رحلة العذاب اليومية.. هي كلمات دقيقة لوصف معاناة المواطنين وهم يقضون ساعات في الشوارع المصرية التي أصبحت شبيهة ب الجراج المتحرك. . فلم تعد أزمة التكدس المروري ترتبط بالميادين الكبري أو أوقات الذروة فحسب بل باتت أزمة علي مدار ال24 ساعة.. وعلي الرغم مما تتسبب فيه تلك الأزمة من إلحاق خسائر مادية مجحفة بالاقتصاد المصري علاوة علي ما تسببه للمواطن من إضرار بوقته وجهده وماله إلا أن الواقع يقر بأنها مأساة لا تعرف الحل. يقول اللواء أحمد عاصم خبير المرور والإعلام المروري إن أسباب المشكلة المرورية معروفة, ولطالما نادت المؤتمرات والندوات بضرورة الإسراع في السيطرة عليها قبل تفاقمها إلي هذا الحد, من خلال تطبيق خطط واستراتيجيات تم وضعها من قبل كبار الخبراء والمتخصصين في المجالات المرورية, وعلي رأسها القضاء علي المركزية والاهتمام بتنمية محافظات الوجه البحري والقبلي والارتقاء بمستوي الخدمات فيها, لتخفيف الضغط عن العاصمة. ويضيف أنه وفقا للدراسات العلمية, فنحن نعاني من عدم وجود النسبة والتناسب بين مساحة شبكة الطرق وأعداد مستخدمي هذه الطرق, إذ تبين أن القدرة الاستيعابية للقاهرة تقتصر علي مليون سيارة فقط في الوقت الذي تتحمل فيه3 ملايين سيارة علي أرض الواقع, بالاضافة إلي أن الطاقة الاستيعابية للسكان تتراوح من4 ل5 ملايين نسمة فقط, يشهد الواقع وجود نحو17 مليون نسمة, وذلك نظرا لأن القاهرة تنفرد بما تحتويه من الخدمات ووسائل الجذب الجماهيري عن بقية المحافظات, مما يولد الضغط والارتباك المروري الذي أصبح سمة الشارع المصري في كل الأوقات. وفي ضوء تقييم ردود أفعال الحكومة طوال السنوات الماضية يري عاصم أنها اتسمت بنوع من البطء لا يتناسب مع حجم الخسائر التي تلحقها علي الاقتصاد المصري, مؤكدا أنه في ظل المرحلة الانتقالية المليئة بالاعتصامات والوقفات الاحتجاجية, من الصعب أن يتفرغ مسئولو الدولة لمثل هذه الأزمة خاصة أن المنظومة المرورية بصفة عامة في حاجة لإصلاح شامل بداية من إعادة تأهيل رجل المرور وتزويده بقدر من العلم والتدريب والثقافة واللياقة الجسمانية المطلوبة مرورا بإصلاح شبكة الطرق ووسائل النقل المختلفة والارتقاء بثقافة المواطن في التعامل مع المنظومة المرورية, وبالتالي فهم يلجأون لوضع حلول أشبه بالمسكنات لتخفيف حدة الأزمة مثل الارتقاء بمستوي وسائل النقل الجماعي وتوفير عوامل الجذب بها لتشجيع المواطنين علي ركوبها بدلا من سياراتهم الخاصة وذلك لتخفيف الضغط علي الطرق. وعن كيفية إدارة أزمة التكدس المروري حاليا, يؤكد ضرورة وضع خطط قصيرة المدي والمتمثلة في تنظيم محطات الأتوبيس ومواقف سيارات السيرفيس والأجرة وتخصيص أماكن محددة للانتظار, مع الإزالة الفورية لإشغالات الطرق وتنظيم الباعة الجائلين, إلي جانب استئناف مشروعات الطرق المتوقفة, علاوة علي إعادة النظر في القانون المروري الحالي وتفعيل القوانين الأخري غير المفعلة مع تغليظ العقوبات علي المخالفين. وعلي صعيد الخطط طويلة المدي, يضيف أنه لابد من وضع خطط تدريجية للقضاء علي المركزية من خلال رفع مستويات التنمية في المحافظات المختلفة, إلي جانب اقتحام الصحراء واستغلال نحو95% من مساحة مصر غير المستغلة, في سبيل تحقيق التوزيع الأمثل للسكان, علي غرار التجربة التركية التي نجحت في الاستفادة من كل شبر علي أراضيها لصالح المواطن التركي. فيما يشدد اللواء مجدي الشاهد خبير مروري علي ضرورة استحداث نوع جديد من الإدارة يطلق عليه الإدارة الاستشرافية علي أن تختص بقراءة المستقبل من خلال رصد الظواهر ومن ثم التنبؤ بالأزمات المرورية ووضع مقترحات الحلول بشأنها, مؤكدا وجود هذه الإدارة في بلدان العالم المتقدم إلي جانب لجان لإدارة الأزمات حين وقوعها والتي تتعامل مع الأزمة طبقا للسيناريوهات الموضوعة من قبل الإدارة الاستشرافية في إطار استراتيجية واضحة ومعلنة. ويلفت إلي تقصير المجلس الأعلي للمرور في القيام بدوره من حيث رسم السياسة العامة والتخطيط اللازم للمرور, لافتا إلي أنه لم يصدر أي بيان ولم يجتمع ولو لمرة واحدة منذ أن صدر قرار بتشكيله عام1982, متسائلا: كيف يتوقع من إدارات المرور الفرعية وضع استراتيجية لمجابهة الأزمات في ظل غياب الاستراتيجية الأم؟! ويؤكد أن إدارة الأزمة علي الصعيد المروري في الوقت الحالي تقتصر علي تلقي التوجيهات والتعليمات إثر وقوع الأزمات دون خطط مدروسة وموضوعة مسبقا, مرجعا ذلك إلي عدم تفعيل دور الأجهزة المعنية بالإشراف ووضع السياسة العامة, ومن ثم الخلط بين المسئولية الإشرافية والتنفيذية, مطالبا بأداء كل منهم لدوره من خلال وضع نظام محكم للرقابة لضمان محاسبة المقصرين. رابط دائم :