حياة الرجال لاتقاس بالسنين والأعمار بل بالنتائج والآثار, وكما لاتقاس الأعمال بكمها وحجمها كذلك لاتقاس أعمار الناس, بطولها, فقد يعمر الإنسان عمرا طويلا, ولكن دون أن يترك أي أثر يذكر,وقد لايطول عمره, ولكنه حافل بالإنجاز والعطاء,وفي هذا يقول ابن عطاء الله في حكمة رب عمر اتسعت آماده,وقلت أمداده, ورب عمر قليلة آماده, كثيرة أمداده! من بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله تعالي مالا يدخل تحت دوائر العبارة,ولا تلحقه الإشارةومن الناس من يحيا بعد موته, ويخلف من صالح فالكيس من جعل لنفسه عملا صالحا في حياته يستمر بعد مماته فكم من أناس مازالت حسناتهم من عمل دعوي كان سببا به في هداية إنسان,أو عمل خيري كزرع شجرة له أجر كل من جلس تحت ظلها, أو أكل منها, أو وضع مبرد ماء( كولدير) في مكان عام,أو تبرع لمستشفي, أو ساهم في بناء مدرسة أو نشر العلم حية من بعده تأتيه في قبره,مستأنسا بها, وكم من أناس لاتتعدي ذكراهم أيام عزائهم, فمن يعش لنفسه ينته ذكره,ويندثر أثره بموته, ومن عاش للناس يبق ذكره بعد موته مابقي الناس, وعلي قدر ماعاش وقدم لهم. ومن هنا قال النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه في سننه بسنده عن أبي هريرة قال: رسول الله صلي الله عليه وسلم:إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره,وولدا صالحا تركه ومصحفا ورثه, أو مسجدا بناه, أو بيتا لابن السبيل بناه,أو نهرا أجراه, أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته. فاحرص علي أن يكون لك عمل صالح يستمر ثوابه لك بعد موتك ما دمت في دار الإمهال, وبادر إليه أشد المبادرة قبل أن تنقضي الأعمار, وتنصرم الآجال.