وجه المدير مليء بالغضب الذي لو وزع علي الكون كله.. يكفي ويفيض.. وهو يطلب منه ملف زميله حسني لتحويله للشئون القانونية لغيابه المفاجئ.. دون تقديم إخطار مسبق بالاجازة ماذا يفعل أمام مرض ابنته؟.. هل كان يمكن التنبؤ بالمرض قبل وقوعه؟ تباطأ في تقديم ملف زميله.. حتي تهدأ ثورة المدير.. الذي ما لبث أن استشاط غضبا حين لم يجد الملف علي مكتبه.. طالبا تحويله هو الآخر للشئون القانونية.. ظلم بين.. لا حد يجرؤ علي مناقشة المدير.. في الظهيرة يتقلص رواد المقهي.. اختاره مقعدا متهالكا مثله ليحتوي حزنه.. ومنضدة نظفت حديثا.. خارج المقهي.. أشعل آخر سيجارة في العلبة التي كومها وألقي بها في وجه المدير الذي تمني وجوده في تلك اللحظة.. يحدق في فتاة الاعلان المواجه للمقهي كأنه يريد أن يحفظ ملامحها... مختصرة الملابس.. جميلة تبدو عليها آثار النعمة.. مغسولة من الهموم والأوجاع.. تتسكع ذاكرته وتذوب خلف طيات الأيام ولحظات الزمن المتراكم.. أين له بمثل هذا الوجه الأبيض مثل اللبن الحليب.. رهيف الملامح؟ وذلك الشعر الناعم المنسدل.. كأنها قادمة من أغلفة المجلات الفنية.. لابد وأنها واجهت الكثير من انتقادات ورفض أسرتها.. لتكون فتاة إعلان أو موديلز.. فهذه مهن لا يباركها المجتمع, لكن شجاعة الفتاة في إقناع أسرتها.. واقتحامها ذلك المجال.. جرأة تحمد عليها.. لم يعد يراها.. أحاطت به هالة من ضباب مصغر غير صاف.. حين باغته وجه المدير الذي غطي مساحة الإعلان... مئات الحشرات الصغيرة.. تفترس روحه اللينة.. موجة عاتية قذفت به نحو رمال شاطئ مجهول.. انتبه لصوت النادل وهو يصب القهوة في الفنجان.. غامت المنضدة وما فوقها شاركته القهوة السكون المطبق المقبض.. قرر مواجهة المدير.. إنه لايقل شجاعة عن فتاة الاعلان.. كان لابد أن يأخذ بالأعذار وتحويله وزميله للشئون القانونية ظلم بين. لا وجود لقلعة تتعرض للهجوم يوميا.. مهما كانت حصينة إلا وتنتهي إلي السقوط يوما.. لا يهم أن يكون الأول في بدء الهجوم.. المهم المواجهة.. الاستسلام للظلم.. مهانة أشد.. أحس وهو يغادر المقهي بأن الأحزان بدأت تفارق قلبه شيئا فشيئا.. لم ينس أن يلوح بيديه لفتاة الاعلان التي بادلته الابتسام وهو يغمز لها بعينيه.. بعد أن ألقت إليه بوشاح الشجاعة..