة بارانوا، لما توفره من متعة للأسر، ومن فرصة لخوض رحلات عبر القوارب، إضافة إلى ما تزخر به من أندية. برازيليا مدينة دافئة بحسب المعايير الأوروبية، وحتى لو كان كأس القارات بالقرب من فصل الشتاء، إذا كانت الحرارة تبلغ 25 درجة مئوية فستكون تلك فرصة كبيرة للاستمتاع بالبطولة وأجوائها. ولكن هناك أيضا الحياة الليلية حيث توجد مطاعم وملاهٍ رائعة في جيلبرتو سليمان. وخارج المدينة بمسافة قليلة، أعتقد أن يعلم الناس أن تلك المناطق تتخللها تضاريس جافة وغطاء نباتي شبه صحراوي. لكنه مع ذلك يظل مثيراً للاهتمام، لأنه يتميز بندرته. وهناك أماكن أخرى يمكن زيارتها مثل بوسو أزول، وبعض الشلالات الجميلة وأحواض السباحة الطبيعية. حتى أنا كنت أذهب كثيراً إلى هناك بالدراجة، حيث كان الأمر يستغرق ثلاث ساعات للوصول. كنت أسبح حتى ساعة متأخرة ثم أعود في الليل. كان الأمر يستحق كل هذا الجهد. من الناحية الثقافية، عاشت برازيليا فترة تألق على صعيد موسيقى الروك في الثمانينات. هل كنت معجباً بإحدى فرق الموسيقى آنذاك؟ نعم، تعجبني فرق مثل ليجياو أوربانا أو كابيتال إينيسيال، فقد كان لهما تاريخ غني وجعلتا اسم برازيليا يظهر بقوة على الساحة الفنية البرازيلية. أنا أحب موسيقى هاتين الفرقتين وأوصي بالاستماع لهما. ولكني كنت دائما من المعجبين بموسيقى الريجي. وفي واحدة من المرات الأخيرة التي عدت فيها إلى المدينة، ذهبت لحضور حفل ناتيروتس. ألكسندر هو ابن عمي وأنا أعرف أفراد الفرقة شخصياً منذ سن السادسة. كنا عائلة واحدة. لذلك آثرت دائما الاستماع لهم ولفرق أخرى مثل ألما دجيم. لكونها مدينة جديدة نسبيا، لم تزخر برازيليا بأندية كبيرة صنعت التاريخ في كرة القدم. باستحضار طفولتك هناك، هل كنت تشعر قليلا بهذا النقص في ثقافة كرة القدم في الحياة اليومية؟ بما أن برازيليا صُممت لتحل محل ريو دي جانيرو كعاصمة للبلاد، حل العديد من سكان ريو بهذه المدينة، بما في ذلك والدي. لذلك كانت هناك دائما علاقة قوية بين المدينتين، فحتى التلفزيون المحلي كان دائما ينقل مباريات بطولة كاريوكا. في الواقع، كان حلم كل طفل يحب أن يكون لاعب كرة قدم هو الاحتراف في أحد أندية ريو. كان هذا حلمي أنا أيضاً. للأسف برازيليا لم تكن توفر إمكانية الظهور أمام البرازيل والعالم، حيث كانت الفرص تنحصر في اللعب لأندية البطولات المحلية، ومن ثم الانتقال إلى أندية أكبر في ولايات أخرى. هذا ما حدث مع بعض الأسماء الشهيرة مثلي أنا ولوسيو، وآخرين.