لا الحديث الآن في القضية الفلسطينية عن المفاوضات غير المباشرة التي تسعي واشنطن لإطلاقها بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, والتي لا يعرف أحد عن ماذا ستسفر, و من المهم هنا الإشارة إلي ثلاث رؤي مختلفة حول قيام الدولة الفلسطينية تناقلتها الصحف ووسائل الإعلام المختلفة, تقدم كل واحدة منها رؤية تشتبك مع الوضع الراهن للحلم العربي لقيام الدولة, والذي طال عليه الزمن, ولم يزل مجرد حلم, لأسباب مختلفة. الرؤية الأولي أعلنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الذي وجهه للعالم الإسلامي من القاهرة, وهي رؤية تحمل قدرا من الالتزام الأخلاقي دون أن تترجم في شكل إجرائي, ولم تترجم حتي الآن, ولا تبدو مقدمات لها لهذه الترجمة فأوباما في خطابه طرح الدولة الفلسطينية كحلم وهدف, لكنه لم يحدد في المقابل ملامح هذا الحلم, ولا كيف يمكن الوصول إلي ذلك الهدف. الرؤية الثانية أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في خطابه الذي ألقاه في جامعة بار إيلان في السادس عشر من يونيو العام الماضي, والذي يري الكثيرون أنه جاء ردا علي خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما فيما طرحه في رؤيته حول القضية الفلسطينية واستعراضا لموقف الحكومة الإسرائيلية من دعوة أوباما لقبول حل الدولتين ووقف الاستيطان, خاصة أن أوباما جعل في خطابه حل مشكلة السلام في الشرق الأوسط مصلحة أمريكية. قال نتنياهو في خطابه: إن بلاده تقبل بقيام دولة فلسطينية إلا أنه وضع عدة شروط لتحقيق ذلك الهدف أهمها' أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ولا تمتلك أي صلاحيات لعقد معاهدات عسكرية وأن يكون مجالها الجوي مفتوحا لإسرائيل للرد علي التهديدات الأمنية من جانب حزب الله وإيران أو بمعني آخر ألا تتمتع الدولة الفلسطينية بسيادة كاملة, ولا تقبل بقيام الدولة الفلسطينية إلا في حال حصلت علي تعهدات بأنها ستكون مجردة من السلاح'. و قال نتنياهو في خطابه: إن' إسرائيل ستكون جاهزة للسلام ولقيام دولة فلسطينية بعد الحصول علي ضمانات تفي بالشروط الإسرائيلية حيال نزع السلاح الفلسطيني واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كأمة للشعب اليهودي'. وأضاف نتنياهو شروطا أخري تتعلق باحتفاظ إسرائيل بالقدس كعاصمة أبدية بشطريها غير مقسمة, كما اشترط نتنياهو أن تحل قضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود دولة إسرائيل لتناقض ذلك مع استمرار إسرائيل دولة للشعب اليهودي ورؤية نتنياهو لقضية الدولة الفلسطينية, كما طرح في خطابه رؤية لاقت استهجانا عربيا, وهي رؤية استباقية, تهدف إلي حصار الموقف الأمريكي قبل أن يلجأ إلي ممارسة أي ضغوط ممكنة عليه لقبول حلول جديدة تخص منطقة الشرق الأوسط, وهي رؤية تجرد الدولة الفلسطينية من مفهومها, وتضع معوقات كبيرة أمام قيامها, ولا تبقي لحلم قيام الدولة, سوي الاسم فقط. الرؤية الثالثة هي الرؤية المصرية, لكن هذا مقام آخر في مقال آخر.