ما يحدث في مصر الآن ليس صراعا سياسيا, وإنما هو صراع علي الهوية, صراع علي المستقبل بكل تفاصيله. لقد جربنا علي مدي عقود أنظمة حكم متنوعة, بعضها أمعن في محو الهوية, وبعضها لم يكترث بها, وجرب من الإيديولوجيات والسياسات ما أخذ بنا إلي الهاوية. فريق ممن يعارضون الحكم الآن لايحترمون هوية هذا الشعب ويعبرون دون لبس عن كراهيتهم للإسلام, وليس للإخوان فقط كفصيل حاكم أو القوي والأحزاب الإسلامية الأخري, وهذا ما يؤجج صراع الهوية أو الصدام علي الهوية. في هذا السياق أتت مظاهرة لا للعنف التي نظمتها القوي الإسلامية الجمعة, وتأتي مظاهرة30 يونيو للقوي المعارضة وأغلبها لايؤمن بالهوية الإسلامية لهذا المجتمع, ويتمني محوها ويعلن عن ذلك صراحة دون مواربة, لذلك سوف تطول المناكفات والمظاهرات وسوف يشتد الصراع إلي أن يتم تثبيت هذه الهوية. البعض يستبعد أن يكون من طبيعة هذا الصراع أنه يمثل حالة من الخلاف الحاد بين الإسلاميين والعلمانيين وأنه مجرد صراع بين رؤي سياسية تتعلق بآليات انتقال البلاد إلي نظام مؤسسي ديمقراطي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير, ولكن مجريات الأحداث ومواقف النخب السياسية أكدت بما لايدع مجالا للشك أن من كانوا ينادون بالديمقراطية يكفرون بها الآن وأن الليبراليين والعلمانيين دعاة الدولة المدنية هم من يصادرون اختيار الشعب الآن ويهتفون بإسقاط رئيس الدولة, ليس لأنه- كما يرددون- فشل في إدارة شئون الدولة ولكن لأنه ينتمي للقوي الإسلامية, وكثير منهم تجاوز في حق ثوابت الإسلام وسب النبي محمد صلي الله عليه وسلم, بما يؤكد لنا أن القضية ليست ديمقراطية ومدنية وإنما هدم هوية دولة وتعزيز الطائفية والانقسام. لم يدرك المؤججون للفتنة الآن أن الظروف تغيرت وأن نشأة الحركات والجمعيات الإسلامية في بدايات القرن العشرين, كالجمعية الشرعية والإخوان المسلمون, بالتوازي مع الموجة التغريبية الصاعدة آنذاك, كانت رد فعل لمحاولات التهام الهوية الإسلامية للمجتمع. صحيح أن حركات التغريب و العلمنة كسبت الجولة علي مدار مائة عام تقريبا, في ظل تحكم جيل من المتغربين في وسائل الإعلام والثقافة وبعض المؤسسات التعليمية, إلا أن الجمعيات والجماعات الإسلامية تمكنت, بفضل الله, من إبراز الهوية الإسلامية واستعادة المد الديني عبر مجهود طويل شاق وتضحيات عظيمة ونفس طويل, وكان أن حدثت الصحوة الإسلامية وامتلأت المساجد بالمصلين من الشباب بعد أن كانت مقصورة علي كبار السن. وبعد ثورة يناير المباركة كشف المجتمع المصري عن هويته الحقيقية وأعطي للإسلاميين الثقة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاءات, وكأنها رسالة واضحة للجميع: نحن مجتمع مسلم ونثق في أن من يحكمنا من الإسلاميين لن يضيع حقوقنا أو يظلمنا كما حدث علي مدار عقود سابقة...الشعب اختار الهوية الإسلامية وأعلي من أسهم الرموز والشخصيات الإسلامية, ومصادمة هذه الحقيقة بأي صورة من الصور ستبوء بالفشل. المتغيرات علي الأرض وسنن الله في خلقه ودروس التاريخ, كلها تقول إن الجولة الحالية سيكسبها الإسلاميون لعدة أسباب: - أن الرموز الكارهة للإسلام التي تطنطن في الإعلام ليل نهار ليس لها قبول لدي الناس, كما أنهاليست لها شعبية حقيقية وإن استغلت الدعاية السوداء في تضليل الناس. - أن الحكم العلماني التغريبي أخذ فرصته علي مدار أكثر من مائتي عام ولم يستطع نزع الروح الإسلامية من أنفس المصريين, كما لم يحقق إنجازا يرفع مصر إلي مصاف الدول المتقدمة. - انتهاء حالة التغييب الإعلامي التي كانت موجودة في عهود سابقة وإتاحة كل المعلومات علي مدار اللحظة, فقد كان الإعلام الشمولي يحكم سيطرته علي العقول من خلال احتكار مصادر المعلومات وتوجيه الرأي العام في الوجهة التي يريدها الحاكم, أما الآن فلن يفلح العلمانيون والفاسدون أصحاب الفضائيات الخاصة في تغييب وعي الناس تماما. - كل المظاهرات المؤيدة للحكم الإسلامي الشرعي المنتخب خرجت بمنتهي التحضر والسلمية وانتهت برسائل في منتهي القوة أبرزها أن حضور الإسلاميين هو الأقوي في الشارع وأن الهوية الإسلامية لهذا المجتمع هي الأظهر, أما مظاهرات القوي التخريبية وجماعات المصالح فكان نفسها قصيرا وكان تعبيرها عنيفا ولفظها المجتمع. نحن حقيقة أمام لحظات تاريخية فاصلة, وتقديري أننا علي أعتاب تثبيت الهوية الإسلامية لهذا المجتمع, وهذا سيحتاج إلي بعض الوقت وإلي كثير من الجهود والتضحيات. [email protected]