يعيش الانسان الفرد في حياته وهو يسعي سعيا حثيثا لكي يمتلك الأشياء التي تجعله يشعر بقيمته, ويؤكد من خلالها ذاته, ويصبح الاحساس بالتملك من الأساليب المقبولة بين الانسان والآخر طالما يراعي كل منهم الحقوق والواجبات المتبادلة بينهم في عدل ويسر وسهولة. والانسان الفرد في سعيه هذا يحاول أن يتعلم ليملك من خلال درجة تعليمه وظيفته, ومقدراتها المالية, ويعطي لنفسه قيمة ثقافية وحضارية واجتماعية, ويقدر سعي الانسان الفرد إلي مصادر المعرفة والتعليم بقدر ما يسطع في سماء العلاقات الانسانية, فهو يأخذ المعلومات ويوظفها بما يحقق له هذا التملك المنشود, إلي جانب أنه يريد في كل لحظة أن يعلن عن قدراته من خلال هذا الكم المعرفي الذي يأمل من خلاله أن يكون متميزا. ويعلن الانسان في كثير من الأحيان عن رغبته في التملك من خلال أسلوب المناقشة مع الآخر, فهو يريد أن يظهر كل إمكاناته اللفظية والتعبيرية ويخرج مع فورة الألفاظ كل ما يعبر عن امتلاكه للحجة والمنطق وبراعة الأسلوب وكأن الانسان وهو يتخاطب في بعض اللحظات يريد أن يقول: هل تملك من الأفكار أكثر مني؟ وهل لديك الحجة المنطقية التي تمكنك من إفحام الآخر؟ وإلي أي حد تستطيع أن تكسب الجولة عندما تحدث المباريات اللفظية... وهل تجيد فن المقاوحة؟!! هكذا يكون سعي الانسان الفرد فهو لا يريد إذا كان يحترم ذاته أن يتصرف إلا في حدود ما يملك وما يمتلك من معطيات سواء ما تسعفه به ذاكرته, أو من خلال ما يجود به عليه تعليمه فنجده يغذي هذه الأمور بقراءات واسعة.. ويسعي وراء كل جديد من المعارف حتي يبدو وكأنه حريص علي أن يكون مالكا لكل ما هو جديد عارفا بكل ما يجعله يحظي بالمكانة والإعجاب!! والانسان الفرد في حرصه هذا يريد أن يكون علي درجة من السلطة حيث يتمكن من خلال السلطة هذه أن يدعم كيانه ويؤكد ذاته, ولكنه قد يصطدم بتدرج السلطة, فهو إذا كان حريصا علي أن يشبع في نفسه هذا الميل إلي التحكم في الآخر, فإنه قد نسي أن هذا الميل موفور بنفس القدر بالنسبة للآخر وهنا تصطدم السلطة, ويحدث ما يمكن أن يسمي بالصراع النفسي ويلوح السؤال المهم هل يمكن أن يملك الانسان حبا؟ فإذا كانت الاجابة( بنعم) فإن الحب هذا سيكون في حوزة الانسان يملكه ويقتنيه ويصبح شأنه شأن رزمة البنكنوت أو قطعة الأرض التي سوف يقيم عليها( فيلا) المستقبل أو سيارة فارهة يستشعر من خلالها أنه يملك النواصي والأقدام!! الحب لا يعرف التملك, لأن التملك فيه خنق وإهلاك, الحب لا يعرف إلا العطاء, لأن الحب نشاط إيجابي مثمر يتطلب أن تكون العلاقة بالمحبوب علاقة رعاية ومعرفة, وتجاوب وفرحة, ومسرة ومتعة. هكذا يكون الانسان الراقي في تعامله مع أعظم تجاربه, لأن وهم التملك في الحب يجعل المحبين يستشعرون وكأنهم قد وقعوا في حب بعضهم, وبطبيعة الحال فإن كلمة( الوقوع) تنطوي علي تناقض, لأن المحبة نشاط إيجابي مثمر والانسان في هذا النشاط ومن خلاله ينهض ويخطو ويسير ولا يمكن أن يقع, لأن الوقوع أو السقوط لا يعرف إلا السلبية فلا وقوع في الحب وقد يكون في بداية هذه التجربة( تجربة الحب) ما يدفع المتأمل العابر إلي أن يستشعر التملك خاصة في بداية التجربة, فكل منه لا يزال غير متأكد من مشاعر الآخر ويحاول كسبه, ولذلك فهو يحرص علي أن يكون جذابا تشع منه الحيوية وإثارة الاهتمام ويحرص علي أن يكون جميلا وهنا تظهر الملكية السطحية وتوظف الطاقة في حدود هذه الأفعال المصنوعة والتي تسخر لتنشيط المشاعر... ولكن الحب بمعناه الحقيقي هو ذلك التفاعل الذي لا يعرف الصنعة ولا يعترف إلا بكل ما هو صادق ومشرق وناصع... فلابد وأن يري