كما قلنا في الاسبوع الماضي أن الاقتصاد المصري يشهد حالة من النزيف المستمر لبعض المواد الخام مثل الرمال البيضاء والرخام والنباتات الطبية والعطرية من خلال تصديرها بأسعار بخسة لا تضاهي قيمتها الحقيقية. وأن تخسر في معركة- يتفق خبراء الاقتصاد- علي انها قاطنة في التعامل مع مواردنا بسوء التصدير وعشوائية الاستيراد بين المادة الخام والمنتج المصنع سنويا حوالي30 مليار جنيه وهذا لا يتوقف عند البنود الاربعة السابقة وإنما يطال العديد من الخامات الاخري كالأقطان والبلاستيك والرمال السوداء والطفلة الكربونية. ويكاد يجمع الخبراء علي أن حسن إدارة تلك الموارد يسهم بشكل فعال في تنامي الاقتصاد القومي, فضلا عن توفير العديد من فرص العمل من أجل القضاء علي أزمة البطالة خاصة ان أغلب هذه الصناعات كثيفة العمالة, الي جانب العمل علي جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية والتي تصب بشكل أو بآخر في مصلحة الاقتصاد بما يعادل مليارات الدولارات, من خلال تحقيق التوازن بين التصنيع وإهدار المواد الخام بتقنين تصدير المواد الاولية والعمل علي إدخالها بالصناعات القائمة. 1- الطفلة الكربونية.. كنز مصر المفقود نادرا ما تتردد علي مسامعنا كلمة الطفلة الكربونية, والعديد من المواطنين يجهل استخداماتها أو الصناعات التي يمكن أن تقوم عليها, علي الرغم من أنها تعتبر أحد الكنوز المصرية الكامنة في الاراضي المصرية, ولذلك أوضح مجموعة من الخبراء أنها عبارة عن رواسب طبيعية تحتوي علي مجموعة من المواد الكربونية الفحمية, وتتواجد بكثرة في منطقة الطيبة بشرق أبو زنيمة, بالاضافة الي إمكانية استخدامها كوقود داخل محطات توليد الكهرباء, أو كعنصر أساسي في تصنيع الأسمنت, وتبلغ نسبة الاحتياطي منها نحو75 مليون طن في الكيلومتر المربع. أوضح الدكتور ناجي علي عبد الخالق, نائب رئيس مركز البحوث وتطوير الفلزات, ان خام الطفلة الكربونية بنوعيه الطفلة السوداء والزيتية يتواجد بكميات كبيرة في مصر مثل منطقتي سيناء والصحراء الشرقية, مشيرا الي ان المادة الزيتية التي يتم استخلاصها من الطفلة الزيتية يستخدم كوقود بمحطات توليد الكهرباء, فضلا عن استخدامها في صناعة الاسمنت لتقليل كميات الطاقة التي تستهلكها هذه الصناعة. وأكد أهمية وقف تصدير خام الطفلة بنوعيه حيث اننا في أشد الحاجة إليه كأحد مصادر الطاقة في ظل تفاقم أزمة الكهرباء والسولار والبنزين في مصر, لافتا الي ان التكنولوجيات اللازمة لاستخلاص الزيوت متوفرة علي مستوي دول العالم ولكن القائمين علي الصناعة في مصر لم يتطرقوا الي استغلالها. من جانبه قال عز الدين أبوعوض, رئيس الجمعية المركزية لوكلاء وتجار الأسمنت, ان السياسة المتبعة حاليا في الصناعة بشكل عام وصناعة الاسمنت علي وجه الخصوص هي تصدير الخامات الاولية التي تدخل بشكل رئيسي في الصناعة مثل الطفلة الكربونية لضمان تحقيق الأرباح السريعة للمصدرين دون النظر الي عواقب التصدير والتي ينتج عنها إغلاق العديد من المصانع وتشريد آلاف العمالة, فضلا عن تأثيرها السلبي علي الاقتصاد القومي. وأشار عبد الرازق الدسوقي, رئيس شعبة مواد البناء