ليست من المهام الموكلة للجامعة صناعة قوالب ، و إنما تربية عقول تتأمل وتفكر ، تنمو وتزدهر، تتطور وترتقي ، تنشر الحضارة وتتوغل في علوم الأرض وعلوم السماء ولا ننسى أن الأستاذية الراعية ينبغي أن تتصف أيضاً بجملة من الحلقات على النحو التالي : - تقبل القصور العلمي في طلابه والصبر في إصلاحه ، والإتصاف بالكرم من أهم الصفات التي تؤلف القلوب بين أصحاب التنشئة الإجتماعية الراقية الفاعلة ، ولا للتنشئة التي تربت علي الحقد البيني والكراهية المطبوعة ، وهذا البند أساس عظيم لمنظومة واسعة من الأخلاق . - التحلي بالتواضع وهي الحلقة الذهبية في سلسلة مواصفات الأشراف الرشيد والتعليم المفيد أن يلمس فيه طلابه والمحيطين به حب وقوفه بجانبهم في وقت الشدائد والمحن التي قد تمر بهم ، وإحترام وجهة نظرهم ، واستخدام روح المودة في معاملتهم ، والاقتراب من إهتماماتهم الشخصية ، وكسر حاجز التعامل النفسي ، وتوفير مناخ يشعرهم فيه بأنهم ينتمون إلى مشرف ومعلم راقي راضي رشيد يقدرهم ، هذا كله يجعل الطالب يشعر بروح معنوية عالية ، ودافعية للإنجاز، ويثير روح المنافسة في غير إغترار أو حسد للآخرين ، وفي هذا المعنى يقول الإمام علي رضي الله عنه : ( كنا نلوذ برسول الله (ص) إذا احُمرت الحدق، واشتدت البأساء) .. وفي هذا الصدد أقدم في هذا المقال بعض جوانب السلوك الفاضل الذي ينبغي أن يتحلى به الأستاذ الراعي ، والمشرف الواعي ؛ فأحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما أستعيد الانسان إحسان .. وسيرة رسول الله (ص) مليئة بالنماذج الوضاءة : من تسامحه مع الأعرابي الذي أغلظ في القول ، وتسامحه مع أهل مكة يوم الفتح ، والتحلي بالشجاعة في نقد الذات ، ويعني ذلك الرجوع إلى الحق متي استبان الخطأ في القول أو العمل أو فيهما معاً . كان المصطفى (ص) يحترم محدثه صغيراً كان أم كبيراً ، إذا صافح أحدا لا يبادر بسحب يده ، كان يشارك أصحابه الأعمال ولا يتعالى ولا يميز نفسه.
فهناك أساتذة يرعون طلابهم فقط بالجانب العلمي وهذا يمثل هدف خاص إستاتيكي المعنى ، وقد ينظر البعض منهم أنهم حصلوا على العلم كله وإن لم يتحدثوا بهذا ، ولكن الذاتية تبرز في حواراتهم ، وما يكمن بالداخل يظهر على المحيطين بكل تلقائية (يرضونكم بأفواهم وتأبى قلوبهم ) ، وأساتذة يرعون الجانب العلمي مع عدم إهمال الجانب الإنساني – أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون - وهؤلاء أكثر قدرة على إحتضان متلقي الرعاية Mentee وإستيعابهم بأخطائهم وزلاتهم وتحويل جانبي التلقي والإستيعاب إلى نافذة للإستثمار وهذا هو قمة أهداف التربية فالإستثمار في الإنسان هو الأبقي والأصلح ويتحقق فيه التقوى والإيمان بالفعل لا بالكلام ، وهؤلاء يمثلون الدور الهام للأب والقرين ويمكن أن نطلق عليهم النمذجة Modeling في العطاء والسلوك ، وهؤلاء هم محل النقد من الفريق الأول ، لأنهم ينظرون إلي الذاتية علي أنها التقدمية ، ودائرية العطاء هي الرجعية ، ونستشد بالقول الكريم – وربطنا علي قلوبهم – أي قويناها علي قول الحق ، وخير العطاء ، ومجتمعية الإنتماء ، فكل فرد منا إنما هو لبنه في بناء صرح الأمة الشامخ وخيط قوي في نسيجها المحكم المترابط ، وسلامة المجتمع تعتمد بالدرجة الأولي علي سلامة فكر أفراده من الصالحين ، فالعلاقة بينهما علاقة عضوية وينبغي أن نسترشد بها في علاقتنا مع الأخر ، وكلمة الأخر يعني بها أنماطاً وأشكالاً كثيرة من الدوائر الإجتماعية التي يرتبط بها الفرد في حياته بصورة من الصور أو بشكل من الأشكال . والإسترشاد هنا بقول المصطفي (ص) ! مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد ، إذ اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ، ولن نصل إلي هذا إلا إذا صلحت المضغة عندئذ تصبح القلوب الواعيه قوة محركة لبناء الأستاذية الراعية ، وهنا نقدم للمجتمع شخصية أستاذ راع له طريق واضح المعالم حتي وإن كان مليئاً بالعقبات ويتمتع بروح الاستقلال والثقة بالذات والتمسك باتجاه له بداية وله غايه ، فمصر آمنة بالأستاذية الراعية والقلوب الواعية .