لتفهم طبيعة الموقف الأمريكي من بيان قائد الجيش المصري يوم3 يوليو2013 و الذي أطاح بالرئيس المنتخب و الدستور, ينبغي ان نضع امامنا عناصر خطة أمريكية معدة مسبقا للتعامل مع احتمالات و قوع تغيير جوهري في مؤسسات الدولة المصرية او قيام انقلاب في مصر و تفضيلها في اطار ما اصبح معروفا في الفكر السياسي الامريكي لما يسمي بالإستقرار الإستبدادي وتتضح بعض معالم هذه الخطة في التقرير الذي أعده ستيفن كوك مستشار أوباما لشئون مصر عام2009 و يعرض فيه وجهة نظر غالبية المحللين السياسيين و يكشف عن خط استراتيجي أمريكي مقترح بسيناريوهات تعامل الإدارة الأمريكية مع الجيش المصري في حالة توليه السلطة حال حدوث اضطرابات. يذكر أن ستيفن كوك كان أحد الشخصيات الأمريكية التي التقي بها اللواء محمد العصار عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة والوفد العسكري المرافق له خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.. وهو اللقاء الذي يترك علامات استفهام وتعجب ضخمة, لأن السيناريوهات التي حددها التقرير وقتها تجري بحذافيرها هذه الأيام, مع اختلافات بسيطة. أهمية مصر لأمريكا و يتحدث التقرير عن ان مصر جعلت أمريكا تمارس نفوذها في المنطقة بأقل تكلفة وعن وضع مصر بالنسبة للولايات المتحدة, فهي الحليف الهام لواشنطن وهي التي ساعدت مع المملكة العربية السعودية والمغرب والأردن ودول الخليج الصغيرة علي خلق نظام اقليمي جعل ممارسة الولاياتالمتحدة لقوتها في المنطقة أمرا غير مكلف. ويقول التقرير إن حالة من عدم الاستقرار الحاد في مصر من شأنها أن تؤثر علي قدرة الولاياتالمتحدة علي العمل بشكل فعال في الشرق الأوسط, سواء كان ذلك إخطار مصر بعبور قطع البحرية الأمريكية قبل وقت قصير من وصولها لقناة السويس أو سعي البيت الابيض لدعم دبلوماسي من مصر لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو حاجة الاستخبارات الأمريكية للتعاون مع مصر في قضايا مكافحة الإرهاب, بشكل عام, منحت مصر تاريخيا الغطاء السياسي لواشنطن في إطار مساعيها لتحقيق أهدافها في المنطقة. و لم يساور الفكر الاستراتيجي الامريكي قلقا كبيرا من حدوث تغيير سياسي كبير بل تنبأ التقرير بانقلاب الجيش علي الرئيس إثر هذه الأحداث.و توقع الخبراء بأن تتحمل الدولة العميقة في نظام مبارك المخلوع تلك الأزمة عند وقوع انقلاب عسكري ويخرج منها بسلام لأسباب عديدة منها أن هذا النظام الذي يحكم مصر منذ أكثر من ستين عاما تجاوز الكثير من الأزمات ومنها الهزيمة في الحرب والركود الاقتصادي والاغتيال السياسي, كما أن أركان هذا النظام وهي المؤسسات الاقتصادية الكبري والمؤسستين الأمنية والعسكرية والمفكرين التابعين للحكومة والبيروقراطية الحكومية لم تظهر عليها أي أثار ضعف علاوة علي أن النشاط السياسي في مصر كان في الفترة التي سبقت الثورة مجرد نشاط للنخبة لا يشترك فيه غالبية المصريين للتعبير عن المعارضة السياسية, أما السبب الرئيسي فهو قلة الفرص والوضع الاقتصادي المتدهور الذي يثير حفيظة الكثير من المصريين ولكن لم يتحول ذلك إلي مطالب سياسية محددة.. الشق الهام من التقرير يتعلق بالسيناريوهات المحتملة لحالة عدم الاستقرار في مصر, الأول منها يتعلق بتدخل الجيش بسبب خلافه علي حكم البلاد لا ترضي عنه المؤسسة العسكرية, والثاني هو سعي إسلامي للوصول إلي السلطة السياسية.. وتحدثت الدراسة عن السيناريو الأول باستفاضة وربما المثير للغرابة أن هذا السيناريو هو ما حدث بالفعل مع بعض الاختلافات يقول التقرير ان الجيش المصري من الممكن أن يتدخل في عملية اختيار الرئيس وفقا