بالاسكندرية وعضو مجلس إدارة شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية, الي ان مصانع الاسمنت في مصر تنتج حوالي860 ألف طن أسمنت سنويا والذي يكفي لتغطية احتياجات السوق المحلي بأكمله, وبالتالي فلا يوجد أي ضرر من تصدير الطفلة الكربونية أو المكون الثاني لمركبات الاسمنت بعد الحجر الجيري, موضحا إمكانية زيادة معدلات الانتاج الحالي من الاسمنت بما يساوي30 مليون طن تقريبا. وأضاف ان خام الطفلة الكربونية يصدر بتكلفة تتراوح ما بين80 الي85 دولار للطن, وفي حالة زيادة الاقبال علي استيراده من مصر يمكن له أن يدر عائدا ماديا يفوق كثيرا قيمته الحالية. 2- الذهب الأبيض مهدد بالانهيار القطن المصري كان ولايزال ثروة قومية ومحصولا استراتيجيا تتهافت عليها العديد من الدول وتقدرها بيوت الازياء العالمية وتتطلع الأعين من اجل استيراده, ولكن هذه الثروة التي تقدرها الدول الاجنبية تكاد تكون مصر محرومة من الانتفاع بها وبمزاياها التنافسية من خلال التصدير العشوائي لخام القطن بأسعار زهيدة تكاد لا تذكر, واستيرادها مرة أخري علي هيئة صناعات نسجية متكاملة وملابس جاهزة. في البداية قال الدكتور إبراهيم عبد المطلب, مدير معهد بحوث الاقتصاد الزراعي, أن حجم انتاج مصر من الاقطان يبلغ حوالي5 ملايين قنطار, مشيرا الي ان المشكلة الاساسية في الصناعات النسجية تتمثل في الحاجة الي تحقيق الربط بين مراحل إنتاج وتصنيع وتسويق القطن وبين احتياجات مصانع الغزل والنسيج, فضلا عن محاولة تحقيق قيمة مضافة لهذا الخام من خلال رفع جودة التصنيع الجيد. وأشار الي ان بعض الدول مثل الهند تقوم باستيراد القطن المصري طويل التيلة وخلطه بمثيله الهندي بنسبة تصل الي30% من اجل زيادة جودة منتجاتها والحصول علي عائدات مالية تقدر بملايين الدولارات, مؤكدا ان مصر تحتاج الي إعادة نظر في سياساتها التسويقية للقطن المصري. وأضاف انه أثناء جني محصول القطن كل عام تقوم الدول بإستيراد كميات كبيرة من الأقطان قصيرة التيلة لتشغيل المصانع المتوقفة لحين الانتهاء من جمع المحصول, والذي من شأنه ان يؤثر بشكل سلبي علي تسويق القطن محليا, فضلا عن تهالك مصانع الغزل والنسيج والتي لا تمكنها من المنافسة بالاسواق العالمية. من جانب آخر أشار الدكتور فؤاد ابو زغلة, وزير الصناعة الاسبق, الي ان محصول القطن في السنوات القليلة الماضية كان يقدر بحوالي10 ملايين قنطار يتم تقسيمها الي5.5 مليون قنطار لقطاع الملابس الجاهزة و3.5 مليون للتصدير ومليون قنطار لصناعة المراتب والاستخدامات الاخري, ولكن في ظل تقلص انتاج القطن وتهالك مصانع الغزل والنسيج لجأ المصدرون الي تصديره, مؤكدا أن أكثر من ثلثي مصنعي المنسوجات في مصر يستخدمون القطن قصير التيلة المستورد من الخارج كأحد السبل المتاحة لمواكبة ركب التطور في الصناعات النسجية, خاصة أن زراعته غير متوافرة في مصر. 3- البلاستيكتبحث عن إعادة التدوير يعد قطاع الكيماويات في مصر وخاصة صناعة البلاستيك من أهم وأكبر القطاعات التي تساهم بشكل واضح فيالتصدير بنسبة تصل الي43% مقارنة بالصناعات الاخري, وتبعا لتصريحات أحمد هندي المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الكيماوية أن حجم الاستهلاك السنوي من البلاستيك في مصر يصل الي مليون طن منها10% نسبة هالك, حيث اعتبرها ثروة رهيبة إذا أعيد تدويرها, فضلا عن إمكانية استخدام البلاستيك كبديل للخشب وفي رصفالطرق وأرضيات المصانع. قال الدكتور خالد أبو المكارم, رئيس شعبة البلاستيك باتحاد الصناعات, ان حجم صادرات مصر من خامات البلاستيك يصل الي حوالي600 مليون طن, مؤكدا انه بمجرد وقف تصدير البلاستيك الخام والاتجاه الي تصنيعه لتحقيق القيمة المضافة والتي من شأنها ان تزيد أسعار المنتجات البلاستيكية بما يزيد علي2.6 مليار جنيه تقريبا. وأشار الي ان العالم بأسره يعمل بنظام إعادة تدوير مخلفات البلاستيك للاستفادة منها واستخدامها مرات أخري بقيم مضافة مرتفعة جدا, مؤكدا ان منع تصدير مخلفات البلاستيك يوفر حوالي40% من حجم شراء الخامات ويزيد من معدلات الانتاج المحلي بنسبة35%, موضحا ان بعض الدول مثل الصين قامت بوقف جميع صادراتها من المخلفات البلاستيكية لإعادة تصنيعها مرة أخري. وأضاف أن حجمالاستثمارات في مجال الكيماويات بلغ406 ملايين جنيه, لافتا الي أن حجمالاستثمارات في صناعة البلاستيك بمصر يقدر بنحو27 مليار جنيه منها7 مليارات جنيه تصديراللخارج, بالاضافة الي ان حجم العمالة بهذا القطاع يصل الي600 ألف عامل تقريبا. من جانبه أشار خالد شهاب, مدير عام إحدي شركات البلاستيك, الي ان كمية المعروض داخل الاسواق المحلية من خام البلاستيك غير كافية لتغطية متطلبات المصانع الكبري للبلاستيك, فضلا عن ارتفاع سعر الخامة في الاسواق الخارجية نظرا لارتفاع أسعار الدولار مما دفع المستوردين لتقليص حجم الخام المستورد, والذي بدوره انعكس علي مصانع البلاستيك في خفض نسب الانتاج. وأضاف ان مصر تمتلك كافة الامكانات التي تمكنها من تصنيع المنتجات البلاستيكية وإعادة تدوير مخلفات البلاستيك ولكن المشكلة الاساسية تكمن في ارتفاع أسعار الخامات وندرتها بالسوق المحلي نظرا لتصديرها للأسواق الخارجية دون تصنيع لضمان تحقيق المصدرين للأرباح السريعة, مشيرا الي ان مصر تستورد خامات بلاستيكية بما يعادل100 مليار جنيه سنويا, وإجمالي تصديرها يصل الي7.6 مليار جنيه تقريبا. وأشار الي أن إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية الصلبة ينتج عنها وقود يمكن استخدامه كبديل لمادة المازوت التي تستخدم في مصانع الأسمنت بنسب لا تقل عن40% من إجمالي الطاقة التي تستهلكها هذه المصانع. من ناحيته أوضح عادل حبيب, مدير إحدي شركات تدوير مخلفات البلاستيك, ان العديد من مصانع البلاستيك علي وشك انهاء كافة تعاملاتها بسبب ارتفاع أسعار الخامات المستوردة وغياب المخلفات البلاستيكية التي يتم تصديرها العديد من دول العالم لتعود في صورة منتجات زهيدة الاسعار ومنخفضة الجودة, مشيرا الي ان مصانع تدوير المخلفات البلاستيكية في مصر والتي لا تتعدي10 مصانع تلجأ الي بيع وتصدير هذه المخلفات دون إعادة تدويرها لتحقيق الارباح السريعة التي تزيد علي1500 جنيه للطن الواحد. 