الإنسان قيمة وأمل وانجاز... يتجلي من خلال سلوكه وتصرفاته التي تعد اشعاعا كونيا يظهر بوضوح من خلال ذلك التفاعل والتبادل بينه وبين الانسان الآخر.. وتتسع دائرة العلاقات الإنسانية وتتشابك, ويكثر العطاء وينمو النسيج البشري ويتماسك فالانسان وفق فطرته الطبيعية التي أرادها الله له هو ذلك المخلوق البشري الذي خلق ليبحث عن الانسان الآخر, بحيث يصبح الوجود الحقيقي بالنسبة للانسان الفرد انما يتحقق من خلال تلاقيه مع غيره من الأشخاص وليس من خلال تعامله مع مجموعة من الأشياء هذا هو السر في ذلك الاستمرار العظيم للكيان البشري الذي يرفض أولئك الذين يتميزون بالأنانية ويفضلون العزلة عن المجموع وعدم المشاركة الفعالة في أموره. الانسان قيمة وأمل وانجاز.. إلا أن بعض الأفراد من خلال التعامل غير السوي خرجوا علي السائد المألوف فظهرت منهم سلوكيات عجيبة تثير الدهشة والنفور لأنها تخفي وراءها انفعالات وهواجس واتجاهات تبعد صاحبها عن دائرة الخير والنماء وتدفعه إلي دائرة الشر والجدب وهكذا يظهر الجوع النفسي في ظل الأنانية والحقد والكره, والجوع النفسي اعتمادا علي اظهاره الأحقاد ويدعو إلي الشر وحب التملك والاسراف في الاستحواذ المادي وما يتبعه من عدوان... وعندما يتحرش بعض الأفراد بلوعة الآخرين ويحددون اقامة الأهداف النبيلة في الحياة ثم يسرقون شعاع الأمل, فان الأحقاد سوف تنخر في النسيج البشري لتحول الأخضر إلي أصفر باهت ذابل.. وتمسح بأنياب الحقد كل مظاهر الشبع وتترك فضلات الكراهية لتعلن بضراوة علي مائدة الحياة عن( الجوع النفسي)!! أولا: الجوع النفسي بين الأنانية والأريحية: يكتسب السلوك المعني عندما يفصح من خلال نتائجه بما يدل علي وعي صاحبه, والوعي الذي نقصده يتجلي من خلال ثمار الأفعال أو ما نجنيه من خلال مجموعة التصرفات التي يقوم بها, وكان الانسان الفرد شأنه في ذلك شأن الشجرة التي تطرح ثمارها وتقدمها للقاطنين ومن ثمارها نعرفها!! ويحتاج السلوك الواعي هذا إلي الحركة التفاعلية التبادلية المتدفقة في اكثر من اتجاه, حركة تتجدد وتتجه في صالح الآخرين ومع الآخرين ومن أجل الآخرين. ذلك هو التواصل السلوكي( اذا صح التعبير) الذي يتم من خلال تبادل الوقائع والمعلومات والأفكار والخبرات, وما يحقق المصالح المشتركة الواعية والعادلة والتي ترتفع بأصحابها بعيدا عن محاور الأنانية وتبادل المنفعة الرخيصة تلك التي تشترط شروطا تبادلية ملتزمة بروح خسيسة وتتشدق بشعار يعبر عن الدونية والانتهازية( أعطني واعطيك) ثم بعد العطاء المحدود والمحدد سيكون لنا مع أمرنا شأن آخر!! هذا السلوك الشاذ يعبر عن غياب المعني الأصيل ويجافي شروط الوعي الانساني بقدرات الآخرين, لأنه سلوك مزيف يعتمد في أول الأمر علي مجموعة من الالتماسات والاستجداءات والرغبات الموقوتة العابرة والتي تحكمها مصلحة معينة يخطط لها هذا الأناني فيستغفل نفسه ويفقد وعيه لأنه لا يري إلا رؤية قاصرة لا يمتد نورها إلا في حدود رقعة ضيقة حالكة السواد يحيطها غبار الأنانية الخانق. وبطبيعة الحال فان هذا السلوك الموقوت( المصلحجي) يمنع صاحبه عن العطاء المخلص ولا يريد له أن يسلم وعيه أو مدركاته أو معلوماته للآخر بسهولة ويسر, وهذه هي الخسارة الفادحة التي تجعلنا نظهر قبح سلوك الأنانية وكيف يقتل هذا السلوك متعمدا ومترصدا كل معاني الخير والانجاز والعطاء ويضيع الأمل الذي كانت تنسجه خيوط المحبة التي تعمل بأمانة واعية وتفاعل مستمر وتضحية شجاعة ومروءة حانية, وفكر صادق وحرص نبيل, لابد من أن نرفض هذا السلوك الأناني الذي خلق الصراع النفسي وعبر عن الجوع النفسي الذي نشر الخلافات والمشاجرات والتحرشات. ثانيا: حب التملك آفة الشعور بالجوع النفسي: يعيش الانسان الفرد في حياته وهو يسعي سعيا حثيثا لكي يمتلك الأشياء التي تجعله يشعر بقيمته ويؤكد من خلالها ذاته, ويصبح الاحساس بالتملك من الأساليب المقبولة بين الانسان والآخر طالما يراعي كل منهم الحقوق والواجبات المتبادلة بينهم في عدل ويسر وسهولة والانسان في حرصه علي التملك يريد أن يكون علي درجة من السلطة حيث يتمكن من خلال السلطة هذه أن يدعم كيانه ويؤكد ذاته, وفي سبيل ذلك ينسي الآخرين ويعميه حب التملك والاستحواذ بالسلطة عن رؤية الحقيقة, أو التفكير لمصلحة الآخرين, فهو لا يري كفاءات ولا يري غير نفسه معجبا بها ومتطرفا في اعجابه فيستبد ويمنعه استبداده من الاستماع لرأي الآخر مهما كان واعيا أو عالما, فمصلحته هي أولا وعليه أن يحققها حتي لو جاءت علي رفات الآخرين فهو يعتدي عليهم وعلي حقوقهم ويتطرف في حبه لمصلحته فتظهر هذه النرجسية المسرفة في الذاتية فتضيع مع ظهورها المتطرف كل المعاني المعبرة عن الذوق والاعتراف بالقيم الدينية الرشيدة الواعية التي تنادي بحقوق الآخرين هكذا يظهر الجوع النفسي ليعبر عن النهم والحرص علي الالتهام دون وعي بمقدرات الآخرين فينسي حقوقهم, ولا يفكر إلا في مصلحته ولا يفكر إلا في اصطناع الوسائل الضاغطة والمؤذية فهو لا يبالي بآلام الآخرين ولا يستمع إلي نداءاتهم الحزينة ولا يكترث إلا بولعه في الاستحواذ علي كل شئ ناسيا كل المبادئ وكل مصالح الآخرين.. وسؤالنا لمثل هذا النموذج المريض نفسيا إذا كنت تريد الإشباع وحدك فعليك ان تتذكر ان الذي يأكل وحده دائما لابد وان يشعر بالظمأ.. ولا حياة لمن يريد ان يكون أنانيا وممتلكا وحده لكل الأمور, فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط!؟ رابط دائم :