أتعجب كثيرا من طيبة قلب الشعب الأمريكي, وتكاد دموعي تسيل علي وجنتي من فرط تأثري بإنسانيتهم العظيمة وحساسيتهم البالغة التي قل وجودها في عالمنا المعاصر. الشعب الذي أسس بنيان إمبراطوريته الكونية علي أشلاء وجثث السكان الأصليين لأمريكا الشمالية فقتل وسحل وأباد60 مليون هندي أحمرفي مجازر لن تمحوها السنون, ولن يسقطها التاريخ من صفحاته, والذي ذهبت جيوشه حول العالم تقتل وتنهب وتمثل بجثث الفيتناميين والصوماليين والفلسطينيين والليبيين والسودانيين والعراقيين والأفغان والألمان واليابانيين في حروب طاحنة, والذي تخصص في الإبادة بكل الطرق ابتداء من حقن الهنود الحمر بالكوليرا والجدري وغيرها من الأوبئة لتوفير طلقات الرصاص, مرورا بتفننه في قتل آلاف الباكستانيين بالطائرات من دون طيار, ومسحه مدينتي هيروشيما وناجازاكي من علي خريطة العالم بالقنبلة الذرية. الشعب صاحب أكبر سجل في الإجرام والاعتداءات غير المشروعة. هو نفسه الشعب الذي يبكي وينتحب ويهرع لإنقاذ قطة عالقة فوق سور شرفة, ويسعي لتدليل جنوده بشيكولاتة مقاومة للحرارة في حرب الخليج, ولايتردد في حرمان أسرة من أطفالها إذا أساءت معاملتهم. وهو نفس الشعب الذي نشر صورة حيوان باندا أصهب في حجم القطة علي تويترمع مناشدة تسليمه من جانب من يعثرعليه بعد اختفاءه من حديقة حيوانات واشنطن! راستي هو اسم ذكر الباندا الأصهب الذي يبلغ من العمر سنة تقريبا والذي أعيد إلي حظيرته بعد أيام من اختفاءه وبعد جهد جهيد من البحث المضني, بعد العثور عليه أخيرا جالسا علي شجرة في العاصمة الأمريكية! الحديقة نشرت بيانا علي تويتر جاء فيه: شكرا لكل الذين ساعدونا في البحث عن الباندا وإيجاده. قبل ساعات من العثور علي الحيوان المحظوظ كانت الحديقة أعلنت عبر تويتر إن راستي ربما يكون مريضا أو انه يختبئ هذا إن لم يكن أحدهم قد أخذه. موضحة أن حيوانات الباندا تمضي يومها وهي تستريح عندما ترتفع حرارة الجو. هكذا شغل الأمريكيون العالم بحيوان في حجم القطة, موطنه الأصلي جبال الهيمالايا, ولم يهدأوا إلا بعد العثور عليه مسترخيا فوق شجرة, فيما يحتجزون مئات المعتقلين المسلمين في سجن جوانتانامو سئ السمعة في ظروف لا تقوي علي احتمالها الحيوانات. هل يحتاج الأمريكيون علاجا عاجلا من مرض الشيزوفرينيا؟