أثبتت حكومة هشام قنديل عجزها وفشلها للجميع ورفع الكل الغطاء السياسي عنها بما في ذلك حزب الرئيس مرسي ومع ذلك تصر القيادة السياسية علي بقائها رغم عدم ممانعة المعارضة في تشكيل وزارة برئاسة الرئيس شخصيا. نال مقال( الثورة في الميزان) الذي نشرته في هذا المكان قبل أسبوعين استحسان عدد من الزملاء والقراء, رغم أنني لم أصل بفكرته إلي نهايتها, ربما بسبب ضيق المساحة وربما لحرصي علي ملاحقة الأحداث الساخنة التي شهدها جبل المقطم الأسبوع الماضي, وأعود لأذكر بأن السؤال المركزي الذي طرحته وحاولت جاهدا العثور له علي إجابة شافية هو: هل نجحت ثورة25 يناير في إفراز منظومة قيم بديلة كي تكون رافعة لبناء مصر النهضة, وترسخ لدولة القانون بحيث يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب دون أي اعتبارات أخري مثل فصيله السياسي أو ديانته وما شاكل. وأزعم ولست وحدي أن ارتدادات زلزال الثورة ضربت الأسرة المصرية في الصميم وامتدت إلي العلاقات بين أفرادها بعدما باتت ثقافة التمرد بضاعة رائجة بل حتي مقبولة وهو ما ينذر بتداعيات كارثية مستقبلا, لا سيما وأن نسب الطلاق في مجتمعنا تعد الأعلي بين دول العالم رغم وجود نحو9 ملايين عانس لا يقدرون علي تحمل تبعات الزواج والعدد مرشح للزيادة في ضوء تردي أوضاع الاقتصاد وتسريح عدد من العمالة بالقطاع الخاص. وألخص عناصر ما أعتقد أنها منظومة قيم أفرزتها الثورة في النقاط التالية: برزت حالة الانقسام والانشقاق بين الثوار وخصومهم منذ اليوم الأول للخروج ضد الرئيس السابق, ورأينا من أفتي بعدم جواز الخروج علي الحاكم ومن ركب قطار الثورة متأخرا وقفز منه مبكرا بدعوي أن الشرعية انتقلت من الميدان إلي البرلمان( طبعا الملغي). شاعت ثقافة التمرد بشكل سرطاني داخل المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة, واكتشف الكل فجأة أن له حقوقا ومظلوميات لم يعد ممكنا السكوت عليها وخرجت مسيرات واعتصامات ونظمت إضرابات تطالب برفع الحوافز والمرتبات دون أن يكلف أصحابها عناء السؤال.. من أين بالمال لتغطية هذه المطالب في ظل توقف عجلة الاقتصاد؟ ومع التسليم بمشروعية مطالب البعض فالمؤسف أن( العواطلية) وغير المنتجين وعديمي الكفاءة انخرطوا في الصفوف الأولي وركبوا قطار المظلومية دون حياء أو خجل. كرست الممارسات التي أعقبت الثورة ثقافة الصوت العالي فالأكثر قدرة علي التظاهر والمشاغبة والظهور في وسائل الإعلام يحصل علي أكثر مما يستحق ويبتز صانع القرار بعدما غابت المعايير وأصبحت المؤسسات أضعف من الأفراد في علاقة مقلوبة فبدلا من أن تقهر المؤسسات أفرادها بات الأفراد يلوون ذراع أعتي المؤسسات ويحصلون علي حقوق دون وجه حق. انتشرت ثقافة الكذب المبرمج فالكل يكذب ويظن أن الآخرين يصدقونه وينسي الحكمة الخالدة:( إذا كنت كذوبا فكن ذكورا) وتحول الجميع إلي ضحايا, أهل الحكم الجديد ضحايا للنظام البائد ومعارضوهم ضحايا للإخوان ومن والاهم دون أن نعثر علي الجلاد الحقيقي أو اللهو الخفي الذي ينشر الرعب والفوضي دون أن يجد من يتصدي له ويقتص منه حتي هبط تصنيفنا الائتماني من( سالب ب) إلي( سي ايه ايه وان). حدث تواطؤ من الجميع ضد القانون فالسلطة تلتف علي أحكامه وتسلق الدستور والقوانين التي تمكن لها والمعارضة بدعوتها إلي تظاهرات توقع ضحايا وعدم تقديم بديل أفضل وهو ما عبرت عنه بهروبها من الانتخابات بادعاء بطولة زائفة. شهدت الأيام الماضية المجاهرة بالخروج علي سلطة الدولة حتي من ناشطين وسياسيين فهناك من رد علي ضربه في المقطم بعبارة لن ألجأ إلي القانون وسآخذ حقي بيدي وهناك من طبق حد الحرابة ومارس القتل والسحل والسرقة وقص شعر البنات والسيدات في المترو والمدارس جهارا نهارا دون أن يسائله أحد. هبطت لغة الحوار بين الخصوم السياسيين والمعارضين وتحولت إلي السباب والشتائم ووصل الأمر إلي رفع بعض المتظاهرين الحذاء أمام مكتب النائب العام مما يكشف عن حالة التدني التي لم يسلم منها شيء. تكريس ثقافة الادارة بالعناد فقد أثبتت حكومة هشام قنديل عجزها وفشلها للجميع ورفع الكل الغطاء السياسي عنها بما في ذلك حزب الرئيس مرسي ومع ذلك تصر القيادة السياسية علي بقائها رغم عدم ممانعة المعارضة في تشكيل وزارة برئاسة الرئيس شخصيا. غلب علي التغييرات في المناصب القيادية الاستعانة بأبناء الجماعة والعشيرة علي حساب الكفاءات والتكنوقراط, كما تم دفع موجات متلاحقة من الأشبال بدافع التمكين لسنوات وسنوات ورأينا حزب النور السلفي يكشف عن تعيين13 ألف قيادي إخواني في مفاصل الدولة وهو ما ترفضه الجماعة ليل نهار ويكذبه الواقع. غابت ثقافة المشاركة وحلت محلها المغالبة ولم يقدم خلفاء مبارك درسا في التسامح والسمو فوق الخلافات والترفع عن الشبهات وتبني سياسات تلم الشمل, توحد ولا تمزق, تبني ولا تهدم, تصالح ولا تلاحق والنتيجة أن الجماعة فقدت براءتها السياسية وخسرت تعاطف قطاع كبير من غير المتحزبين بل وحتي الحلفاء علي نحو ما شهدنا من شقاق بينها وبين حزب النور السلفي. وللحديث بقية