الحبيب حبيبه في كل صورة وفي كل موقف, وفي كل لحظة رمزا للرعاية والمعرفة والتجاوب, والفرحة والمسرة والمتعة بعيدا عن هذه الآفة الخطيرة التي تنخر في شخصية الانسان... آفة التملك. والسؤال الآن متي تتحول هذه الملكية إلي تصرفات تؤدي بصاحبها إلي العدوان علي الآخر أو إلي أن يتصف بالتطرف في حبه لمصلحته فتظهر هذه النرجسية المسرفة في الذاتية... فتضيع مع ظهورها المتطرف كل المعاني المعبرة عن الذوق والاعتراف بحقوق الآخرين ولعل الاجابة تتلخص في النقاط الآتية: (1) عندما يتحول السلوك الذي يتركز حول الملكية والربح السريع وفلسفة اخطف وأجري!! إلي سلوك يصيغ اتجاهات الفرد ويدفعه إلي أن يعمي عن رؤية حقيقة الآخر في مصالحه وحقه أيضا في الحصول علي مطالبه وحقوقه. (2) عندما يمعن الانسان المتطرف في نرجسيته في الحصول علي السلطة( بأي شكل من الأشكال) ويشعر من خلالها بأنه يمتلك الأمر, وله حق السيطرة, وله كل المقدرات فينسي تحت وطأة هذا الشعور الضاغط كل معاني الانسانية المعبرة( عن الحق والخير والجمال). (3) عندما ينسي الانسان في زحمة نشوته أنه لا يفكر إلا في ذاته فقط وحرصه علي أن يكون هو المفضل دائما وصاحب الرأي السديد غالبا وهو أيضا صاحب الكلمة التي لا يجوز إغفالها, أو عدم الاعتراف بسلامتها وصرفها ومنطقيتها حتي وإن كان الاعتراف لا يعبر إلا عن النفاق أو المسايرة المعبرة عن المهادنة والاستكانة!! إن الآخر له نفس الحقوق وله نفس الاعتبارات. وهكذا يعتدي الانسان بنرجسيته في بعض الأحوال وعند بعض الأفراد علي الآخر فيعبر عن هذا الاعتداء بشعوره الضاغط وحقه غير الانساني, فهو يريد لنفسه فقط ولا يريد لغيره, ويحب لنفسه ولا يحب لغيره, وتلك علامات الاضطراب النفسي الذي يعبر عن شخصية غير سوية لا تقوي علي فعل الخير ولا تعترف إلا بمصلحتها. والواقع: أن الانسان في سعيه في الحياة لا ينكر عليه أنه يريد ويتمني ويتطلع ويحب ويخطط, لأن الوجود الانساني يتطلب من الانسان الفرد أم يملك أشياء تساعده وتعمل علي الحفاظ عليه, فنراه يستخدم الأدوات ويعتني بها, فهو يسعي للحصول علي الغذاء والكساء ويقتني السلع الضرورية التي يسد بها رمق الحاجات العضوية وهو مدفوع بدوافع ضرورية منطقية تجعله يملك ويتملك, ولكن الانسان الفرد في سعيه هذا لا ينبغي عليه أن يعتمد علي الدوافع الضاغطة التي تجعله ينسي في زحمة ولعه بامتلاك الأشياء حقوق الآخرين ومصالحهم, فإذا كان يريد الإشباع فعليه أن يتذكر أن الذي يأكل وحده دائما لابد أن يشعر بالظمأ! ولما كان الانسان في صورته السوية وأفعاله الخيرة يمثل القيمة والأمل والانجاز لأنه خليفة الله في الأرض, والله يفرح بعباده الصالحين ويعطيهم من رحمته وكرمه وحنانه الكثير من النعم, وينبههم إلي الصراط المستقيم تجنبا للوقوع في المشكلات وتحسبا للأمور الصعبة ووقاية من الضغوط وما قد يصاحبها من آلام وإحباطات.. الانسان قيمة وأمل وإنجاز لا يعرف التملك البغيض الذي يتحكم في الآخرين إلا أن هناك بعض الأفراد من خلال التعامل غير السوي خرجوا علي السائد المألوف فظهرت منهم سلوكيات عجيبة تثير الدهشة والنفور لأنها تخفي وراءها انفعالات وهواجس واتجاهات تبعد صاحبها عن دائرة الخير والنماء وتدفعه إلي دائرة الشر والجدب وهكذا يمثل حب التملك آفة خطيرة لأن من يحب أن يتملك الآخر فهو قد حكم عليه بالأسر في خندق مظلم وهو مكبل بأغلال الأنانية من قبل المالك ولما كان المالك الحقيقي هو الله... فلا خير في شخص يميل إلي أن يتملك الآخر أو يستحوذ علي كل شيء... فالحياة للجميع والمالك لكل أمورنا هو الله عز وجل. رابط دائم :