في روايات نجيب محفوظ وغيرها من الأدب المصري الذي صور تصويرا أمينا ودقيقا المجتمع المصري في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي, كنا نستمتع بمشاهد قطاع الطرق, وهي حالة تعني انعدام الأمن في المناطق النائية, حيث يقطع البلطجية والمطاريد الطرق ليلا, ويسلبون المارة.. وهي ظاهر اختفت تقريبا من مصر الحديثة, لكنها عادت بأشكال أخري. وخلال الأيام الأخيرة أصبح مألوفا ومعهودا أن يقوم سكان قرية ما بقطع الطريق, ومنع السيارات من المرور بسبب حادث سير عادي وقع أمام قريتهم فيقطع السكان المحليون الطريق للتعبير عن غضبهم. وشاهدنا أمس سكان قري الأرقام التابعة لمركزي الحامول والرياض رافدي الطريق الدولي الساحلي الواصل من كفر الشيخ إلي بلطيم وهم يقطعون الطريق الدولي الساحلي بسبب انعدام مياه الري بأراضيهم ورفضوا مرور السيارات وطالبوا بحضور المسئولين. وقبلها بأيام قطع سكان قري جزيرة محمد وطناش وكفر غطاطي ومنشأة البكاري ونزلة الزمر الطريق الدائري بسبب قرار رئيس الوزراء بضم تلك القري إلي محافظة6 أكتوبر بعد ان كانوا ضمن نطاق محافظة الجيزة. وعقد محافظ الجيزة مؤتمرا صحفيا عقب الحادث, أعلن فيه أنه سيتم تلبية كل احتياجات سكان تلك القري التي سيطلبونها فورا, وقال المحافظ إن الأهالي' هيشوفوا خير مشفهوش في عمرهم' حتي لما كانوا في عهده كمحافظ للجيزة سابقا مبررا ذلك بزيادة موارد المحافظة الجديدة مقارنة بالماضي. مثل هذه الحوادث تقريبا أصبحت شبه يومية, كما أن المعالجات الحكومية أصبحت هي الأخري أغرب من قطاع الطرق الجدد, فبينما كان قطع الطريق قديما نوعا من أنواع البلطجة والخروج علي القانون, حيث تتصدي له الشرطة, أصبح قطع الطريق في الألفية الثالثة أحد حقوق الإنسان الأساسية! ومما يزيد الطين بلة, ويؤدي إلي خلط المعايير هو المتابعة الدءوبة من الصحافة والفضائيات لمثل هذه الأحداث التي تخرج عن حدود التعبير عن الرأي, أو الغضب المشروع لتتحول إلي فعل غير مشروع, يكسبه الإعلام الجديد مشروعية غير مبررة أو مقبولة. وللأسف فإن مؤسسات الدولة وسلطاتها التنفيذية حين تجد أي حالة غضب منفلت تتصدي لها الفضائيات, فتسارع إلي التعامل بشكل سريع معها, وكأن علي رأسها بطحة, وليس باعتبارها سلطة مطلوب منها المحافظة علي القانون. الأسبوع الماضي خاض البريطانيون انتخابات عامة ساخنة, ولم يتمكن عدة مئات من الناخبين من الإدلاء بأصواتهم, فنظموا وقفات احتجاجية سريعة علي حرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية, وأصبح الخبر الأول في تليفزيون البي بي سي الحكومي لكن أحدا من المحتجين والثائرين والغاضبين لم يقطع شوارع ولم يعطل المرور ولم يقذف المراكز الانتخابية بالحجارة. والفرق بين الاحتجاجات البريطانية والمصرية, أنهم في بريطانيا يطالبون بحقوقهم المشروعة بوسائل مشروعة, دون أي عدوان أو اعتداء علي حقوق الآخرين, بينما نحن وفي سبيلنا لنيل حقوقنا ندوس علي حقوق الاخرين ونعتدي عليهم ونبهدلهم ونمرمطهم, مع انهم ليسوا سببا لا في تحويل قرية إلي محافظة أخري ولا في حادث سيارة أو حتي في ندرة مياه الري. وما لم يتعامل الإعلام مع هذه الظواهر باعتبارها احتجاجات سلبية مخالفة للقانون تمثل تعديا علي حقوق الآخرين فستتسع دائرة قطاع الطرق ويختفي القانون حتي يتلاشي.. وعندها لن تتبقي لدينا دولة.