لا أعرف ما الشيء الغريب الذي هجم علي فجأة وجعلني أعود من طريقي بعد صلاة الجمعة وأذهب إليه في المستشفي الذي أدخلناه إياه قبل أيام متألما من جلطة في المخ.. شعرت بأنني في حاجة أن أراه.. سألني ابني لماذا عدت.. فقلت له: سأزور زميلا لي في المستشفي.. فطلب أن يصعد معي إلي الغرفة43 التي قضي بها أيامه.. وما ان دخلنا عليه حتي انتفض من سريره مبتسما ومرحبا كعادته حتي انني خشيت عليه فجريت نحوه وربت علي صدره طالبا منه أن يهدأ, ولكنه لم يأبه لما أقول واستمر في كلامه الجميل بوجه مشرق وصوت عال اعتدناه فيه! تكلمنا وضحكنا وتذكرنا حكايات20 سنة, وقال لي ان رقدته هذه درس لن ينساه بعد أن خرج من الأزمة سالما.. كان يريد أن يطيل الحديث, ولكنني كنت أشفق عليه وأطلب منه الراحة, وخلعت يدي من يده بصعوبة مستأذنا في الرحيل وسارعت نحو الباب, ولكنه نادي علي ابني أحمد وقال له: عندما أقوم من مرضي سأذهب إليك في نادي الشمس لأشاهدك في التدريبات والمنافسات.. مات سيد إمام عمر ولم يمهله القدر ليحقق ما قاله في مرضه.. وبكي ابني علي إنسان رآه للمرة الأولي والأخيرة. تسمرت قدماي في المسجد عندما رأيته جثة هامدة مربوطة وهو الذي كان يقلب المكان الذي يدخله فرحة وسرورا وضجة وضجيجا.. وتساقطت دموعي ونحن ننزله حفرة صغيرة مظلمة في مقابر باب النصر.. فالعقل أضعف من أن يستوعب هذه النهاية الحزينة, والقلب يقطر دما لحظة الفراق بعد اللقاء الطويل. لم نكن نعلم ونحن نداعبه بسن المعاش أن قدر الله نافذ ولا يحده عمر ولا مرض ولا مكان ولا زمان, فها هو فارقنا علي غير موعد ومن حيث لا نحتسب لا نحن ولا هو تاركا خلفه ذكريات جميلة وأياما لا تنسي, وأيضا الكثير من الألم.. رحم الله سيد إمام عمر وغفر له ذنبه وأسكنه فسيح جناته, وأعطانا القدرة علي الصبر عندما ننظر إلي مكتبه فنراه خاليا من صاحبه. رابط دائم :