احتفلت مصر والعالم منذ يومين باليوم العالمي للعمال,والذي يوافق الأول من مايو,تخليدا لكفاح العمال لنيل حقوقهم, وعلي رأسها تحديد وقت العمل بثماني ساعات بحد أقصي في اليوم, وقد عني الإسلام عناية فائقة بحقوق العمال,وبالعلاقة بينهم وبين أصحاب العمل, وحدد لكل طرف حدوده,وبين حقوقه وواجباته. يقول الدكتور حسين حسين شحاته,الأستاذ بجامعة الأزهر والخبير بالمعاملات المالية الشرعية:العمل في الإسلام فريضة وأساس ذلك قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: طلب الحلال فريضة بعد الفريضة وهو من مكفرات الذنوب مصداقا لقوله صلي الله عليه وسلم: من أمسي كالا من عمل يده أمسي مغفورا له وقد حرص الإسلام علي تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل, سواء أكانت الحكومة أو المستثمر أو غيرهما, فبين واجبات العامل التي عليه أن يؤديها, وحقوقه علي صاحب العمل التي يكتسبها بأداء عمله, منعا لحدوث خلاف أو تصادم بين طرفي علاقة العمل,فلا يوجد أي تعارض أو تضاد بين مصلحة العامل وبين مصلحة رب العمل سواء أكان الأخير هو الحكومة أو غيرها,ما دام العامل يؤدي ما عليه من واجبات ومسئوليات, ويقوم رب العمل بالوفاء بما عليه من حقوق للعامل,وما دام كلاهما يؤمن بأن العمل عبادة وفريضة وطاعة لله وعزة وشرف وقيمة, وغايته عمارة الأرض لعبادة الله, ولكن ينشأ الصراع أو الخلاف عندما يختل التوازن بين الحقوق والواجبات,أو عندما لايؤدي العامل واجبه, أو ينقص رب العمل من حقوق العامل,بما يؤدي إلي انخفاض الأداء والجودة, وأحيانا إلي المظاهرات والإضرابات ويفرض المنهج الاقتصادي الإسلامي علي الدولة حقوقا تجاه أفراد المجتمع من العاملين, ومنها أن تساعد الحكومة العامل علي إيجاد فرصة العمل المناسبة وهذا مافعله رسول الله صلي الله عليه وسلم مع الرجل الأنصاري الذي جاء يسأله الصدقة, فرفض الرسول أن يعطيه وهيأ له فرصة العمل ومنها أن يكون أجر العامل مناسبا ومكافئا لما يقدمه من جهد,فلا يجب أن يكون العامل عالة يكسب ولايعمل,كما لايجب بخس العامل الصادق القوي الكفء حقه,يقول تعالي: ولا تبخسوا الناس أشياءهم الأعراف:85 وفي الحديث القدسي:ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:...ورجل استأجر أجيرا فاستوفي منه ولم يعطه أجره رواه البخاري, منها أن تكفل الحكومة للعامل حق الكفاية عند العجز أو البطالة وفي ظل الأزمات فإذا مات العامل وعليه ديون وهو فقير فيجب علي الحكومة أن تسدد ديونه, وأساس ذلك حديث: من ترك مالا فلورثته, ومن ترك عيالا أو دينا فعلي وأنا أولي بالمؤمنين رواه ابن ماجه ولقد وضع الإسلام نظاما فريدا للضمان الاجتماعي لم تتوصل اليه حتي الآن النظم العالمية المعاصرة, وهذا النظام يضمن لكل إنسان حق الحياة الكريمة وقوام هذا الضمان هو نظام الزكاة وأساس الزكاة التكافل الاجتماعي. ومن حقوق العامل أيضا والكلام للدكتور شحاته التعجيل في إعطائه أجره حتي يستطيع أن يشتري حاجاته,ومن الوصايا العظيمة لرسول الله صلي الله عليه وسلم قوله:أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه رواه البخاري, ومن الحقوق المعنوية التي كفلها الإسلام للعامل الحق في الحرية وإبداء رأيه والمشاركة في اتخاذ القرارات, وهذه هي الشوري, يقول تعالي:وأمرهم شوري بينهم الشوري:38,ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم: ماندم من استشار ولاخاب من استخار والشوري ضد التسلط والكبرياء والقمع التجاهل كما أن الشوري أساس الرأي الرشيد. بينما يقول الشيخ وائل عبد المطلب من علماء الأزهر الشريف: اهتم الإسلام بحقوق العمال قبل عيدهم بأكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان, ورعاهم وكرمهم,وأعطاهم حقوقا تجعلهم يعيشون حياة كريمة عزيزة, بعد أن كان العمل قبل الإسلام معناه الرق والتبعية والذل والهوان, فأمر الإسلام باحترام العامل ومعاملته معاملة إنسانية كريمة, وإعطائه حقه كاملا غير منقوص, وأمر كذلك بالإسراع في إعطاء العامل راتبه في الوقت المحدد وعدم تأخيره مهما كانت الأسباب, وأن يكون هذا الراتب عادلا يمكنه من أن يحيا به حياة كريمة هو وأسرته, كافيا لكل متطلباته الحياتية,وحث النبي صلي الله عليه وسلم أصحاب الأعمال علي ذلك, فقال: إخوانكم خولكم, جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده, فليطعمه مما يأكل, ويلبسه مما يلبس مع إعطائه حقوقه التي اشترطها علي صاحب العمل عند التعاقد, والا يحاول صاحب العمل انتقاص شيء منها وألا ينتهز حاجة العامل الشديدة الي العمل فيبخسه حقه,مع عدم تكليفه بالأعمال الشاقة التي لايقدر عليها, أو التي تضر بصحته, وها هو نبي الله شعيب عليه السلام يقول لموسي عليه السلام حين أراد أن يعمل له في ماله وما أريد أن أشق عليك فإن فعلنا شيئا من ذلك أعناه وساعدناه,وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم موصيا أصحاب الأعمال: لا تكلفوهم( أي العمال) مايغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم ومن الحقوق التي حفظها الإسلام للعامل حقه في حياة كريمة عند عجزه عن العمل أو عند كبره, فلقد مر عمر علي يهودي يتكفف الناس, فزجره واستفسر عما حمله علي السؤال,فلما تحقق من عجزه رجع علي نفسه باللائمة, وقال له: ما أنصفناك يا هذا, أخذنا منك الجزية قويا وأهملناك ضعيفا, وافرضوا له من بيت المال مايكفيه,كما يجب علي صاحب العمل تمكين العامل من أداء ما افترضه الله عليه من طاعة كالصلاة والصيام, فالعامل المتدين أقرب الناس إلي الخير ويؤدي عمله في إخلاص وأمانة. علي حافظ رابط دائم :