4- الرمال السوداء.. تنتظر الإنقاذ تعددت الأقاويل في الفترة السابقة بشأن إمكانية استخدام الرمال السوداء الغنية بالعديد من المواد المعدنية النادرة- أو الكنز المصري المدفون كما يصفه بعض الخبراء- في تطوير الصناعة والنهوض بالاقتصاد القومي, حيث اكتشفت آخر الدراسات التي أجرتها إحدي الشركات الاسترالية المهتمة بهذا المجال أن مصر تمتلك أكثر من11 موقعا للرمال السوداء علي سواحلها الشمالية, وأن العائد الاقتصادي لأحد هذه المواقع يزيد علي255 مليون جنيه سنويا أي ما يعادل أكثر من46.5 مليون دولار, فضلا عن إمكانية استغلال المعادن النادرة بها والتي يمكن أن توفر ملايين الدولارات المستخدمة في استيراد أحد هذه المعادن. في البداية قال الدكتور بهاء زغلول, رئيس مركز بحوث وتطوير الفلزات الاسبق, ان ثروات مصر الطبيعية والتي تتمثل في موادها الخام غير مستغلة في مصر نظرا لغياب الدراسات الجيولوجية التي تعمل علي تحديد أنواع وكميات وطرق استخدام هذه الخامات مدي صلاحيتها للدخول في الصناعات المختلفة, مشيرا الي وجود بعض الدراسات التي تؤكد احتواءها أكثر من400 مليون طن من المواد المشعة والنادرة لا تقدر بثمن. وأوضح أن إمكانية إقامة مشروع بغرض فصل المعادن المتواجدة بالرمال السوداء للاستفادة منها في إقامة العديد من الصناعات المتطورة, خاصة انها تتوافر في عده صور مختلفة مثل إما كمعادن منفردة أو كجزء من مركبات كيميائية, مشيرا الي ان المعادن المتوفرة بهذه الرمال تقدر بحوالي285 مليون طن تحتوي علي ما يزيد علي3% من المعادن الثقيلة. من جانبه قال الدكتور ناجي علي عبد الخالق, نائب رئيس مركز البحوث وتطوير الفلزات, ان الرمال السوداء في مصر تتكون نتيجة اصطدام مياه البحار مع نهر النيل ولذلك فهي توجد بكثرة في منطقة الدلتا وعلي طول الشريط الساحلي, موضحا ان الرمال السوداء تتألف من7 معادن مختلفة متعددة الاستخدامات. وأضاف ان أهم المعادن التي تتكون منها الرمال السوداء هي الموناليت وهو معدن مشع يمكن استخدامها في العديد من الاغراض مثل صناعة الاسلحة, مؤكدا ان هناك خطأ كارثي يحدث في مصر وهو استخدام هذه الرمال- التي يتوافر بها هذا المعدن بغزارة- في بناء المنازل والعقارات لإنخفاض أسعارها التي تصل الي14 جنيها للمتر الواحد, والتي تشكل خطرا كبيرا علي صحة الأشخاص علي المدي البعيد. وأوضح ان صناعتي السيراميك والبويات تعتمد بشكل أساسي علي الرمال السوداء من حيث توافر معدني الزرقنيوم والروتيل علي التوالي, حيث يتم تحويل الروتيل الي سبائك التيتانيوم التي تدخل في صناعة البويات وفي تغليف أنابيب البترول تحت سطح الأرض وتبطين الأفران و بعض الصناعات الاخري المتطورة كصناعة الطائرات وقضبان السكك الحديدية. وأشار الي انه لا يجب التعامل مع هذه الثروات المعدنية علي أنها مجرد حجارة أو تراب يستخرج من باطن الارض لتصديره للخارج كما يعتقد أغلب المصدرين, وإنما يجب تشجيع الاستثمارات للعمل في هذا القطاع العريض الذي يتسم بأنه من المشروعات كثيفة العمالة ويمكن أن تقوم عليها مجتمعات عمرانية جديدة, مؤكدا ان عمليات رفع جودة الخامة وتصنيعها أو إدخالها كجزء فعال في الصناعات الحالية من شأنه أن يزيد من القيمة المضافة بشكل كبير. رابط دائم :