لسيناريوهين, الأول: هو أن تؤدي الإجراءات الدستورية إلي تصعيد أي شخص إلي كرسي الرئاسة, ولكن قد يؤدي تولي رئيس ضعيف نسبيا لا يمكنه إدارة مكونات النظام المتنافسة فيما بينها أو مواجهة التحديات التي تواجه مصر قد تؤدي إلي انهيار العمود الفقري للدولة. وعندما يواجه هذا الرئيس الجديد احتجاجات حاشدة, قد تحكم قوات الأمن الداخلي سيطرتها علي البلاد للحد من حالة عدم الاستقرار. وقد يقوم وزير الداخلية بقبضته الغليظة بالتمادي في قمع الاحتجاجات الأمر الذي يزيد الطين بلة أو يثبت أنه غير قادر علي التعامل مع تحديات منسقة الأمر الذي يجبر الجيش علي التدخل, ربما المذهل في هذا السيناريو هو أن ذلك ما حدث بالفعل مع اختلافات بسيطة.. السيناريو الثاني يتعلق بقيام الجيش بانقلاب علي الرئيس نفسه لو تبين للمؤسسة العسكرية أن اختيار أي رئيس مدني آخر قد يهدد الصلة المؤسسية الهامة بين القوات المسلحة ومؤسسة الرئاسة. وقد يؤدي الرفض الساحق للخلافات الرئاسية إلي احتجاجات واسعة النطاق. وهذا التهديد بدوره يمنح الجيش مبررا إضافيا كي يظل منخرطا في الحقل السياسي. يرصد التقرير بعض المؤشرات التحذيرية علي احتمال حدوث ذلك منها عدد المتظاهرين في الشوارع و يري. التقريرأن المظاهرات في حد ذاتها لا تمثل إشارة إلي حالة من عدم الاستقرار السياسي خاصة أن الآلاف من المصريين خرجوا للشارع من قبل دون أن يتسبب ذلك في انهيار نظام الحكم, غير ان احتجاجات واسعة النطاق كرد فعل علي انتقال السلطة قد يعرض نظام الحكم للخطر. خطورة تطور الأحداث في مصر علي المصالح الأمريكية يعرض التقرير خطورة حدوث ذلك علي المصالح الأمريكية ومنها الضغط السياسي الذي قد تمارسه جماعات حقوق الانسان ونشطاء الديمقراطية وأعضاء الكونجرس لمعاقبة الجيش المصري والتي سيصعب علي الإدارة الامريكية مقاومتها, وستواجه القاهرة تلك الإجراءات العقابية بإجراءات انتقامية تعقد من جهود الولاياتالمتحدة لتحريك قواتها في منطقة الشرق الأوسط وحولها وأخري تتعلق بمحاولات التوصل لسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وثالثة تتعلق باستمرار علاقات التعاون الاستخباري بين البلدين. أما الأمر الثاني فهو أن حكام مصر العسكريين الجدد سيكون تركيزهم منصبا في تلك الفترة علي تدعيم سلطاتهم وسيكونون أقل اهتماما بمساعدة الولاياتالمتحدة, ونتيجة لذلك لن يكون بمقدور الولاياتالمتحدة الاعتماد علي القاهرة لأخذ مبادرات تتمتع بحالة رفض عميقة بين المصريين, ومن أبرز تلك القضايا أنواع مختلفة من التعاون الأمني مع كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ويخلص التقرير إلي أنه في نهاية الأمر, لن يمثل التدخل العسكري ضربة كارثية للمصالح الأمريكية في المنطقة, فرغم أن تدخل الجيش سيتسبب في مصاعب للولايات المتحدة علي المدي القصير, غير أن للولايات المتحدة خبرة في مجال سيطرة الجيش علي السلطة في المنطقة وبالتالي فمن المحتمل أن تكيف أوضاعها بسهولة للعمل مع القيادة الجديدة. يعرض التقرير الخيارات المتاحة للولايات المتحدة للتعامل مع أزمة تنشب في مصر بشأن خلافة الرئيس ويري أن تلك الخيارات تعتمد علي الأهداف الأمريكية العريضة, فلو اعتقد المسئولون الأمريكيون أن سياسةالاستقرار الاستبدادي هي أفضل الوسائل لتحقيق المصالح الأمريكية في مصر والشرق الأوسط, فإن طريق واشنطن لمنع حدوث أزمة في خلافة الحكم يتمثل في إدامة هذا النظام السياسي, ففي الوقت الذي تدعم فيه واشنطن بشكل علني نقل شرعي للسلطة, تدعم بشكل خاص انتقال للسلطة تضمن أفضل فرص الاستمرار من عهد حسني مبارك إلي من يخلفه في