مليونية حماية الثورة، التى نظمها 30 حزبا وحركة ثورية وشبابية إسلامية أمام مسجد رابعة العدوية بالقاهرة، عصر أمس الجمعة، تحت شعار "لا للعنف ونعم للسلمية"، كانت رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه أن يعبث بمستقبل هذا الوطن أو يراهن على هويته.. استهدفت المليونية -كما قال المهندس أيمن عبد الغنى "أمين شباب حزب الحرية والعدالة" فى تدوينة له على تويتر- "الدعوة إلى التعبير السلمى عن الرأى، ونبذ العنف، ورفع الغطاء السياسى عمن يريدون جر البلاد إلى دوامة العنف والفوضى بعدم المشاركة فى أى أحداث عنف لتفويت الفرصة على من يستبيحون دماء المصريين ويدمرون مقدرات الوطن، ولإعطاء فرصة للأجهزة الأمنية للتعامل مع البلطجية والمجرمين دون أن يكون بينهم ثوار متظاهرون سلميون". الصراع على الهوية بلغ مداه خلال الأيام الماضية، وظهر بوضوح أن المعركة لم تكن معركة سياسية، بل هى معركة هوية ومصير، وقد عبر المعارضون للإخوان وللرئيس الدكتور محمد مرسى بوضوح عن أن معركتهم ليست مع هذا الفصيل الإسلامى ولكنها مع الإسلام، الدين والهوية والحضارة، وتخيل هؤلاء أن المصريين ما زالوا مغيبين ومنفصلين عن الواقع، وأنه يمكن أن تتحكم قوى علمانية تغريبية فى مقدرات هذا الشعب، كما حدث على مدار قرن كامل. لم يدركوا أن الظروف تغيرت وأن نشأة الحركات والجمعيات الإسلامية فى بدايات القرن العشرين، كالجمعية الشرعية والإخوان المسلمين، بالتوازى مع الموجة التغريبية الصاعدة آنذاك، كانت رد فعل لمحاولات التهام الهوية الإسلامية للمجتمع. صحيح أن حركات التغريب و"العلمنة" كسبت الجولة على مدار مائة عام تقريبا، فى ظل تحكم جيل من المتغربين فى وسائل الإعلام والثقافة وبعض المؤسسات التعليمية، إلا أن الجمعيات والجماعات الإسلامية تمكنت -بفضل الله- من إبراز الهوية الإسلامية واستعادة المد الدينى عبر مجهود طويل شاق وتضحيات عظيمة ونفس طويل، وكان أن حدثت الصحوة الإسلامية وامتلأت المساجد بالمصلين من الشباب بعد أن كانت قاصرة على كبار السن. وبعد ثورة يناير المباركة، كشف المجتمع المصرى عن هويته الحقيقية وأعطى للإسلاميين الثقة فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاءات، وكأنها رسالة واضحة للجميع: "نحن مجتمع مسلم ونثق أن من يحكمنا من الإسلاميين لن يضيع حقوقنا أو يظلمنا كما حدث على مدار عقود سابقة".. الشعب اختار الهوية الإسلامية وأعلى من أسهم الرموز والشخصيات الإسلامية، ومصادمة هذه الحقيقة بأى صورة من الصور ستبوء بالفشل. المتغيرات على الأرض وسنن الله فى خلقه ودروس التاريخ، كلها تقول إن الجولة الحالية سيكسبها الإسلاميون لأسباب عدة: - أن الرموز الكارهة للإسلام التى "تطنطن" فى الإعلام ليل نهار ليس لها قبول لدى الناس، كما أنه ليس لها شعبية تذكر. - أن الحكم العلمانى التغريبى أخذ فرصته على مدار أكثر من مائتى عام ولم يستطع نزع الروح الإسلامية من أنفس المصريين، كما لم يحقق إنجازا يرفع مصر إلى مصاف الدول المتقدمة. - انتهاء حالة التغييب الإعلامى التى كانت موجودة فى عهود سابقة وإتاحة كل المعلومات على مدار اللحظة، فقد كان الإعلام الشمولى يحكم سيطرته على العقول من خلال احتكار مصادر المعلومات وتوجيه الرأى العام فى الوجهة التى يريدها الحاكم، أما الآن فلن يفلح العلمانيون والفاسدون أصحاب الفضائيات الخاصة فى تغييب وعى الناس تماما، وتأثيراتهم الدعائية التى تعتمد على الكذب والتضليل ستزول آثارها سريعا. - كل المظاهرات المؤيدة للحكم الإسلامى الشرعى المنتخب خرجت بمنتهى التحضر والسلمية وانتهت برسائل فى منتهى القوة، أبرزها أن حضور الإسلاميين هو الأقوى فى الشارع، وأن الهوية الإسلامية لهذا المجتمع هى الأظهر. أما مظاهرات القوى التخريبية وجماعات المصالح فكان نفسها قصيرا، وكان تعبيرها عنيفا، ولفظها المجتمع، وبدا منها ضعف هؤلاء وقلة حيلتهم وغياب شعبيتهم. نحن حقيقة أمام لحظات تاريخية فاصلة، وتقديرى أننا على أعتاب تثبيت الهوية الإسلامية لهذا المجتمع، وهذا سيحتاج إلى بعض الوقت وإلى كثير من الجهود والتضحيات.