الحكم, وللوصول إلي تلك الغاية يتعين علي الولاياتالمتحدة الاستمرار في برنامج مساعداتها لمصر خاصة المساعدات العسكرية التي تقدر بنحو1.3 مليار دولار سنويا والتي تهدف إلي تحديث الجيش المصري وتقديم مساعدات اقتصادية وتدريبية إضافية من شأنها مساعدة الحكومة علي تدعيم قدراتها علي مقاومة وإحباط التحديات الداخلية, علاوة علي البدء في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع مصر والتي لن تسهم في تحسين أحوال مصر الاقتصادية فحسب بل أيضا ستعطي إشارة إلي دعم واشنطن للنظام السياسي الحالي في مصر, وإضافة إلي ذلك يقول التقرير إنه يتعين علي الحكومة الأمريكية أيضا أن تخبر قادة الجيش وقوات الأمن الداخلي بشكل خاص بأنها تدعم نسخة من الوضع الراهن في مصر. قد تجد الولاياتالمتحدة نفسها مضطرة لاتباع استراتيجية مختلفة لو اعتقد المسئولون الأمريكيون أنه لا يمكن الحفاظ علي الوضع الراهن في مصر وأنهم يرغبون في تشجيع تغيير ديمقراطي في مصر. تبدأ تلك الاستراتيجية المختلفة بأن توضح الولاياتالمتحدة سرا وعلانية للقيادة المصرية أن الولاياتالمتحدة تعتقد أنه من الأساسي أن تعتبر عملية نقل السلطة سواء في داخل مصر أو خارجها عملية شرعية بمعني أن تتاح للمصريين الفرصة لاختيار زعيمهم القادم في بيئة لا تتحدد فيها النتيجة بشكل مسبق. ويتعين علي المسئولين الأمريكيين أيضا توضيح أن استمرار أجزاء من المساعدات لمصر يرتبط بشفافية ونزاهة عملية انتقال السلطة. ومن الوسائل الإضافية لدعم الانتقال الشرعي للسلطة توسيع مشاركة مصر في البرنامج الدولي التدريبي للتعليم العسكري, وهو البرنامج الذي خصصت الولاياتالمتحدة من خلاله خلال الفترة الماضية1.3 مليون دولار أمريكي لتقديم تنمية فنية للقوات المسلحة المصرية وبناء تفاهم متبادل بين الولاياتالمتحدة ومصر, ومساعدة مصر علي تدريب الكفاءات الضرورية لمهام حفظ السلام في مختلف أنحاء العالم. ويخلص التقرير إلي أنه علي الولاياتالمتحدة أن تعلن للمصريين أن عليهم التأكيد علي حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي. ويقدم التقرير بعض الخيارات لصانع القرار الأمريكي كي يتمكن من إدارة تلك الأزمة, ينوه كاتب التقرير في البداية إلي أن تدخل الجيش سيعكس حسابات الضباط بأن مصالحهم الحيوية ستكون في خطر, وفي تلك الحالة لن تفلح المغريات أو العقوبات التي تطرحها واشنطن في إقناع الجيش بالعودة إلي ثكناته بما في ذلك تهديد الولاياتالمتحدة بقطع المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية. ولكن يتعين علي واشنطن في تلك الحالة أن تقلل من الأضرار التي يتسبب فيها الفعل العسكري. ولتلك الغاية, يتعين علي كبار القادة العسكريين الأمريكيين استغلال علاقاتهم مع نظرائهم في القاهرة للتوصل إلي فهم أفضل لنوايا المصريين, وتقديم النصح بشأن تقليل سفك الدماء وتقديم توصيات بحلول سياسية لحل مشكلة الخلافة في الحكم مثار الخلاف وتقيد اقتراحات بشأن وقت وكيفية ابتعاد الضباط عن مسرح السياسة, وعلي الضباط الأمريكيين أيضا أن يشرحوا للضباط المصريين أنه ستكون هناك ضغوط علي الرئيس الأمريكي لإدانة التدخل العسكري, وأن الانتقادات العامة في الولايات لمتحدة ومناطق أخري من العالم ستكون حادة. لعل موقف اوباما من استبعاد صفة الانقلاب علي احداث3يوليو الماضي أصبحت اقرب الي الفهم و الاستيعاب, و لكن المشكلة التي قد لا يتوقعها البعض ان البناء المؤسسي و الدستوري الذي ينشؤه بيان3 مايو يبدو ضعيفا و مهلهلا ومهددا بالانفراط ما لم تدخل عليه تعديلات جوهرية تستوعب السخط الشعبي و تكتسب ثقة غالبية الأطراف.